قال شيخ الإسلام رحمه الله "إن الله تعالى نصب على الحق الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والنور وبين الباطل والظلام وجعل فطر عباده مستعدة لإدراك الحقائق ومعرفتها ولولا ما في القلوب من الإستعداد لمعرفة الحقائق لم يكن النظر والاستدلال ولا الخطاب والكلام كما أنه سبحانه جعل الأبدان مستعدة للاغتذاء بالطعام والشراب ولولا ذلك لما أمكن تغذيتها وتربيتها وكما أن في الأبدان قوة تفرق بين الغذاء الملائم والمنافى ففي القلوب قوة تفرق بين الحق والباطل أعظم من ذلك "درء التعارض (5/62) ------------------------قال ابن القيم رحمه الله :" ولكن الواجب تنزيل القرآن منازله ووضع الآيات مواضعها واتباع الحق حيث كان ومثل هذا إذا لم يحصل له فهم الخطاب لا يعذر بذلك -لان الآفة منه وهو بمنزلة من سد اذنيه عند الخطاب فلم يسمعه فلا يكون ذلك عذرا له - ومن هذا قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا اليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب يعنون انهم في ترك القبول منه ومحبة الاسماع لما جاء به وإيثار الاعراض عنه وشدة النفار عنه بمنزلة من لا يعقله ولا يسمعه ولا يبصر المخاطب لهم به فهذا هو الذي يقولون لا خلود في النار ولو كنا نسمع او نعقل ما كنا في أصحاب السعير ولهذا جعل ذلك مقدورا لهم وذنبا اكتسبوه فقال تعالى فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير --"مفتاح دار السعادة (1/102) ---قال شيخ الإسلام رحمه الله " ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه - وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري"-درء التعارض (7/27) :--------قال شيخ الإسلام : أن هذا العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا -رفع الملام ص69:-------------قال شيخ الاسلام ابن تيمية " وكذلك قالوا: {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} [هود: 91] ، قال: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] أي: لأفهمهم ما سمعوه، ثم قال: ولو أفهمهم مع هذه الحال التي هم عليها، {لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] ، فقد فسدت فطرتهم فلم يفهموا، ولو فهموا لم يعملوا، فنفى عنهم صحة القوة العلمية، وصحة القوة العملية"- كتاب الإيمان ص25 :--------------------------------وقال رحمه الله (وفطر العباد مجبولة على محبته، لكن منهم من فسدت فطرته). ------------------------------وقال في مجموع الفتاوى: (فالعلم بالحق يدعو صاحبه إلى اتباعه، فإن الحق محبوب في الفطرة، وهو أحب إليها، وأجل فيها، وألذّ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له، فإن الفطرة لا تحب ذلك) مجموع الفتاوى(16/338).----------------وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (ولابد لهذه الفطرة والخلقة_وهي صحة الخلقة_ من قوت وغذاء يمدّها بنظير ما فيها مما فطرت عليه علما وعملا؛ ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكملة بالشريعة المنزلة). مجموع الفتاوى(10/146) ------------------------------- وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (...فأولياؤه وخاصته وحزبه لما شهدت عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد وإن لم يرسل إليهم رسولا ولم ينزل عليهم كتابا ولو لم يخلق جنة أو نارا، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسن من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه، وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك وتكميله وتفضيله وزيادته حسنا إلى حسنه، فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقا، وتوافقا وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجدوه وحمدوه بداعي الفطرة وداعي الشرع وداعي العقل...).-------------وقال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: (فإنّ الكمال الإنساني مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه، وما تفاوت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: ((واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار))، فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه).-----------------قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء - و الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويرويه مرفوعا((إنّ كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإنّ مأدبة الله هي القرآن)) ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من الطعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له، ومنفعته به- ويتم دينه، ويكمل إسلامه، ولذا تجد من أكثر سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن كثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه الاهتمام ونظير هذا كثير))اهـ--------------- وقال رحمه الله في درء التعارض(1/20) بعد ما بين أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي((فإن الغذاء لا ينفعه-أي المريض- مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء)).------------------من ترك ما ينفعه ابتلي بما يضره:
فسنة الله جارية على أن كل من ترك ما ينفعه، ابتلي بما يضره، وحُرِم الأول.
فالكفار والمشركون لما زهدوا في عبادة الرحمن ابتلوا بعبادة الأوثان.
ولما استكبروا عن الانقياد للرسل ابتلوا بالانقياد لكل مارج العقل والدين.
ولما تركوا اتباع الكتب المنزلة لهداية الناس ابتلوا باتباع أرذل الكتب وأخسها وأضرها للعقول.
ولما تركوا إنفاق أموالهم في طاعة الرحمن ابتلوا بإنفاقها في طاعة النفس والشيطان.
والأمم السابقة لما كذبوا الرسل، وأعرضوا عن الدين، واستغنوا عنه بغيره من الأسباب، دمرهم الله وأهلكهم.