قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح الأربعين النووية
القارئ:
وعن عمر -رضي الله عنه- -أيضاً- قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم؛ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.
فقال: يا محمدأخبرني عن الإسلام.
قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)).
قال: صدقت.
فعجبنا له يسأله ويصدِّقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان.
قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمنَ بالقدر خيره وشره)).
قال: صدقت.
قال: فأخبرني عن الإحسان.
قال: ((أنْ تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
قال: فأخبرني عن الساعة، ؟
قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)).
قال: فأخبرني عن أماراتها.
قال: ((أن تلدَ الأَمةُ رَبَّتها، وأن ترى الحفاة العُراة العالة رِعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان)).
ثم انطلق، فلبثت ملياً.
ثم قال: ((يا عمر: أتدري من السائل؟)).
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه مسلم.
الشيخ:
هذا الحديث حديث عظيم أيضاً، سمّاه بعض أهل العلم: أمُّ السنة.كما في القرآن أمُّ القرآن، فهذا الحديث أم السنة؛ لأنَّ جميع السنة تعود إلى هذا الحديث.
فإن الحديث: فيه.
بيان العقيدة: والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة.
-وفيه بيان الشريعة: وذلك بذكر أركان الإسلام الخمسة.
فيه ذكر آداب السلوك والعبادة وصلاح توجه القلب والوجه إلى الله -جل وعلا- بذكر الإحسان.
- وفيه ذكر الساعة وأماراتها، وهذا نوع من ذكر الأمور الغيبية ودلالات ذلك.
فهذا الحديث يعود إليه جُلُّ السنة، كما أنَّ قول الله -جل وعلا- في آية النحل: {إنَّ الله يأْمرُ بالعدْل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}قال طائفة من مفسري السلف: دخل في هذه الآية جميع أحكام الدين، وجميع أصول الأحاديث النبوية في هذا الحديث.
وهذا الحديث معروف بحديث جبريل، وروايته على هذا الطول عن عمررضي الله عنه .
ورُوي أيضاً مقطعاً ببعض الاختصار في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا الحديث فيه ذكر الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه أن هذه الثلاثة هي الدين؛ لأنه في آخرها قال عليه الصلاة والسلام: ((أتاكم يعلمكم دينكم)).
فإذاً: الدين الذي هو الإسلام منقسم إلى ثلاثِ مراتب:
- الإسلام.
- والإيمان.
- والإحسان.
وهذا نخلص منه إلى قاعدة مهمة وهي: أنَّ الاسم العام قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام؛ لأنَّ الإسلام هو الدين، فجمع هذه الثلاثة.
- الإسلام.
- والإيمان.
- والإحسان.
فالإسلام؛ منه الإسلام، -الإسلام منه الإسلام- وهذا مهم في فهم الشريعة بعامة؛ لأنَّ من الألفاظ ما يكون أحد الأقسام هو اللفظ ذاته، وله نظائر.
إذا وُجد هذا: فالاسم العام غير الاسم الخاص، ولهذا نقول: الاسم العام للإسلام يشمل الإسلام والإيمان والإحسان، وليس هو الاسم الخاص إذا جاء مع الإيمان ومع الإحسان، لهذا لم يلحظ هذا الأمر طائفة من أهل العلم فجعلوا الإسلام والإيمان واحداً، ولم يفرقوا بين الإسلام والإيمان، حتى عزا بعضهم هذا القول لجمهور السلف. وهذا ليس بصحيح.
فإن السلف فرّقوا بين الإسلام والإيمان إذا كان الإسلام والإيمان في موردٍ واحدٍ، وأمَّا إذا كان الإسلام في مورد والإيمان في مورد، يعني: هذا في سياق وهذا في سياق، هذا في حديث وهذا في حديث، فالإسلام يشمل الدين جميعاً، والإيمان يشمل الدين جميعاً.
فإذاً: هذا الحديث فيه بيان الإسلام بمراتبه الثلاث.
(إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) في هذا مدح لهذه الصفة، وإحداهما مكتسبة والأخرى جبلِّية.
أما شدة سواد الشعر: فهذه جبلِّية لا تُكتسب، ولا يجوز أنْ يصبغ بالسواد لمن ليس بذي سواد.
وأمَّا شدة بياض الثياب: فسياق هذا الحديث يقتضي مدح من كان على هذه الصفة، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الثياب البيض وكان يلبسها، وأمر بتكفين الموتى فيها -عليه الصلاة والسلام-.
قال: (ولا يُرى عليه أثر السّفر) يعني: أنه لا يعرفونه في المدينة، وأتى بهذه الصفة الجميلة: شدة سواد الشعر، ليس عليه أثر غبار أو تراب وعادة المسافر أن يكون كذلك، وأيضاً شديد بياض الثياب، كأنه خرج من بيته، في نظافة أهله؛ الساعة، فكيف يكون ذلك؟
فإذاً: في قوله: (ولا يُرى عليه أثر السّفَر) إشعارٌ بأنه مستغرب أن يكون على هذه الصفة، لهذا قال بعدها: (ولا يعرفه منا أحد).
وقد جاء في بعض الروايات:
أن جبريل -عليه السلام- كان ربما أتاهم على صورة دحية الكلبي -أحد الصحابة- فيسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجيب، وهذا غير مراد هنا؛ لأنه لا يتوافق مع قوله: (ولا يعرفه منّا أحد) خلافاً لمن قال غير ذلك.
وهذا فيه التعليم، فإن جبريل -عليه السلام- أتى متعلِّماً ومعلماً:
- متعلماً:من جهة الهيئة والسؤال والأدب.
- ومعلماً:حيث سأل لأجل أن يستفيد الصحابة -رضوان الله عليهم- وتستفيد الأمة من بعدهم.
قال: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه).
(أسند ركبتيه إلى ركبتيه) : الضمير الأول: يرجع إلى جبريل-عليه السلام-.
والثاني: إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا فيه القرب من العالم، القرب من المسؤول، حتى يكون أبلغ في أداء السؤال بدون رعونة صوت ولا إيذاء، وأفهم للجواب.
(ووضع كفيه على فخذيه)
هذه قيل فيها تفسيران: (ووضع كفيه)
يعني: جبريل (على فخذيه) يعني: على فخذي النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالوا ذلك؛ لأجل أن تكون الضمائر راجعة على نحو ما رجعت عليه الجملة الأولى؛ لأنَّ توافق الرجوع أَوْلى من تعارضه بلا قرينة.
وقال آخرون: (وضع كفيه على فخذيه) على فخذي جبريل أيضاً يعني: وضع كفي نفسه على فخذي نفسه، وهذا أدب منه أمام مقام النبي صلى الله عليه وسلم.
في هذا: أن طالب العلم ينبغي له أن يكون مُهيئاً نَفْسَه، ومهيئاً المسئول للإجابة على سؤاله، في حُسْن الجِلْسة وفي حُسْن وضع الجوارح وفي القرب منه، وهذا نوع من الأدب مهم. فإن سؤال طالب العلم للعالم، أو سؤال المتعلم لطالب العلم له أثر في قبول العالم للسؤال، وفي انفتاحه للجواب.
قد ذُكِر في آداب طلب العلم وفي الكلام عليه: أن بعض العلماء -من علماء السلف- كانوا ينشطون لبعض تلامذتهم فيعطونه، وبعضهم لا ينشطون له، فيعطونه بعض الكلام الذي يكون عاماً، أو لا يكون مكتملاً من كل جهاته، وذلك راجعٌ إلى حُسْن أدب طالب العلم أو المتعلم، فإنه كلما كان المتعلم أكثرَ أدباً في جلْسته، وأكثر أدباً في لفظه، وفي سؤاله، كان أوقع في نفس المسؤول، فيحرص ويتهيأ نفسياً لجوابه؛ لأنه: من احْتَرَمَ احْتُرِم، ومن أَقبل أُقبِل عليه.
فهذا فيه أن نتأدب جميعاً بهذا الأدب.
فمثلاً: ألحظ على بعض طلاب العلم أو بعض المتعلمين أنه إذا أتى يسأل العالم يسأله بندِّية، لا يسأله على أنه مستفيد، فيجلس جلسة العالم نفسه، أو يجلس جلسة المستغني، ويداه في وضع ليس في وضع أدب؛ واحدة هنا والأخرى هناك، وجسمه أيضاً في استرخاء تام، ليس فيه الاستجماع، ونحو ذلك مما يدل على أنه غير متأدب مع العالم أو مع طالب العلم الذي سيستفيد منه.
وهذه الآداب لها أثر على نفسية العالم أو المجيب، فإنك تريد أن تأخذ منه العلم، وكلما كنت أذَلَّ -على الوجه الشرعي- في أخذ العلم، كان العالم أكثرَ إقبالاً عليك.
ولهذا تجد أنَّ أكثر أهل العلم لهم خواص:
-هذا من خاصته-، هذه الخصوصية راجعة إلى أنَّ هذا المتعلم كان متأدباً في لفظه، وفي تعامله، وفي كلامه، وفي حركته مع شيخه، ممّا جعل شيخه يثق فيه، ويُقبل عليه في العلم، ويعطيه من العلم ما لا يعطيه غيرَه، ويعطيه من تجاربه في الحياة، وتجاربه مع العلم ومع العلماء، وفي الأمور وفي الواقع بما لا يفيده غير المتأدب معه.
فهذه نأخذها من حديث جبريل -عليه السلام- ونأخذها أيضاً من قصة الخضر مع موسى في سورة الكهف، وهي حَرية بالتأمل في آداب طلب العلم.
قال: (يا محمد أخبرني عن الإسلام؟)
هذا سؤال عن نوع من أنواع الدين: ألا وهو الإسلام المتعلق بالأعمال الظاهرة.
فسأل عن الإسلام، ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان، … إلخ.
وفي قوله: (أخبرني) فيه دلالة على أنّ النبي عليه الصلاة والسلام مُخْبِر، يعني: أنه ينقل أيضاً الخبر عن الإسلام، وهذا موافق لما هو متواتر في الشريعة: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو مبلِّغ للدين عن الله -جل وعلا-.
قال: (أخبرني) يعني: اجعل كلامك لي خبراً، فأخبرني بذلك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً مُخبر عن ربه جلَّ وَعلا في ذلك، كما جاء في بعض الأحاديث القدسية: قد قال عليه الصلاة والسلام فيما يخبر به عن ربه -جل وعلا-.
قال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله...))إلخ، هذا التفسير للإسلام تفسيرٌ للأركان الخمسة المعروفة التي سيأتي -إن شاء الله- بعض بيانها في حديث ابن عمر الثالث إن شاء الله.
فقال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) -وهذا ركن واحد-، ((وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)).
الإسلام هنا: فسّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأعمال الظاهرة، ولم يجعل فيه الأعمال الباطنة أو بعض الأعمال الباطنة.
ومعنى هذا: أنَّ الاسلام إستسلامٌ ظاهر، وهذا الاستسلام الظاهر يُخبر عنه بالشهادتين وبإقامة الأركان العملية الأربع، والشهادة في نفسها لفظ فيه: الاعتقاد، والتحدث والإخبار الذي هو الإعلام.
وعلى هذا فسرّ السلف كلمة (شهد)، فقوله -جل وعلا-: {شهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}، (شهد الله): بمعنى: يُعلم ويُخبر.
فإذاً: شهادة المسلم بأن لا إله إلا الله لا تستقيم مع كتمانه هذه الشهادة، فمن شهد ذلك بقلبه ولم يُظهر هذه الشهادة (دون عُذْرٍ شرعي) فإنه لا شهادة له، بل لا بُدَّ في الشهادة -من حيث اللفظ الذي دلَّت عليه اللغة، وأيضاً من حيث الدليل الشرعي- من الإظهار، وهو الموافق لمعنى الإسلام الذي هو: الأعمال الظاهرة.
فإذاً: دخول الشهادتين في الإسلام -الذي هو: الأعمال الظاهرة- راجعٌ إلى معنى الشهادة، وهو أنَّ معنى الشهادة: بعد الاعتقاد- الإظهار، والإعلام، والإخبار.
وهنا يأتي الاعتقاد، اعتقاد الشهادتين يرجعُ إليه؛ لأنه في معنى: (شهد)، يرجع إليه أركان الإيمان جميعاً.
ولهذا نقول: الإسلام هو الأعمال الظاهرة، ولا يصح إلا بقدْرٍ مُصَحِّحٍ له من الإيمان، وهو الإيمان الواجب بالأركان الستة، فالإيمان الواجب أقل قدْراً من الإيمان، به يُصبح المرءُ مسلماً.
هذا مشمولٌ في قوله: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله))؛ لأنَّ:
الشهادة معناها: الاعتقاد، والنطق، والإخبار والإعلام.
تشمل ثلاثة الأمور هذه.
فالاعتقاد يرجعُ إليه أركان الإيمان الستة.
فنخلصُ من هذا: إلى أنَّ الإسلام وإن قال أهل العلم فيه: إنّ المراد به هنا: الأعمال الظاهرة فإنه لا يصح الإسلام إلا بقدْرٍ من الإيمان مصحِّح له، وهذا القدْرُ من الإيمان دلَّنا على اشتراطه لفظ: ((أن تشهد))؛ لأن لفظ الشهادة في اللغة والشرع متعلق بالباطن والظاهر.
والاعتقاد في الشهادتين بأن لا إله إلا الله: هذا هو الإيمان بالله، وبأن محمداً رسول الله: يرجع إليه الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والإيمان باليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه.
الإيمان: فسَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل بالاعتقادات الباطنة، وهذا الفرق بين المقامين، لأجل ورودهما في حديثٍ واحد.
فالإسلام إذا اقترن مع الإيمان رجع الإسلام إلى الأعمال الظاهرة، ومنها الشهادتان، ورجع الإيمان إلى الأعمال الباطنة، وإذا أُفرد الإسلام فإنه يراد به الدين كلُّه، وهو الذي منه قسم الإسلام هذا، وإذا أفرد الإيمان فإنه يراد به الدين كله، بما فيه الأعمال.
ولهذا أجمع السلف والأئمة على أنّ الإيمان:قول وعمل واعتقاد.
وعلى أن الإيمان:قولٌ وعمل.
قول وعمل: يعني: قول وعمل واعتقاد، يعني: إذا أفرد.
وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من أهل السنة والجماعة:
في أنَّ الإسلام غير الإيمان، وأن الإيمان إذا جاء مستقلاً عن الإسلام فإنه يُعنى به الدين كله؛ يُعنى به الإسلام والإيمان والإحسان، وإذا أتى الإسلام في سياق مستقل عن الإيمان يُعنى به الدين كلُّه، وأنَّ الإسلام والإيمان إذا اجتمعا؛ افترقا من حيث الدِّلالة، فجُعلَ الإسِلام للأعمال الظاهرة وجُعل الإيمان للاعتقادات الباطنة.
من أهل العلم من السلف أيضاً:
من رأى أنّ الإسلام والإيمان واحد. ومنهم أيضاً: من رأى أن الإسلام والإيمان يختلفان ولو تفرَّقا أيضاً.
ولكنَّ الصحيح: أنّ الإسلام إذا اجتمع مع الإيمان صار الإسلام -كما ذكرت لك- للأعمال الظاهرة، والإيمان للاعتقادات الباطنة كما دل عليه حديث جبريل هذا.
نقول: الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، مع أَنهُ متعلق بالاعتقادات، والإسلام؛ عند أهل السنة والجماعة لا يطلقون العبارة بأنه يزيد وينقص، مع أنه متعلق بالعمل الظاهر فكيف يكون هذا؟
الإيمان يعلقونه بالاعتقادات الباطنة، ويقولون: يزيد وينقص، والإسلام في الأعمال الظاهرة، ولا يقولون فيه: أنه يزيد وينقص.
و الجواب عن هذا الإشكال: أن الإيمان إذا أُريد به عامّة أمُور الدين، كما جاء في حديث وفد عبد القيس مثلاً، حيث قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((آمركم بالإيمان بالله وحدْه. أتدرون ما الإيمان بالله وحده))؟ ثم ذكر أمور الإيمان، وقال: ((وأن تؤدوا الخمس من المغنم)). وهذا نوع من الأعمال.
فإذاً: الأعمال باتفاق السلف -يعني: من أهل السنة- داخلة في مسمى الإيمان، وإذا كان كذلك فإذا قالوا: الإيمان يزيد وينقص، فإنه يرجع في هذه الزيادة إلى الاعتقاد، ويرجع إلى الأعمال الظاهرة، وهذا يعني: أن الإسلام يزيد وينقص؛ لأن الإيمان الذي يزيد وينقص إيمان القلب، وإيمان الجوارح.
وإيمان القلب: اعتقاده وقوة إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله. هذا الناسُ ليسوا فيه سواءً بل يختلفون؛ منهم من إيمانه كأمثال الجبال، ومنهم من هو أقل من ذلك.
وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأعمال الظاهرة التي هي من الإيمان تزيد أيضاً وتنقص، فكلما زادت زاد إيمان العبد، وكلما نقصت نقص إيمان العبد.
وينقص الإيمان بالمعصية أيضاً ويزيد بترك المعصية .
بعض أهل العلم أيضاً يقول: الإسلام يزيد وينقص، على اعتبار أن الإسلام هو الإيمان، في دلالته على الاعتقاد والعمل، أو في دلالته على الأعمال الظاهرة، فإن الأعمال الظاهرة أيضاً يزيد معها الإسلام، ويزيد معها الإيمان.
كيف يزيد معها الإسلام؟
لأن الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
فالإسلام فيه استسلام لله بالتوحيد، وهذا تدخل فيه الشهادتان، يزيد الناس فيه وينقص.
استسلامهم لله بالتوحيد مختلف، -يتفاوتون فيه-، والانقياد بالطاعة يتفاوتون فيه.
إذاً: من أطلق هذا القول فلا يُغَلَّط، قد أطلقه مرة شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن القول المعتمد عند السلف: أنهم يعبرون في الزيادة والنقصان عن الإيمان دون الإسلام؛ لأنَّ في ذلك مخالفة للمرجئة الذين يجعلون الإيمان؛ الناس في أصله سواء، يعني في اعتقاد القلب، وإنما يتفاوت الناس عندهم في الأعمال الظاهرة.
فتقيد السلف بلفظ: (الإيمان يزيد وينقص) خلافاً للمرجئة الذين جعلوا الزيادة والنقصان في الأعمال الظاهرة دون اعتقاد القلب، وعندهم اعتقاد القلب؛ الناس فيه سواء، كما يعبرون عنه بقولهم: (وأهله في أصله سواء).
فيعبرون عن الإيمان بأنه هو الذي يزيد وينقص دون الإسلام؛ لهذا فيؤخذْ بتعبيرهم، ولا تطلق العبارة الأخرى؛ لأنها غير مستعملة عندهم، مع أنها إن أطلقت فهي صحيحه، إن احتيج إليها.
قال: (صدقت) : يعني: في جوابه عن مسألة الإسلام. وهذا فيه عجب! أن يسأل ويصدِّق! فيه لفت -انتباه الصحابة- إلى هذه المسائل: كيف يسأل ويصدِّق!
فالمتعلم إذا أتى بأسلوب في السؤال يلفت النظر ليستفيد البقية -مع علم المسؤول- فإنَّ هذا حسن؛ ليستفيد منه الآخرون؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف أن هذا جبريل، وتصديقه له دال على هذا بوضوح.
ففي هذا أنَّ المتعلم يأتي للعالم بمعرفته بما يسأل؛ لإفادة غيره، وأنّ هذا أسلوب حسن من أساليب التعليم الشرعية.
قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: ((أن تؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره))
ذكر أركان الإيمان الستة، وهذه الأركان جاءت في القرآن أيضاً:
منها: الخمسة المتتابعة، جاءت في قول الله -جل وعلا-: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} هذه أربعة.
- وقوله: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}.
- وكما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب ا لذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً}.
- وفي القدر جاء قوله -جل وعلا-: {إنَّا كل شيء خلقناه بقدر} يعني: أنَّ أصول هذه الأركان جاءت في القرآن.
وهذه الأركان الستة هي التي عُبر عنها بأركان الإيمان، والخمسة التي قبلها: بأركان الإسلام.
أركان الإيمان، ما معنى كونها أركاناً؟
نلحظ مسألة مهمة أنّ لفظ (أركان الإسلام)، ولفظ (أركان الإيمان)، لم يرد في شيء من النصوص، وإنما عَّبر العلماء بلفظ (الركن) اجتهاداً من عندهم.
وإذا كان كذلك فينبغي أن تُفهمَ النصوص على ضوء هذا الأصل، وهو: أنّ التعبير عن هذه بالأركان، إنما هو فهمٌ لأهل العلم في أنَّ هذه هي الأركان، وفهمهم صحيح بلا شك؛ لأن الركن هو: ما تقوم عليه ماهية الشيء.
فالشيء لا يُتَصَوَّرُ قيامهُ إلا بوجود أركانه، فمعنى ذلك: أنّه إذا تخلف ركن من الأركان؛ ما قام البناء، فإذا تخلف الإيمان بالقدر؛ ما قام بناء الإيمان أصلاً، إذا تخلف ركن الإيمان باليوم الآخر ما قام البناء، لأنَّ الركن في التعريف الاصطلاحي هو: ما تقوم عليه ماهية الشيء.
فإذا تخلّف ركن لم يقم الشيء أصلاً، يعني: لم يقم الشيء وجوداً شرعياً؛ لأن قيامه مبني على تكامل أركانه.
وهذا يُورِدُ علينا إشكالاً، وهو: أنه في الإسلام قيل: هذه هي أركان الإسلام الخمسة، والعلماء لم يتفقوا على أن من ترك الحج والصيام جميعاً أنه ليس بمسلم، واتفقوا على أنّه من ترك ركناً من أركان الإيمان فإنه ليس بمؤمن أصلاً، وهذا يرجع إلى أنَّ اصطلاح الركن اصطلاح حادث.
فينبغي أن تفهم -خاصةً في مسائل الإيمان والإسلام والتكفير وما يتعلق بها.
- أنّ العلماء أتوا بألفاظٍ للإفهام، فهذه الألفاظ التي للإفهام لا تُحكَّم على النصوص، وإنمّا النصوص التي تُحكّم على ما أتى العلماء به من اصطلاحات.
يعني: أن نفهم الاصطلاحات على ضوء النصوص، وأن نفهم النصوص على ضوء الاصطلاحات.
فإذا صار الاصطلاح صحيحاً من جهة الدليل الشرعي رجعنا في فهم الدليل الشرعي للاصطلاح ففهمنا ذلك.
وهذا يتضح ببيان أركان الإسلام، فإنه لو تخلف ركنان من أركان الإسلام، تخلف الحج مثلاً والصيام، فإن أهل السنة والجماعة ما اتفقوا على أن من لم يأت بالحج والصيام فإنه ليس بمسلم، بل قالوا: هو مسلم؛ لأنه شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولأنه أقام الصلاة.
واختلفوا فيما عدا ذلك من الأركان فيما إذا تركها، دون جحدٍ لها، مع أنه تخلف عنه ركن أو أكثر.
وهذا يعني أنه في فهم أركان الإسلام، نجعل هذه الأركان تختلف في تعريف الركن عن فهم أركان الإيمان، فنقول: في أركان الإسلام يُكتفى في الإسلام بوجود الشهادتين والصلاة، وفي غيرهما خلاف.
وأما في أركان الإيمان فمن تخلف منه ركن من هذه الأركان فإنه ليس بمؤمن، هذا من حيث التأصيل.
فإذاً نقول: يمكن أن يسمى مسلماً ولو تخلف عنه بعض أركان الإسلام، ولا يصح أن يسمى مؤمناً إن تخلف عنه ركن من أركان الإيمان.
إذا تقرر هذا فأركان الإيمان الستة هذه فيها قدْر واجب لا يصح إسلامٌ بدونه، وهناك قدرٌ زائد على هذا تبع لما يصله من الدليل، فما هو القدر المجزئ وهو الذي من لم يأت به صار كافراً؟
فهذا هناك قدر مجزئ في الإيمان بالله، قدر مجزئ في الإيمان بالرسل، قدر مجزئ في الإيمان بالكتب، قدر مجزئ في الإيمان باليوم الآخر والقدر... إلخ.
أمَّا الإيمان بالله:
فهو ثلاثة أقسام:
1- إيمانٌ بالله، بأنه واحدٌ في ربوبيته.
2- وإيمانٌ بالله بأنه واحدٌ في ألوهيته، يعني في استحقاقه العبادة.
3- وإيمانٌ بالله، يعني: بأنه واحدٌ في أسمائه وصفاته لا مثيل له سبحانه وتعالى، {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير}.
القدْر المجزئ من الأول:
أن يعتقد أن الله جلّ جلاله هو ربُّ هذا الوجود، يعني أنه هو الخالقُ له المدبِّرُ له المتصرِّف فيه، كيف يشاء، هذه الربوبية.
بالإلهية: بأنه لا أحد يستحق شيئاً من أنواع العبادة من الخلق، بل الذي يستحق هو الله جل جلاله وحده.
والثالث: أن يؤمن بأنّ الله -جل وعلا- له الأسماء الحسنى والصفات العلى دون تمثيلٍ لها بصفات المخلوقين، ودون تعطيل له عن أسمائه وصفاته بالكلية، أو جحد لشيء من أسمائه وصفاته بعد وضوح الحجة فيها له.
هذا القدر المجزئ من الإيمان بالله.
الإيمان بالملائكة:
القدر المجزئ: أن يؤمن بأنَّ الله -جل وعلا- له خلقٌ من خلقه اسمهم الملائكة، عبَاد يأتمرون بأمر الله -جل وعلا-، مربوبون وأنّ منهم من يأتي بالوحي للأنبياء، هذا القدْر هو الواجب.
فإذا قال: أنا لا أؤمن بوجود ملائكة، ما رأيت أحداً، فهذا انتفى عنه الإيمان بالملائكة، لكن لو قال: أنا ما أعلم ميكال فإنه لا يقدح في إيمانه بالملائكة، لأنه يقول: أنا مؤمن بوجود هذا الخلق من خلق الله -جل وعلا-، ملائكة، لكن ميكال ما أعرفه.
فيبلَّغ بالحجة فيه في آية البقرة: {من كان عدواًّ لله...} الآية التي ذكر فيها ميكال، ويبلَّغ بما جاء فيه، فإن علم أنَّها آية ثم لم يُؤمن كان جاحداً لهذا الركن من الأركان.
فإذاً: فيه قدْر مجزئ وهو الذي يجب على كل أحد، وقدر يتفاضل فيه الناس واجب أيضاً مع العلم، فكلما علم شيئاً من ذلك وجب عليه الإيمان به... إلخ.
وهذا واسع، وكلما علم شيئاً واجباً من ذلك زاد أجره وثوابه وإيمانه ويقينه.
الإيمان بالكتب:
القدر المجزئ منها: أن يعتقد الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه: بأن الله -جل وعلا- أنزل على من شاء من رسله كتباً، هي كلامه -جل وعلا-، وأنَّ منها: القرآن الذي هو كلامه -جل وعلا-.
وما بعد ذلك أن يؤمن بالتوراة. إذا عُرّف وجب عليه الإيمان، وهكذا.. في تفاصيل ذلك.
فمن علم شيئاً بدليله وجب عليه أن يؤمن به.
لكن أول ما يدخل في الدين يجب عليه أن يؤمن بهذا القدر المجزئ، وهو الذي يصح معه إيمان المسلم.
((ورسله)) الإيمان بالرسل: وهو الاعتقاد الجازم الذي لا ريب فيه ولا تردد بأن الله -جل وعلا- أرسل رسلاً لخلقه، وأنّ هؤلاء الرسل موحَى إليهم من الله -جل وعلا-، وأنّ خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، فيؤمن به ويتَّبعه.
فهذا هو القدر المجزئ، وما بعد ذلك -أيضاً- يكون واجباً بقدر ما يصله من العلم.
وفيه أشياء أيضاً مستحبة، في تفاصيل.
هذا الحديث قد نُدخل فيه العقيدة كلها، ويطول الكلام، لكن أنبهك على أصول في فهم هذه الأحاديث.
واليوم الآخر: القدر المجزئ منه، الذي يتحقق به قيام الركن:أن يؤمن بأن الله -جل وعلا- جعل يوماً يحاسب فيه الناس، يعودون إليه ويبعثهم من قبورهم، ويلقون ربّهم، ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وأن المحسن يدخل الجنة وأن المسيء -يعني: الكافر- يدخل النار.
هذا القدر واجبٌ -ركن- وما بعد ذلك يكون بحسب العلم.
والقدر: يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، بأن يؤمن -هذا هو القدر المجزئ- بأنه ما من شيء يكون إلا وقد قدره الله -جل وعلا-، بمعنى:
- أنه سبحانه علم هذا الشيء قبل وقوعه، وعِلْمه بذلك أول.
- وأنه كتب ذلك عنده سبحانه وتعالى.
ويغني عن اعتقاده الكتابة قبل العلم بدليلها:
أن يؤمن بالقدر السابق، يعني: أن القدر سابق، فيشمل اعتقاده أن القدر سابق: العلم -علم الله -جل وعلا- والكتابة؛ لأن الأقسام الآتية مُقَارِنة أو لاحقة وليست سابقة، ويؤمن أيضاً بأنَّ ما شاء الله -جل وعلا- كان وما لم يشأ لم يكن سبحانه، فيخلق -جل وعلا- جميع الأشياء، كما قال: {الله خالق كل شيء}.
فإذاً: الإيمان بالقدر، إيمان بالقدر السابق وبمشيئة الله وقدرته وخلقه لإنفاذ القَدَرِ السابق، هذا قدر واجب لا يصح الإيمان بدونه، وهو الركن فيه؛ أن يؤمن بسبق القدر، وفيما يتعلق بالمقدور الواقع، يعني: بالقضاء الواقع، يعتقد أنه بمشيئة الله وخلقه لهذا الفعل وأنه ما من شيء إلا والله جل وعلا هو الذي يخلقه كما قال: {الله خالق كل شيء}، يعلم مراتب القدر الأربعة.
وتفاصيل ذلك، هذا بحسب ما يصل إليه من العلم؛ فمنه واجب ومنه مستحب.
إذا تقرر هذا؛ فالإيمان الشرعي المراد به في هذا الموطن الذي يكون قريناً للإسلام يراد به: الاعتقاد الباطن.
فإذا قُرن بين الإسلام والإيمان انصرف الإسلام إلى عمل اللسان وعمل الجوارح؛ والإيمان إلى الاعتقادات الباطنة.
فلهذا نقول -إذاً-: لا يُتصور أن يوجد إسلام بلا إيمان، ولا أن يوجد إيمان بلا إسلام. فكل مسلم لا بد أن يكون معه من الإيمان قدر صحح به إسلامه، ولولم يكن عنده ذلك القدر ما سُمي مسلماً أصلاً.
فلا يتصور مسلم بلا إيمان، فكل مسلم عنده قدر من الإيمان، وهذا القدر هو القدر المجزئ الذي ذكرت لك؛ وكل مؤمن عنده قدر من الإسلام مصحح لإيمانه، فإنه لا يقبل من أحد إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يقبل من أحد إسلام بلا إيمان.
فإذا قلنا: هذا مسلم، فمعناه أنه وُجد إسلامه الظاهر مع أصل الإيمان الباطن -وهو القدر المجزئ-.
إذا تقرّر هذا فنقول: الإيمان يتفاوت أهله فيه ولتفاوت أهله فيه صار الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام أو صار المؤمن أعلى مرتبة من المسلم؛ لأنّ الإيمان -في المرتبة التي هي أعلى من مرتبة الإسلام- قد حقَّق فيها الإسلام وما معه من القدر المجزئ من الإيمان؛ وزاد على ذلك؛ فيكون إذاً إيمانه أرفع رتبة من إسلامه؛ لأنه اشتمل على الإسلام وزيادة، ولهذا قال العلماء: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً.
ولهذاجاء في الحديث الصحيح:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له أحد الصحابة: أعطِ فلاناً فإنه -يارسول الله- مؤمن فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلم)) فأعادها عليه الصحابي، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلم)) فهذا قوله: ((أو مسلم)) فيه دليل على تفريق ما بين المسلم والمؤمن، فإنّ مرتبة المؤمن أعلى من مرتبة المسلم، كما دلت عليها آية الحجرات: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} الآية، فدّل على أنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان التي هي أعلى من مرتبة الإسلام.
فإذاً: نخلص من هذا إلى أنّ الإيمان الذي هو تحقيق هذه الأركان الستة بالقدر المجزئ منه، ليس هو المراد بذكر هذه المراتب؛ لأنه داخلٌ في قوله: ((أنْ تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)).
فتحقيق مرتبة الإيمان يكون بالقدر المجزئ، وما هو أعلىمن ذلك؛ لأن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام، والمؤمن أعلى رتبة من المسلم.
السّلف تنوعت عباراتهم في الإيمان وأنواعه:
فقالت طائفة منهم: الإيمان: قول وعمل.
وقالت طائفة: الإيمان: قول وعمل واعتقاد.
وقال آخرون: الإيمان: قول وعمل ونية.
وهذا مصيرٌ منهم إلى شيء واحد، وهو: أنَّ الإيمان إذا أُطلق أو جاء على صفة المدح لأهله -يعني في النصوص أو في الاستعمال- فإنه يراد به: الإيمان الذي يشمل الإسلام.
الحظ هذا: إذا أطلق، قلنا: الإيمان ولم نذكر الإسلام أو جاء في مورد فيه المدح له، ولو كان مع الإسلام؛ فإنه يشمل الإسلام أيضاً؛ لدخول العمل فيه.
فنقول: هنا تنوعت عباراتهم:
فقال بعضهم: الإيمان قول وعمل. من قال هذا فإنه يعني:
- بالقول: قول القلب وقول اللسان.
- والعمل: عمل القلب وعمل الجوارح.
- وقول القلب هو: اعتقاده.
- وعمل الجوارح: هذا هو العمل.
- وقول اللسان: هو القول.
فرجع إلى أنه: قول وعمل واعتقاد؛ لأن الاعتقاد داخل في قول من قال: قول وعمل، فالاعتقاد داخل في القول؛ لأن المراد به: قول القلب وقول اللسان وقول القلب هو: اعتقاده.
من قال -وهم كثير من السلف-: قول وعمل ونية.
يريد بالنية: ما يصح به الإيمان، فزاد هذا القيد تنبيهاً على أهميته، لقول الله -جل وعلا-: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} (من عمل) و(هو مؤمن) صار القول والعمل مع النية، يعني: النية في القول والعمل.
وهذا راجع -أيضاً- إلى الاعتقاد؛ لأن النية هي: توجه القلب وإرادة القلب وقصد القلب.
فإذاً: إذا اختلفت العبارات فالمعنى واحد، والإيمان عندهم -كما ذكرت لك- يزيد بالطاعة.
وينقص بشيئين:
- بنقص الطاعات الواجبة.
- أو ارتكاب المحرمات.---[ شرح الأربعين النووية - صالح ال الشيخ ]