في كل مرة يفشل مشروع الزواج!
محمد السعيد القميري
أنا فتاة عمري ثلاث وعشرون سنة، أكملت دراستي الجامعية وجلست في البيت؛ لأني أسكن في بلدة صغيرة، والبحت عن عمل يتوجب السفر لوحدي إلى المدن الكبرى مما دفعني للجلوس في المنزل، من هنا بدأت مشكلاتي فالكل يسألني: لماذا تجلسين؟! لماذا لم تتزوجي؟! (رغم أن الزواج رزق ليس بأمري).. يتقدم لي خطاب كثر وكل الأمور تسير في المنحى الإيجابي، ويعجبون بي، لكن في كل مرة يقع سبب يفشل الزواج، لا أعرف لماذا؟! هذا ما أثر في نفسي، وفقدت ثقتي في نفسي، فهل الغلط يوجد فيّ أنا؟ أرشدوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأصلي وأسلم على خير خلقه وصفوة رسله نبينا محمد وآله وصبحه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: -
فإن هذه -الفترة وهي فترة ما بعد التخرج والانتهاء من الدراسة- غالبا ما تكون فترة مليئة بالاضطرابات والقلق في حياة الشاب أو الفتاة، لاسيما في ظل هذه الظروف الاقتصادية المنهارة أو شبه المنهارة التي يعيشها العالم الإسلامي في هذا العصر، فيرى الشاب أو الفتاة في هذه المرحلة يصطدم واقع طموحاته مع حقيقة الواقع الذي يواجهه، فمن تخرج في جامعة فإنه يحلم بعمل مناسب في مجاله الذي تخرج فيه وقضى فيه سنين عمره، يحلم بزواج واستقرار أسري ليسد هذا الجانب من حياته، فيواجه بصعوبة في الحصول على فرصة عمل، وصعوبة في تكاليف الزواج، إلى آخره من الصعوبات والعقبات التي تواجه الشاب أو الفتاة في هذه الفترة التي تلي تخرجه وإنهاء دراسته مباشرة.
وأنتِ أيتها الأخت السائلة واحدة من عموم شباب المسلمين تعانين ذات المعاناة التي يعانيها كثير وكثيرات من أقرانك، فإذا ما تريدين عملا فإن ذلك يكلفك سفراً ومشقة، وإذا ما تريدين زوجا فلا تجدين المناسب لك وإن وجدتِ فإن عقبة ما تبرز تفقدين ما كنتِ تطنينه مناسباً لكِ، فما العمل؟ وكيف الحل؟ وما المخرج؟
أسئلة واستفهامات لستِ أنتِ الوحيدة التي تطرحها، وإنما -كما بينت لكِ في مقدمة حديثي إليكِ- السواد الأعظم من شباب المسلمين على هذه الحالـة.
أيتها الأخت السائلة.. إن السبيل للخروج من معاناتك الآن يكمن في هذه النقاط التالية التي أسوقها إليكِ مختصرة واضحة، وأرجو منكِ أن تتجاوبي معي و أن تحرصي كل الحرص على الانتفاع بما أقدمه إليكِ: -
أولاً: - فهم طبيعة المرحلة:
لا بد يا أختي المسلمة من فهم طبيعة هذه المرحلة التي تلي التخرج مباشرة، فإنها انتقال من مرحلة الأخذ إلى مرحلة البذل والعطاء، ولا شك في أن أي مرحلة بين مرحلتين تشهد اضطرابات وبعض العقبات التي تحتاج إلى حسن التعامل معها بعدم شد الأعصاب، وإرهاق الذهن بالهموم، وإنما بالتفكير الهادئ البناء الهادف الذي من خلاله تستطيعين إن شاء الله أن تجتازي هذه المرحلة بسلام، وأن تكون هذه المرحلة منطلقا لكِ إلى الأمام.
واعلمي أختاه أن المعاناة في هذه المرحلة ليست عليكِ وحدك، وإنما يتعرض لها الكثير ممن ينهون تعليمهم، ويقضون فترة دراستهم الجامعية.
ثانياً: - ملء الفراغ:
إن الفراغ ثروة عظيمة يمتلكها كثير من الناس، وفي ذات الوقت يغفلون عن قيمتها وعن غلاء ثمنها، فيضيعونها ويبددونها وينفقونها في غير وجهها الصحيح، فيتحول الفراغ إلى نقمة ومعاناة لأنه لا بد للمرء من شاغل يشغله، ولا بد أن يحس الإنسان أن لحياته قيمة، فكيف يتحقق له ذلك وساعاته وأيامه وأسابيعه وشهوره، بل وأعوامه تمر وتتسحب من بين يده وهو يقف موقف المتفرج دون أن ينجز فيها أي شيء؟ من أجل هذا يقول النبي المصطفي محمد " صلى الله عليه وسلم " في الحديث الصحيح:
"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال القائل: "إن الصحة والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة".
فاحرصي أختاه على شغل فراغك وملء وقتك؛ حتى لا تنفرد بكِ الهموم، ولا تحاصركِ الأفكار فتردي بكِ إلا ما لا ترضين وما لا تقر به عينك.
ثالثاً: - تقوى الله تبارك وتعالى - فإن المـرء إذا ما اتقى الله سبحانه وتعالى، وحفظ حدوده، وقوى صلتـه بـه جعل له من الضيق مخرجا، ومن الهم فرجا، وبعد العسر يسرا، فالجئي أيتها الأخت الكريمة إلى الله تعالى، وتوجهي بصدق إليه، واعلمي أن بيده مقاليد السماوات والأرض، وأنه تعالى هو مدبر الأمور، فاسأليه من خير ما عنده، وتقربي إليه بالأعمال الصالحة يجعل لك مخرجا من عنده قريبا.
قال الله سبحانه وتعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" [الطلاق:2-3].
رابعاً: الصبر: الذي هو عدة المؤمن في مواجهة الشدائد، وهو من مفاتيح الفرح كما يقال: "الصبر مفتاح الفرج" فلو اعتبرتِ هذه الفترة ابتلاء واختيار ليرى فيها صدق إيمانك وتمسككِ بما عند الله عز وجل وثباتك على مبدئك فصبرت على هذا لعوضكِ الله تبارك وتعالى خيراً.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيـرا له" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا شك أن هناك خيرا ربما لا تحسينه، وربما لا تشعرين به، ولكنه خير على أي حال، فاصبري ولا تجزعي، فالصبر عاقبته حميدة، فجربي ذلك واحتسبي عند الله تعالى ما أنتِ فيه.
خامساً: إن أمر الزواج من الأمور التي تشغل أذهان كثير من الشباب، ولكنه في الحقيقة من الرزق، والرزق بقدر الله تعالى، وقد اتضح في رسالتك أنكِ تقرين بذلك، فلننقل هذا الإقرار إلى يقين قلبي أن كل شيء بقدر بوقته وزمانه الذي حدده الله تعالى به، لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه برهة واحدة، حينئذ سيهدأ بالنا وتستريح نفوسنا.
أيتها الأخت الكريمة احرصي على هذه الوصايا والنصائح التي سقتها إليكِ ينفعكِ الله تعالى بها، ويعوضكِ خيرا، فضلا عن المثوبة العظيمة التي تنتظركِ إذا ما أحسنتِ الفترة هذه من عمرك.
وفي الختام أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لكِ من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وأن يرزقكِ خير العمل وعمل الخير، وأن يهديكِ سبل السلام، فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.