الطلاق حين يكون سلاحاً في يد العاجز
عادل بن سعد الخوفي
الطلاق، الانفصال، فض الشَّراكة الزوجية، انفصام عُرى العلاقة بين الزوجين- أمرٌ شرعه الله حين تعذّر الحياة الزوجية، وساءت العشرة بينهما، واستُنفدت كل إمكانات الإصلاح، فحينها: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا). [النساء: 130].
إنَّ للطلاق في شريعتنا أحكاماً وآداباً وضوابط، تنأى به أن يكون أداةً لعبث العابثين، ولهْو اللاهين؛ كأن يكون التلويح والتهديد بالطلاق هدفاً أمام كل مشكلة زوجية، سلاحاً في يد الزوج أو الزوجة لتهديد شريك الحياة، فيجعله في رعب دائم من مصير شراكتهما، ممارسة يومية يُلوَّح بها عند كل صغيرة وكبيرة، أو بوَّابة خروج خلفيَّة للتملُّص من الواجبات، أو وسيلة ليِّ ذراع وفرض آراء؛ فذلك سلوك يُعبِّر عن ضعف شخصية صاحبها، وإن كانت عادة غير مقصودة، وهو أيضاً سلوك يدل على أن صاحبه لا يمتلك أدنى مقومات المسؤولية ومهارات الحياة الزوجية.
(م. ل) تقول: "زوجي يكثر من تهديدي بالطلاق، عند غضبه يسمعني كلاماً كالحمم، فمع أي سوء تفاهم بيننا، أو خلاف، أو حتى وقوع ما لا يرتضيه، مباشرة يهدِّدني بالطلاق، أو البحث عن زوجه أخرى، أنا حائرة في أمري، ولا أشعر معه بأي استقرار أو أمان. أشعر أنني سأفقد بيتي وأولادي في أي لحظة، حتى وإن لم أرتكب سبباً لذلك، إنه شعور قاتل، لا أعرف كيف أتعامل معه! ".
لكم زلزلت هذه المفردة بيوتاً آمنة مطمئنة، فأنتِ طالق إن خرجتِ من البيت! وأنتِ طالق إن تأخر الأكل عن موعده! وأنتِ طالق إن لم تُسكِتي ابنتك! وأنتِ طالق إن لم تساعديني في مصروفات المنزل! وأنتِ طالق وطالق وطالق!!
(ح. ن) تشير إلى أثر هذه المفردات عليها فتقول: "لقد سئمت الحياة معه لكثرة ما يُسمعني من تهديده ووعيده بالطلاق. شعرت ألا قيمة لي لديه، تمنَّيتُ أحياناً أن يقولها حقيقة، لولا خشيتي تشتيت شملي بفقدي فلذة كبدي".
إن الزوجة - والحالة هذه - لن تستطيع أن تؤدي دورها في أسرتها ومجتمعها على الوجه المطلوب؛ فالمرارة تكتم أنفاسها، والغُصَّة تخنق آمالها وأحلامها، والنظرة السوداوية الكالحة تعانق أفكارها؛ فمجرد التفكير في كلمة (أنتِ طالق)، توجد كَسْراً في نفسها، وفتوراً في علاقاتها. فضلاً عن تدمير بنيان الأسرة، وزعزعة كيانها.
وقد بيَّن لنا من أوصانا بالنساء خيراً، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)). متفق عليه، خطورة هذه الخطوة، فقال:((إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا و كذا فيقول: ما صنعت شيئاً و يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه و بين أهله فيدنيه منه و يقول: نعم أنت)). [رواه مسلم].
وفي المقابل فالزوجة أيضاً ينبغي أن تحذر من هذه السلوكية الخاطئة؛ فليس في كل مرة تسلم الجرَّة، فقد يستجيب الزوج لطلبها انتصاراً لكرامته، فتبقى الزوجة تندب حظَّها وسوء حالها، فهذه (س. ه) تقول: "اكتشفت متأخرة أني كنت مخطئة، وعنادي سبب تدمير حياتي، وخسارتي لزوجي واستقرار أطفالي، فقد استسهلت كلمة الطلاق، وباتت تتردّد على لساني على (الفاضي والمليان)، فمنذ الشهر الأول لزواجنا، ولخلاف بسيط أشهرت سلاحي بطلب الطلاق، ظناً مني بأنه كفيل بحسم الخلاف لصالحي، وتتالت الخلافات سواء المادية أو ما يتعلق بتربية أطفالنا، ودائماً كنت أريد فرض رأيي، وإذا عارضني أعود لنفس الأسلوب، إلى أن ملَّ تهديدي ووعيدي وطلقني.
عندها حزمت حقائبي، وعدت مع أطفالي إلى بيت أهلي مطلقة نادمة".
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود، حين تعليقه على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة)). [صحيح ابن ماجة: 2055، وصححه الألباني]: "وهذا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل الطلاق إلاّ لأمر يقتضيه ويُحتاج إليه، أما أن تسأله من غير بأس، ومن غير أمر يقتضيه ففيه هذا الوعيد الشديد الذي يدلّنا على تحريمه وأنه لا يسوّغ، وهو يدلّ على أن الطلاق ليس بمحبوب ولا مرغوب".
إن الحياة الزوجية؛ تسديد، ومقاربة، وعفو، ومسامحة، واستقرار الحياة الزوجية أمر واجب في شريعتنا الإسلامية، وإنما كان عقد الزواج ليدوم حتى تنتهي حياة أحدهما، فلا تتصوّر المرأة أنها يمكن أن تحصل على زوج خال من العيوب، ولا يتصور الرجل أن يحصل على زوجة خالية من العيوب، فإنه يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ). [البلد: 4]. والصلة بينهما من أوثق الصلات وأقواها، فقد جعل الله ما بينهما ميثاقاً غليظاً، (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا). [النساء: 21]، وهذا الميثاق بينهما يحتاج إلى التحلِّي بالهدوء والروية لمواجهة خلافاتهما العارضة، وأن يحتوي أحدهما الآخر تحت جلباب المودة والرحمة التي منحهما الله إياها.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين