معاني الحياة الجميلة


أم عبد الرحمن محمد يوسف

بعض الكلمات تتكرر في الحياة الزوجية، ولها دور فعَّال في رسم البسمة على وجه الزوجين، وجعل حياتهما في غاية السعادة، ومن هذه الكلمات (النقد البناء- الهدف).
النقد البناء:
يُعد النقد من وسائل التقويم الهامة في الحياة الزوجية، وهي وسيلة جيدة لو أحسن الطرفان استخدمها باتباع آداب النقد، أما لو كان النقد بأسلوب الاستهزاء أو التعيير أو كان إحراج أمام الناس، فهذا يُعقد الحياة الزوجية، ويجعل الحزن والضيق هو شعار الحياة بين الزوجين، ويتصرف الزوجان بأسلوب ردة الفعل، فيقوم الزوج بالتهرب من الاستماع للزوجة، لأنها كثيرة النقد والشكوى، وكذلك نجد على الطرف الآخر قيام الزوجة بالتهرب من مصارحة زوجها لأنها كلما صارحته بمشاعرها سفَّه رأيها وخطأ فعلها واستهزأ بأسلوب تفكيرها.
ولذا (فإن من أهم الأمور التي تحقق للمرأة إحساسها مع زوجها ورضاها عن بيتها هو ألا ترى زوجها يعيبها في تصرفاتها ووظيفتها كزوجة، وعلى هذا يجب على كل زوج أن يتخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية، إذ تقول السيدة عائشة عن الطعام (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه) [متفق عليه].
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا الخل، فأخذ يقول: (نِعم الأدم الخل) [رواه مسلم])
أختي الزوجة:
إن كنا نُكلم الزوج ونحثه على أن يعاملك بالحسنى وأن يُراعي مشاعركِ، فكذلك عليكِ أنتِ أيضًا دور في استقرار الزوج، فمن طبيعة الرجل أنه يحب من يُقدِّر مجهوده، وعندما لا تقدِّر الزوجة لزوجها نفقته وتُحمِّله المسئولية فإنه يشعر بأنه غير مُقدَّر، وأن هذا الفعل يجب أن يفعله غصبًا؛ وبالتالي يشعر أنها لا تحبه، هي فقط تستفيد منه، ولذا نبَّه الحديث إلى امرأة يحسن لها الرجل طوال حياته بتوفير المنزل لها ورعاية أولادها ماديًّا وتحمل المسئولية وتحمل مهمة القوامة، ثم ترى منه أمرًا فتقول له: (ما رأيتُ منك خيرًا قط) [متفق عليه]، وسمى ذلك كفرانًا، أي الجحود بحق العشير.
فعلى الزوجة شكر الزوج وتقديره على تحمل المسئولية وعلى توفير المنزل والنفقة وما يقوم به من الواجبات، وعندما يُقدَّر الزوج؛ يشعر بأن جهده لا يذهب هباءً، لذا فهو يكرر العطاء.
فكيف تمنحي زوجك التقدير؟ أختي المسلمة قولي له: (أعلم تمامًا أن ما تبذله من أجلنا، جزاك الله خيرًا على كل الجهود، أعطاك الله العافية، الحياة معك جميلة، أشعر بالأمان إلى جانبك، الاستقبال والتوديع بحرارة المديح والامتنان وإبداء الرضا، وأكدي له والابتسامة تعلو وجهك كم هو رائع كإنسان وفي مهتنه وأخيرًا رائع كحبيب؟).
اعلمي أنه يستمتع بتقديرك له أمام الآخرين، واحرصي أن تجعليه يدرك أنه يمكن أن يقول: لا، ويبقى حبك له كما هو، حتى بعد أن رفض ما تطلبينه.
وحين تعترف الزوجة بالحصول على منفعة وقيمة شخصية من جهود وتصرفات الرجل، يشعر هو أنه مقدَّر حق قدره، والتقدير عند الرجل يُشعره أن جهوده لا تذهب سدى؛ وبالتالي يعطي أكثر، كما أن هذا التقدير يدفعه بصورة آلية إلى احترام شريكه أكثر.
أختي الزوجة المسلمة، إذا قدَّرت المرأة ما يقوم به الرجل من أجلها فإنه يشعر بالحب نحوها، فالتقدير أسلوب ممتاز لشحن مضخة الحب عند الرجل ... بل هو كلمة إلى قلب الزوج.
اتركيه يعبِّر عن نفسه:
فمن تقديرك لزوجك أن تتركيه يعبِّر عن نفسه بنفسه، إن الرجال في العادة يشعرون بالإحباط (حين تُظهر النساء أنهن يشاركن بالفعل نفس مشاكلهم، وقد لا يقتصر الأمر على مجرد عدم ارتياح الرجل لهذا الأمر فقط، بل قد يتصرف بطريقة عدوانية، خذي مثالًا على ذلك:
هو: إنني في أشد الإرهاق، فأنا لم أنم طيلة ليلة أمس.
هي: وأنا كذلك، إنني دائمًا ما أفعل ذلك.
هو: لماذا التقليل من شأني؟
هي: أنا لا أفعل ذلك، إنني أحاول فقط مشاركتك في متاعبك.
هنا أصاب الزوجة الحيرة، فكيف يمكن لزوجها أن يعتقد أنها تقلل من شأنه؟ ولو تفهمت زوجها لعلمت أنه رفض ذلك، لأنه يحب أن يتمسك باستقلاله، وقد شعر أن تفرده بالألم لون من الاستقلالية!) [أنت لا تفهمني، ديبورا تانين، ص(211)].
إن من أهم الحاجات النفسية للرجل الشعور بأنه يمكنه التصرف باستقلالية، (ويقوم بالأمور حسب الطريقة التي يفضلها بدون أن يضطر أن يبرر أسبابه، ولا يعني ذلك أننا نقترح أن تتماشى الزوجة مع شريك الحياة دائمًا، وإنما نقترح فقط أن تترك له حرية التصرف المطلق في بعض الأمور) [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د.ريتشارد كارلسون، ص(338-339)].
فتترك له حرية التعبير عن آرائه وأفكاره واحتياجاته، وأن تدرك أنه ليس من اللائق أن تعبِّر الزوجة عن آراء ومشاعر زوجها، حتى إذا كانت لا تقصد أي إيذاء له، ذلك أن هذا يعني ضمنيًّا أنها تعتبر شريك الحياة غير مؤهل للتعبير عن آرائه ومشاعره بنفسه، أي أنها تعرفها بشكل أفضل ما يعرف هو نفسه، تعرف ماذا يريد؟ وفيم يفكر؟ وماذا ستكون قراراته؟ وأنه لا يستطيع أن يغير رأيه، أو أن يفكِّر بطريقة مختلفة هذه المرة.
الهدف الواضح:
(من عوامل نجاح الأسرة واستقرارها أن يكون للزوجين أهداف واضحة معلومة، ويسعيا لتحقيقها بالتعاون بينهما، أما إن كان لكل واحد منهما هدفه الخاص، كأن يكون هدف الزوج تأمين السكن الخاص للعائلة، وللزوجة هدفها الخاص وهو نيل شهادة عليا مثلًا، ولا يحصل التعاون بينهما لتحقيق الأهداف، فهنا تكون الأسرة في شكلها مستقرة متفقة، ولكنها في حقيقتها مفككة، كل طرف يعيش لهدفه الخاص بطريقته الخاصة وأسلوبه الخاص، وأشد من ذلك كله أن يكون الطرفان لا هدف لهما، وإنما لديها الأماني وكثرة الكلام، وهنا تكثر المشاكل الزوجية بسبب عدم وضوح الطريق) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(53)].
فالحياة الزوجية تشبه حياة فريق كرة القدم، فلا يكون هذا الفريق ناجحًا في اللعب، إلا إذا كان أفراده يسعون نحو هدف واحد مشترك، فلو حقق الفريق هدفه، ولم يرنو لتحقيق هدف جديد، تبدأ خسارة هذا الفريق، بل ويبدأ الانهيار، نظرًا لاختلاف تصورات أفراد الفريق.
(لقد تأملت كثيرًا في المشاكل التي تواجه الزوجين خلال مسيرة حياتهما، فوجدت أن أمر جلها يرجع إلى عدم تدبر كل منهما في الهدف من وجودهما في هذه الحياة الزوجيبة، بل كل منهما يُقبل على الزواج وبناء الأسرة، ولما يعلم حقيقة هذه البناء وواجبات وحقوق كل دعامة فيه، فإذا بالبناء يوشك أن يتقوَّض منذ لحظاته الأولى في كثير من الأحيان وتبدأ محاولاات رأب الصدوع منهما ومن القريب والبعيد، ولكن بدون معرفة للسبب الرئيسي الذي أدى إلى مسائل الشقاق) [هدية كل عروس، محمد بن رزق بن طرهوني، ص(7)].
ولذا إن من أهم الأشياء التي يجب أن يقوم بها الزوجان، هي كتابة أهدافهما، ماذا نريد هذا الأسبوع أن يحدث في بيتنا وحياتنا؟ هذا الشهر ما هي خطة الإنفاق على البيت؟ على مدار سنة ما الهدف الذي نريد أن نحققه؟ ما هي التغييرت التي نريد القيام بها بأنفسنا؟
إن (حديث الزوجين حول أهداف كل منهما في الحياة، وأحلامه في المستقبل أمر مهم، ومفيد بلاشك، لأنه من خلال ذلك فقط، يمكنهما معرفة المزيد عن بعضهما بعضًا، فقط لابد أن يحرصا ألا يتحدثا عن المشاكل، وإنما يبادرا معًا بالبحث عن حلول، ويراقب كل منهما نفسه خلال أي حديث مشترك، ويطرح على نفسه سؤالًا: هل ان أبحث عن المذنب، أم عن الحل) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(78)].
ورقة عمل:
أخي الزوج/ أختي الزوجة، هذه ورقة عمل لجعل حياتكما تحفها السعادة والراحة:
1. لا تنتقد زوجتك أيها الزوج أمام الناس، حتى لا تحرجها، وتجرح مشاعرها، إن رأيت منها سيئًا، فلتحرص على أن تنصحها.
2. أختي الزوجة، لا تقدمي النصائح لزوجك في صورة أوامر، احرصي أولًا على أن تقدمي التقدير لزوجك ولجهوده، وهو سيأتي إليك في حالة تعرضه لضائقة أو أم من الأمور.
3. ليكن لكما أهدافًا واضحة في الحياة، فهناك أهدافًا أسبوعية، وشهرية، وسنوية، كذلك يجب أن تضعا رؤية مشتركة في تربية الأولاد.
المصادر:
· بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان.
· هدية كل عروس، محمد بن رزق بن طرهوني.
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.
· لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د.ريتشارد كارلسون.
· أنت لا تفهمني، ديبورا تانين.