أنت على موعد مع...
سعيد محمد السواح



أيها المسلم الحبيب:
لو ذكُر لك:
- أنك على موعد مع رئيسك في العمل.
- أنك على موعد مع شخصية مرموقة.
- أنك على موعد مع مطربك المفضل.
- أنك على موعد مع لاعب كرة له مكانة في قلبك.
- أنك على موعد مع جائزة.
فماذا تفعل؟
فهل أنت متمن لهذا اللقاء هل تتعجله؟
أتظن انك سوف تكون في غفلة عن هذا اللقاء، أم انك سوف تكون على استعداد تام حتى إذا نودي عليك أجبت، أليس كذلك؟!.
بل نقول:
ما من لحظة تمر عليك إلا وأنت في انتظار المنادي متى ينادي باسمك لتجبين، فلقد أسكت كل جوارحك حتى لا يفوت عنك الاستماع للمنادي، أليس كذلك؟.
ونحن نقول لك أيها الحبيب:
أنت على موعد مع محبوب، فهل ترغب في ذلك، أم ترغب عن ذلك؟
((أنت على موعد مع الله))..
فهل تتمنى أيها الحبيب ذلك الموعد أم تكره هذا اللقاء؟
نقول لك: أسأل قلبك: هل أنت تتمنى ذلك الموعد أم لا تتمناه؟
- إن كنت لا تتمناه بقلبك قلنا: لماذا وما السبب، أترغب عن لقاء ربك؟
وأن قلت: بل أرغب.
قلنا لك: ما هي استعداداتك لهذا اللقاء، وما هو استعدادك النفسي لهذا اللقاء؟
أتبيت وأنت تحلم متى يأتي ذلك اليوم الموعود؟
أيطير قلبك فرحا وشوقا لهذا اللقاء؟
أيها الحبيب: فما بالك لا تفرح بلقاء ربك كفرحك بهذا المخلوق؟
مالك وعدم الاستعداد لهذا اللقاء؟
قد يقول قائل:
بل أنا في شوق للقاء الله!.
قلنا لك:
- من أحب لقاء الله.
- ومن تمنى لقاء الله.
- ومن كان في شوق للقاء الله.
كان مستعداً لذلك.
أأنت أخذت الاستعدادات اللازمة لذلك؟
وقبل أن تجيب نقول لك:
مهلاً أيها الحبيب، احتفظ بإجابتك، وامسك لسانك إلى آخر المقال؛ للنظر أتصدق فيما قلنا أم إن الأمر يحتاج إلى مراجعة؟
اعلم أيها الحبيب: ((إن المرء مع من أحب))
ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)).
بل أنظر إلى نبيك وحبيبك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أتاني ربي- تبارك وتعالى -في أحسن صورة، وقال: سل. قلت: اللهم إني أسالك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وان تغفر لي، وترحمني، وإن أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها حق فادرسوها ثم تعلموها)).
وهذا أنس بن مالك - رضي الله عنه - يذكر أن رجلاً سال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "متى الساعة يا رسول الله"؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أعددت لها؟))، فقال: "ما أعددت لها من كبير صلاة وصيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مع من أحببت)).
أيها الحبيب: اختبر محبتك لربك، قال الله - تعالى - مبيناً السبيل الذي يعرف من خلاله محبة العبد لربه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].
فثبات هذه المحبة وإثباتها، يكون بمتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأعماله وأخلاقه، محبة تبعث على إيثار الحق على غيره.
ولتعلم: أن أطيب الحياة أن تكون محباً لله محبوباً له، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله - عز وجل -: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)).
فهذا العبد محب لربه محبوب من ربه، متقرب إلى ربه، وربه قريب منه.
فالمحب هو المتقرب لربه بالأعمال الظاهرة والباطنة.
المحب محب لطاعة ربه وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فنقول أيها الحبيب: ما أسهل الدعوى وما أعز المعنى.
فالمحبة شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح.
ولقد نادى الله - تعالى - على الطائفة المؤمنة مبيناً لهم صفات المحبين له: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54].
فهذه صفات أربعة اشتملت عليها هذه الآية لصفات المحبين:
(1) الذلة على المؤمنين، ولين الجانب، وخفض الجناح، والرحمة والرأفة للمؤمنين.
(2) أعزة على الكافرين شدة وغلظة عليهم.
(3) الجهاد في سبيل الله، ومجاهدة الأعداء باليد والمال واللسان.
(4) لا يخافون في الله لومة لائم، يجتهدون فيما يرضي الله به من الأعمال، لا يبالون من لامهم في شيء منه إذا كان فيه رضا ربهم.
وكذا صفات المحبين:
متابعتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فطريق محبة الله للعبد أن يكون تابعاً لهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن علامات الحب: أن يكون مؤثراً ما أحب الله - تعالى - على ما يحبه في ظاهره وباطنه، وأن يتنعم بالطاعة ولا يستثقلها ويسقط عنه تعبها.
ومن علامات المحب:
الشوق إلى الله - عز وجل -؛ قال - سبحانه -: (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بالقضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقاءك غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين)).
ومن علامات المحب: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الداريات: 17].
ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب لقاء لله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)).
أيها المسلم الحبيب: أيهما أحب إليك؟
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
فهذه الآية تمثل لك مجالاً لاختبار حبك لربك - تعالى -.
وختاماً..
نقول لك أيها الحبيب:
إن هذا الموعد حتمي لا محالة، أرغبت أم لم ترغب، ولكن أعطاك الله الفرصة لكي تتجمل وتتزين في أحسن ملبس يتفق مع موعدك مع الله، فما هي الملابس التي أعددتها لهذا اللقاء؟
فلتعلم أيها الحبيب:
أن الملابس ما ينبغي أن تكون إلا من مادة واحدة، لا يصلح لهذا اللقاء غيرها، أتعرفها أم لا تعرفها؟
(وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]