اكتشف إيجابيات ابنك وعبر له عن حبك
هاني العبدالقادر
نبدأ في هذه الحلقة في الأساليب العملية للتعامل مع المراهقين، والتي سبق لنا ذكر مقدمتها في مقال سابق، فنستهلها بالمحور الأول:
بناء الصداقة، ويتضمن عدة عناصر نتحدث في هذه المقالة عن عنصرين:
العنصر الأول: اكتشاف الإيجابيات الصغيرة:
في الغالب ينتبه الوالدان لأخطاء الابن وعيوبه أكثر من انتباههم لمحاسنه وميزاته وإنجازاته، أو ينتبهون لبعض الإيجابيات الجيدة نسبياً، مثل: اجتهاده في الدراسة ولا ينتبهون لما هو أهم منه ألف مرة وهو محافظته على الصلاة مثلاً، أو يلاحظون لكن لا يقدمون رد فعل إيجابي يوازي على الأقل رد الفعل السلبي على أخطائه، ما أظن أحداً يحب رئيسه في العمل إذا كان هذا الرئيس ينتقده بشكل متواصل، بعض الجهلة من الرؤساء أو المديرين يظن أن الموظف لا يستحق أن يشكر على تصرفاته الجيدة؛ لأنه واجب أصلاً عليه في الوقت الذي يستحق اللوم أو العتاب على تقصيره وأخطائه، فيصبح 90% من حديث هذا الرئيس الفاشل لوم وعتاب وتوجيه وأوامر أنت أيضاً أيها الأب لا تكن رئيس أسرة فاشل في بيتك، نجاحك الحقيقي بعنايتك بإيجابيتك مهما كانت صغيرة في نظرك عنايتك بـ5% من إيجابيات ابنك المراهق أو بنتك المراهقة تحولها المرة القادمة إلى 50% وكفانا ملاحظة وانتباه إلى سلبيات أولادنا وعيوبهم، واستمع معي لقول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍوأبناؤنا أيضاً لهم ألسن ولهم أعين فاحصة، تنتقد آباءهم بكل دقة ومثالية وقسوة أحياناً، وإذا أصريت على تتبع عثراتهم وملاحظة زلاتهم سيبادلونك النظرة السلبية بتتبع عيوبك واكتشاف التناقض بين المثالية التي تطلبها وحقيقة شخصيتك، وتشوه صورتك المشرقة في أذهانهم وعلى العكس إذا لاحظت ميزاتهم سيتعلمون هذه الإيجابيات، وتبدأ أعينهم تبحث عن الإيجابيات التي بك فيزداد إعجابهم وتعلقهم واستفادتهم منك، أضف إلى ذلك بحثك عن إيجابيات ابنك وميزاته يزيد اعتزازك بابنك وحبك له، هذا الحب الذي يحتاج دائماً إلى تعبير فلا تحرم نفسك وتحرم ابنك لذة التعبير عن هذا الحب.
العنصر الثاني: عبر له عن حبك:
عبّر عن حبك بالهدية فهي تعبير عن المحبة وسبب في زيادتها، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "تهادوا تحابوا" حسنه الألباني.
هناك شيء آخر يعبر له عن المحبة ويزيدها، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم، وحتى تكون هذه الوسيلة في المحبة لا بد من إفشائها في البيت، لا تقل: سلمت أول ما دخلت البيت يكفي، بل أفشِ السلام إذا دخلت غرفة سلّم، أردت الخروج سلّم، رجعت سلّم لست خسراناً، عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه" رواه أبو داود وصححه الألباني.
الأسرة كلها تكتسب منك هذه الصفة طول اليوم، أفراد أسرتك يدعون لبعضهم بالأمن والرحمة والبركة من خلال هذه التحية العظيمة.
من أكثر ما يثبت المودة: احترامك وإكرامك لأصدقاء ابنك؛ تدعوهم للبيت، تهديهم الهدايا، تسأل عنهم لا ولدك ولا أصدقاؤه ينسونها لك، وتكسب في صفك أكبر مؤثر على ابنك وهم أصدقاؤه.
مهم جداّ أن تدعو لابنك في ظهر الغيب، ومهم أيضاً أن تدعو لابنك في وجهه وعلى مسامعه دعوات تسعده وتشعره بحبك له، فلا تبخل عليه بدعائك.
عبّر عن حبك بثنائك عليه في غيابه، وسيصل حديثك ولو بعد حين وأثرها بالغ جداً على نفسه، كذلك لا تنس أن تعطي ولدك أو بنتك كنية يحبها، وهذه سنة: أبو فلان، أم فلان نادهم بها.
ثم لماذا لا نعبر بطريقة مباشرة ؟ أخي الفاضل، أنت ألا تحب عيالك؟ قل لهم هذا الشيء، رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره" أخبر ابنك وأخبر ابنتك، قل: أحبك يا فلان أحبك يا فلانة، لماذا قاموس الكلام الحلو محصور بين الأزواج يجددون فيه ويتفننون، ماذا يقولون لأجل النعيم، أما المراهقون! مساكين حتى هم يريدون أن يسمعوا كلاماً حلواً يكفيهم عن البحث خارج البيت ستغمر قلب ابنك المراهق بالحنان إذا أخذته بين ذراعيك، وقلت له: أحبك يا فلان، الحمد لله الذي رزقني ولداً مثلك، اليوم جربها،يفرح كثيراً، يستغرب يقول: فيه شيء يا أبتِ، قل له: ليس هناك شيء فقط أحببت أن أحضنك، وانظر أثر السحر على قلبه وتصرفاته لكن لا تربطها بشيء، يعني لا تفعلها وهو يذاكر مثلاً حتى لا يخطر في باله أن المحبة من أجل المذاكرة، ولا تؤخر كل هذا عن ابنك أو بنتك إلى أن يتوقف عن شيء ما تريده أو ينفذ شيئاً تريده، وكأنك تبتز عيالك واحدة بواحدة، تذاكر أحبك، تجيء للبيت مبكراً أضحك لك، ترتب غرفتك أقول لك كلمة حلوة، تكون الأول أحضنك مبدأ الأرض مقابل السلام، هذا لا نريده.
اكتشافك لإيجابيات ابنك وتعبيرك عن حبك له سيجعل لأحاديثك مكاناً في سمعه ووجدانه بشرط أن تتحدث كصديق، وهذا هو عنوان العنصر الثالث من عناصر بناء الصداقة، والذي سيكون –بمشيئة الله موضوعنا في مقال قادم.