قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله -نجاسة جميع الكفار نجاسة معنوية وليست نجاسة حسية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا ينجس. ومعلوم أن المؤمن يجنس نجاسة حسية، إذا اعترضته النجاسة تنجس. فقوله: لا ينجس. علم أن المراد ما في النجاسة المعنوية، وقال الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾. فأخبر الله تعالى أنهم نجس، وإذا قارنا هذا بما ثبت في حديث أبي هريرة من أن المؤمن لا ينجس علمنا أن المراد بالنجاسة نجاسة المشرك، وكذلك رأينا من الكفار نجاسة معنوية وليست حسية، ولهذا أباح الله لنا طعام الذين آتوا الكتاب مع أنهم يباشرون بأيدهم، وأباح لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهم مع أن الإنسان سيباشرهن ولم يأمرنا بغسل ما أصابته أيديهم ولا غسل ما مس نساءهم بالزواج-------------الطهارة والنجاسة المعنوية
----الطهارة قسمان : طهارة حسية ، وطهارة معنوية ، والنجاسة قسمان : نجاسة حسية ، ونجاسة معنوية .
فالطهارة الحسية : هي الطهارة من الحدث والخبث (النجاسة) .
والنجاسة الحسية : هي الأعيان التي حكم الشرع بنجاستها وقذارتها ، ومنها ما نجاسته مغلظة، وهو الكلب ، ومنها ما نجاسته مخففة : كبول الصبي الرضيع ، ومنها ما نجاسته متوسطة ، كنجاسة البول والدم والميتة .
والكلام عن الطهارة والنجاسة الحقيقية هو محور اهتمام الفقهاء في كتبهم .
وأما الطهارة والنجاسة المعنوية فليست محل اهتمام أهل الفقه ، ولذلك لا يذكرونها إلا نادرا على سبيل الاستطراد .
والطهارة المعنوية : هي طهارة المؤمن من الشرك والكفر ، والنجاسة المعنوية : هي نجاسة الكفر والفسوق والعصيان .
ومن النصوص الشرعية الدالة على الطهارة والنجاسة المعنوية :
قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران/ 42.
قال ابن جرير الطبري: " وَقَوْلُهُ : ( وَطَهَّرَكِ ) يَعْنِي : طَهَّرَ دِينَكِ مِنَ الرِّيَبِ وَالأَدْنَاسِ الَّتِي فِي أَدْيَانِ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ ". انتهى " تفسير الطبري" [5 /392] .
وقال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة / 103]
قال الطبري: " يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّدُ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ ( وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) تُنَمِيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ ، إِلَى مَنَازِلِ أَهْلِ الإِخْلاَصِ ". انتهى " تفسير الطبري" [11 /659] .
وقال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [الأحزاب / 33]
والمراد بها الطهارة المعنوية .
وقال عن قوم لوط : ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل / 56]
أي عن المعاصي والقبائح .
وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) [التوبة / 28]
قال ابن القيم : " وقد وسم الله سبحانه الشرك ، والزنا ، واللواطة ، بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب وإن كانت مشتملة على ذلك ، لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، وقوله تعالى في حق اللوطية : ( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ) .
وقالت اللوطية : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) ، فأقروا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخباث الأنجاس ، وأن لوطا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له .
قال تعالى في حق الزناة : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) .
فأما نجاسة الشرك فهي نوعان : نجاسة مغلظة ، ونجاسة مخففة .
فالمغلظة : الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل .
والمخففة : الشرك الأصغر ، كيسير الرياء ، والتصنع للمخلوق ، والحلف به ، وخوفه ، ورجائه ...
والمقصود : أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة ، وتارة تكون معنوية باطنة ". انتهى " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " [1 /59]
وقال الشيخ ابن عثيمين : " الطهارة معناها : النظافة والنزاهة ، وهي في الشرع على نوعين : طهارة معنوية ، وطهارة حسية.
أما الطهارة المعنوية : فهي طهارة القلوب من الشرك والبدع في عبادة الله ، ومن الغل ، والحقد ، والحسد ، والبغضاء ، والكراهة ، وما أشبه ذلك في معاملة عباد الله الذين لا يستحقون هذا ....
ولهذا وصف الله عز وجل المشركين بأنهم نجس ، فقال تعالى : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )، ونفى النبي صلى الله عليه وسلم النجاسة عن المؤمن ، فقال صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن لا ينجس) ، وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن أن يعتني به عناية كبيرة ليطهر قلبه منه ". انتهى " فقه العبادات " صـ 97 .
وقال الشيخ صالح الفوزان: " الطهارة المعنوية : هي الطهارة من الشرك ، والطهارة من البدع ، والطهارة من الذنوب ، قال تعالى : ( إنهم أناس يتطهرون ) فالطهارة هنا معنوية وهي النزاهة عن المعاصي والذنوب .
والشرك نجاسة ، قال تعالى : ( إنما المشركون نجس ) نجاسة معنوية ، والتوحيد طهارة معنوية " انتهى من الشرح المختصر على زاد المستقنع (1/52)https://islamqa.info/ar/answers