الحمد لله الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:
فإن جويرية بنت الحارث هي إحدى أمهات المؤمنين الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة.
الاسم والنسب:
هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن المصطلق، من خزاعة، تزوجها ابن عمها (مسافع بن صفوان) فقُتل يوم المريسيع (غزوة بني المصطلق)؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 92].
روى مسلم عن ابن عباس قال: ((كانت جويرية اسمها بَرَّة، فحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جُوَيْرِيَةَ، وكان يكره أن يُقال: خرج من عند برة))؛ [مسلم، حديث: (2140)].
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها:
روى أحمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ((لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا - أسرى - بني المصطلق - سنة خمس من الهجرة - وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - وكاتَبَتْه على نفسها، وكانت امرأةً حلوةً مُلاحةً لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتُها على باب حجرتي فكرهتُها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخفَ عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - فكاتبتُه على نفسي، فجئتُك أستعينك على كتابتي، قال: فهل لكِ في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتكِ وأتزوجكِ، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت، قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأةً كانت أعظم بركةً على قومها منها))؛ [حديث حسن، مسند أحمد ج: 43، ص: 384، حديث: (26365)].
قالت جويرية بنت الحارث: ((تزوجني رسول الله وأنا بنت عشرين سنةً))؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 94].
وقد كان أبو جويرية سيدًا مطاعًا في بني المصطلق، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 1، ص: 281].
فضل جويرية رضي الله عنها:
(1) روى مسلم عن ابن عباس عن جويرية: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتُكِ عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وُزِنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))؛ [مسلم، حديث: (2726)].
(2) روى البخاري عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصُمْتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري))؛ [البخاري حديث: 1986].
عِلْم جويرية رضي الله عنها:
روت جويرية بنت الحارث سبعةَ أحاديث؛ منها عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان، حدَّث عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، ويحيى بن مالك الأزدي، وآخرون؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 261، 263].
وفاة جويرية رضي الله عنها:
توفيت جويرية بنت الحارث سنة خمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذٍ والي المدينة، وكان عمرها يوم وفاتها خمسًا وستين سنة؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 94].
رحم الله تعالى جويرية بنت الحارث رحمة واسعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/138022/#ixzz6AB3fkMpb