صحيفة الرياض في عددها: 14626 ، الصادر يوم الخميس الموافق : 7 / 7 /1429هـ ، أوردت في صفحتها الأخيرة مقالةً لمعالي الشيخ د . صالح بن فوزان الفوزان ، أبدى فيها تساؤلاً : لماذا تُفتح في الجامعات الإسلامية كلياتٌ مدنية ، ولا تُفتح في الجامعات المدنية كليات شرعية ؟

ومن وجهة نظر الشيخ في خطابه للمسؤولين : فإنَّ حاجة الناس للعلوم الشرعية أكبر من حاجتهم لما سواها من العلوم .



محرر الصحيفة كان يَودُّ أن يلفت انتباه الشيخ إلى " أن لدينا فائضاً في عدد الأئمة والخطباء والدعاة بشكل ملحوظ " !



وقبل أنَّ أُدبِّج رأيي في القضية أبدي أولاً اعتراضي على ما فعله المحرر ، فليس من اللائق - من وجهة نظري - أن يتدخل المحرر في مثل هذا الموضع ، فإنَّ مسؤولاً شرعياً بحجم الشيخ صالح ليس خافياً عليه حجم الحاجة الشرعية في بلدنا ، ومن واجبه حينما يحس بحجمها أن يقوم بالنصيحة للمسؤولين ومطالبتهم بما يفي بالحاجة ويحقق المصلحة ، وتبقى المصلحة المراد لها أن تتحقق دائرة بين الناصح ( فضيلة الشيخ ) والمنصوح ( المسؤولين ) وتبقى النصيحة أنيقة بحالها دون أن يعقبها كلام المحرر الذي لم يزدها إلا تشويهاً ، فهو كلام صادر - في قضية كهذه - من رجل لا تزيد مكانته عن كونه محرراً ، ورحم الله امرءا ً عرف قدر نفسه ، وله إن شاء أن يبدي وجهة نظره معلقاً باسمه الصريح في المكان المحدد لتعقيبات القراء ، بعيداً عن الزج بصلاحيات التحرير في أمر ليست له !



ثم أدلف إلى ما أريد البوح به حول القضية المذكورة ، فهل يا ترى تحققت لدينا الكفاية من مخرجات هذه الكليات ؟ !

إنك إذا نظرت للقضية كماً فلن تعدم عدداً كبيراً ، ولو نظرت لها كيفاً فلا تحتاج لطول تأمل حتى تعرف الحقيقة : أنَّ هذه الأعداد ليست مباركة ، ولم تقم بواجبها نحو مجتمعها ، مما يعني أن هذه الكليات لم تخرج للمجتمع الكوادر المؤهلة ، فهل تقف حاجتنا عند الكم أم الكيف ؟

الناس يعانون في مساجدهم ، و إن كانت هذه المعاناة غير ظاهرة لدى البعض لأنهم يصلون ولا يبالون بأي طريقة أدوا الصلاة !

أين تلك الأعداد الكبيرة من واجبها تجاه مساجد المسلمين ؟ تلك المساجد التي أضحت ميداناً ترتزق منه العمالة الوافدة كما ترتزق في أي ميدان آخر !

وبعد المهمة الرئيسة ( أداء الصلاة ) لا تسل عن دور المسجد فيما وراء ذلك ، ورسالته التي أضحت موءودة في كثير من مساجدنا إلا ما رحم ربك !

"منبر الجمعة " هل أدى دوره المأمول في تبصير الناس و إرشادهم في شتى المناحي الحياتية ؟ وهل سلم هذا المنبر من لحون الخطباء حتى يسلم من أدواء المعاني ؟

القضاء - وما أدراك ما القضاء - بحاجة ماسة لزيادة عدد القضاة ، وزيادة تأهيلهم ، بما يتماشى مع حاجة الناس المتزايدة ، ومشاكلهم مع هذا الجهاز أكثر من أن تحصر ، وهذا ما أدركه ولاة الأمور فكان مشروع تطوير القضاء ، فهل نزعم أننا محققون الاكتفاء ؟

التوجيه والإرشاد والتوعية والأمر بالمعروف .. وغيرها من الوظائف الشرعية التي تشكو من قلة المردود لمن يتفرغ لها ، مما جعلها مرتعاً لذوي التأهيل المتدني .

لا أجد - حينما أتأمل في واقع الناس - أننا حققنا قدراً كافياً من التوعية العلمية الشرعية في مجتمعنا ، وإن كنا حققنا قدراً لا ننكره إلا أنه يتسم بالسطحية ، ودونك ما تحدثه كلمة في قناة فضائية أو فتوى شاذة من بلبلة وخلخلة في صفوف الناس .



إن هذا القصور الذي لم تعالجه الكميات الكبيرة من المتخرجين والدارسين هو ناتج في الأساس من قصور التأهيل والتدريس ، مسؤول عنه : صاحب القرار ، الذي يجب عليه تطوير هذه الكليات ، واختيار النخبة الملائمة للدراسة فيها ، و تحقيق العائد الجيد للوظائف المقصودة ، ولن نغفل مسؤولية المجتمع الذي ارتكب جريمة نكراء حينما كون نظرة لهذه التخصصات جعلت منها ملاذاً للطلبة ذوي المستويات المتدنية .