قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح لمعة الاعتقاد
المتن:(وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله)
الشرح: لما ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ ما يجب اعتقاده في أسماء الله وصفاته؛ وهو إثباتها كما جاءت بألفاظها ومعانيها من غير تعرض لمعرفة كيفيتها، أو سؤال عن كيفيتها، أو تفسير لها بغير معناها الذي يدل عليه لفظها، هذا مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة؛ أنهم يتبعون الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته، فيثبتون لفظها ومعناها، ويمرونها كما جاءت من غير أن يتعرضوا لطلب كيفيتها، أو تفسير لها بغير ما دلت عليه ألفاظها، فمن أراد النجاة والسلامة فليأخذ بمنهج السلف في هذا، ولا يتكلف معرفة شيء لم يفهمه السلف، ولم يتعرضوا له، فإنهم أفضل الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، فهؤلاء هم السلف الذي يقتدى بهم؛ لغزارة علمهم، ودقة فهمهم، وشدة ورعهم وخوفهم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتأدبهم مع كلام الله وكلام رسوله، فهم القدوة.
: وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات
الشرح:الإقرار بما دلت عليه، والإمرار لألفاظها من غير تحريف ولمعانيها من غير تأويل، إقرارها وإمرارها وإثباتها كما جاءت.
المتن:(كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله)
الشرح: من غير تعرض لتأويل هذه الأدلة، تأويلها عن معانيها الصحيحة إلى معانٍ أخرى، هذا هو التأويل المذموم؛ وهو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنىً آخر، كتأويل اليد بالنعمة، أو القدرة، وتأويل الرحمة بإرادة الإنعام، إلى غير ذلك، فهذا صرف للفظ عن ظاهره، تأويل الوجه بالذات، إلى غير ذلك من تأويلات أهل الضلال.
المتن:(وقد أمرنا بالإقتفاء لآثارهم)
الشرح: أمرنا بإقتفاء آثارهم، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين) وبقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه).
أمرنا بالإقتداء بهم، والسير على منهجهم من غير أن نحدث شيئاً لم يقولوه.
المتن:(وقد أمرنا بالإقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدث وأخبرنا أنها من الضلالات)
الشرح: وحذرنا من المحدثات، ولذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار) هكذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم.
المتن:(وقال النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلافاء الراشدين المهديين من بعدي")
الشرح: والمراد بسنته صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي،كل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فإنه سنة، يجب الأخذ به، لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)، ولقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ولقوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) إلى غير ذلك من الأدلة التي تأمر باتباع الرسول، وطاعته، والأخذ بما ورد عنه، وكذلك سنة خلفائه الراشدين، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ، هؤلاء هم الخلفاء الراشدون الذين أمرنا صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم؛ لأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يحققون الإتباع للرسول صلى الله عليه وسلم.
المتن: (وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)
الشرح: الخلفاء: جمع خليفة، وهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم خلفاء الرسول، ووصفهم بالراشدين، والرشد ضد الغي، الرشد هو الهدى واتباع الحق، والغي هو الضلال والانحراف عن الحق، فهم راشدون ـ رضي الله عنهم ـ ثم وصفهم بوصف آخر، فقال: (المهديين) هذه أوصاف عظيمة لهؤلاء الخلفاء.
المتن: (عضوا عليها بالنواجذ.)
الشرح:عضو عليها يعني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، هذا يراد به شدة التمسك بالشيء، يقال: عضَّ عليه بالنواجذ إذا اشتد تمسكه به، كالغريق إذا وقع في ماء ومعه حبل؛ فإنه يتمسك بهذا الحبل لئلا يغرق، فإذا خشي أن ينفلت من يديه عضَّ عليه بنواجذه، يعني بأضراسه، من الحرص على الإمساك بهذا الحبل؛ لأنه سبيل النجاة، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحبل الذي بيد الغريق، لو أطلقه لهلك.
المتن: (وإياكم ومحدثات الأمور)
الشرح: لما حث على التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم نهى عن المحدثات، جمع محدثة، وهي كل بدعة أحدثها المبتدعة، والبدعة ومحدثات الأمور هي إحداث شيء في الدين لم يكن منه، البدع المنهي عنها ما أحدث في الدين مما ليس منه، هذه هي البدع كما قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي رواية (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فأمور الدين لا تقبل الإحداث والزيادة، بل يجب التمسك بها نصاً وروحاً من غير زيادة ولا نقصان، وكلمة (إياكم) هذه كلمة تحذير.
المتن:(فإن كل محدثة بدعة)
الشرح: هذه قاعدة كلية عامة، كل محدثة في الدين فهي بدعة وليس هناك محدثة في الدين حسنة أو بدعة حسنة كما يقول أهل الضلالة، أو المنخدعون بما يقال: أنه هناك بدعة حسنة، الدين ليس فيه بدعة حسنة أبداً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). فالذي يقول: هناك بدعة حسنة، هذا يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول يقول: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وهذا يقول: لا، هناك بدع حسنة، ما هي بضلالة،هذا من المحادَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هناك في الدين بدعة حسنة أبداً، كل البدع ضلال.
المتن:(فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)
الشرح:هذا الحديث أصل عظيم، يرد على كل مبتدع يحسّن البدع للناس، ويقول: إنها خير، وإن فيها أجر، وفيها تنشيط على العبادة، وفيها وفيها، نقول له: البدع ليس فيها خير، وليس فيها أجر، وليس فيها شيء صحيح، كلها ضلالة، وكلها شر، وكلها مردودة على أصحابها، كفانا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه الخير والكفاية، الله ـ جل وعلا ـ يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم) ما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله به الدين، فمن جاء يريد أن يحدث زيادة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يتهم ربه بالكذب، الله يقول:{ أكملت لكم دينكم}، وهذا يقول: لا، بقي شيء، فيضيف إلى الدين شيئاً من عنده،هذا مكذب لله عز وجل أو متهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالكتمان، أن الله أنزل عليه هذه الأمور التي يراها هذا المبتدع والرسول كتمها ولم يبينها لأمته، كما يأتيكم في مناظرة العالم الذي ناظر ابن أبي دؤاد عند الخليفة الواثق بالله العباسي.