قال رجل للحسن البصري: إنك تغتابني فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي. كأنه يقول هل أنت عاقل حتى أهدي إليك حسناتي بهذه الغيبة!
ما صحة هذا الأثر؟
قال رجل للحسن البصري: إنك تغتابني فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي. كأنه يقول هل أنت عاقل حتى أهدي إليك حسناتي بهذه الغيبة!
ما صحة هذا الأثر؟
أهدى الحسن البصري رحمه الله رجلا طبقا من تمر لأنه علم أنه اغتابه
فقال له
(أحببت أن أهديك تمرا لأنك أهديتني حسناتك وإن زدت زدنا)
وقفت على أول من ذكره أبو حامد الغزالي في (3/184) ذكرها بصيغة التمريض فقال: وروي أن رجلاً قال للحسن: " بلغني أنك تغتابني فقال ما بلغ من قدرك عندي أني أحكمك في حسناتي ". اهـ.
ومن ثم ذكره القرطبي في تفسيره (16/366)، والنووي في الأذكار (528)، ومن بعدهما أبو حيان الأندلسي في المحيط (9/520).
وقد ذكره الغزالي أبو حامد في باب عدم الانشغال بعيوب الناس وأن يلتفت المرء إلى عيوبه وهذا ما يشهد له ما رواه الجصاص في أحكام القرآن (5/291) فقال:
وَرَوَى الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْحَسَنِ يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي أَرَى أَمْرًا أَكْرَهُهُ! قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أَرَى أَقْوَامًا يَحْضُرُونَ مَجْلِسَك يَحْفَظُونَ عَلَيْك سَقَطَ كَلَامِك ثُمَّ يَحْكُونَك وَيَعِيبُونَك؟ فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي لَا يَكْبُرَنَّ هَذَا عَلَيْك أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَعْجَبُ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا عَمِّ قَالَ أَطْمَعْت نَفْسِي فِي جِوَارِ الرَّحْمَنِ وَحُلُولِ الْجِنَانِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النِّيرَانِ وَمُرَافَقَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ أُطْمِعْ نَفْسِي فِي السَّلَامَةِ مِنْ النَّاسِ إنَّهُ لَوْ سَلِمَ من الناس أحد لسلم منهم خالقهم فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ خَالِقُهُمْ فَالْمَخْلُوقُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْلَمَ ". اهـ.
أخرجه البيهقي في الزهد وابن عساكر في التبيين والبحيري في التاسع من فوائده.
وروى البخاري في الأدب المفرد من حديث عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
" خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِينَا أَبُو الْيَسَرِ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيُّ، وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمِّي، لَوْ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلامِكَ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، أَوْ أَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ، كَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، يَا ابْنَ أَخِي، بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَشَارَ إِلَى نِيَاطِ قَلْبِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَكَانَ أَنْ أُعْطِيَهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وذا أصله في صحيح مسلم.
وورد في حديث ضعيف جدًّا في التنبيه للسمرقندي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْجَارِ عَلَى الْجَارِ؟ قَالَ:
" إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنْ دَعَاكَ أَجَبْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَ بِكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ شَهِدْتَهُ، وَإِنْ غَابَ حَفِظْتَهُ، يَعْنِي مَنْزِلَهُ وَعِيَالَهُ، وَلَا تُؤْذِهِ بِقِتَارِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تُهْدِيَ إِلَيْهِ ". اهـ.
لفظة "وإن زدت زدنا" موضوعة لا أصل له، بل ورد خلاف ذلك كما أورده السمرقندي في التنبيه (ص:164) وذكره بصيغة التمريض فقال:
" وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَدِ اغْتَابَكَ.فَبَعَثَ إِلَيْهِ طَبَقًا مِنَ الرُّطَبِ، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ أَهْدَيْتَ لِي حَسَنَاتِكَ فَأَرَدْتُ أَنْ أُكَافِئَكَ عَلَيْهَا، فَاعْذُرْنِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُكَافِئَكَ بِهَا عَلَى التَّمَامِ ". اهـ.
وقد ذكره عن غير الحسن البصري وهو أبو حامد الغزالي في التبر المسبوك (ص:24) بصيغة التمريض فقال:
" قيل عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه بلغه عن رجل كلام يكرهه فأخذ طبقاً مملوأً من التمر الجني وحمله بنفسه إلى دار ذلك الرجل فطرق الباب فقام الرجل وفتح الباب فنظر إلى الحسين ومعه الطبق
فقال: وما هذا يا ابن بنت رسول الله؟ قال: خذه فأنه بلغني عنك إنك أهديت إليّ حسناتك فقابلت بهذا ". اهـ.
قلت: ويغني عن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ:
" إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ". اهـ.
والله أعلم.
جزاكم الله خيراً.