الحب الذي يتحدثون عنه
إيمان الخولي
عندما يفقد المحب عقله يصبح جسداً بلا روح، تتحكم فيه الشهوات، والغرائز تملكه ولا يملكها.
من حق كل منا أن يحب، ولكن لمن تخرج هذه المشاعر، هل تخرج لما أحل الله لنا أم أنها تصبح عبثاً يذهب سدى؟
ما هو الحب؟
الحب في اللغة كما قال ابن القيم في كتابه (روضة المحبين ونزهة المشتاقين): أصله مأخوذ من الحب الذي هو الصفاء؛ لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حبب الأسنان.
أو بمعنى اللزوم والثبات، ومنها أحب البعير إذا برك فلم يقم، فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالاً.
وقيل: بل هي مأخوذة من الحب، جمع حبة: وهو لباب الشيء وخالصه وأصله، فأن الحب أصل النبات والشجر.
وقيل: بل هي مأخوذة من الحب، الذي هو: إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به، بحيث لا يسع غيره.
وكما قال الشاعر:
الحب جزء من تخيلنا *** فان لم نجده اخترعناه
وهو ما ينطبق علينا نحن العرب.
فالحب متعدد الأسماء عند العرب، وهذه دائماً عادة العرب أن الكلمة الواحدة لها أكثر من مرادف منها: "الهوى، العشق، الشغف، الجوى، الهيام، الوجد، الحنين..." إننا نحن العرب اخترعنا الحب وعشنا به في حياتنا، مع أزواجنا، أو زوجاتنا، أو بين الوالدين وأبنائهم، أو بين العبد وبين ربه،ٍ ولم يكن يوماً سلعة نشتريها من الثقافات الغربية بأبخس الأثمان.
كيف ينظر الغرب إلى الحب؟
تتردد على ألسنة كل من أرتبط بعلاقة عاطفية مع الجنس الآخر أنه قد وقع في الحب، وكأن الحب لا يتطلب لحظة تعقل واحدة، ولذلك نجد كثير من الأفلام والروايات تحث الشباب في هذه اللحظة أن يتبع قلبه ويمارس طقوس الحب.
تلك الثقافة الغربية التي تصور أن الحب شيء سهل، وتتحدث عن " الوقوع في الحب " "........... "، وكأن الحب يخضع للصدفة والمؤثرات، ويقع فيه الإنسان كما يقع في حفرة في الطريق، وليس عليه أن يستمع إلى صوت العقل، فهو يقع في الحب فقط، عليك أن تقلد البطل أو المطرب حتى تستمتع بالحب.
وهل الحب وقوع؟ أم سمو بالروح أشبه بالملائكة!.
علينا أن نفرق بين الحب والرغبة:
إننا كثيراً لا نستطيع أن نفرق بين الرغبة وما نحتاج إليه لنشبع غرائزنا وبين الحب؟
إن مدرسة فرويد كان لها الأثر الأكبر في تعزيز قيمة الغريزة الجنسية،ً وجعلها سبباً لسلوك الإنسان في كل مجالات الحياة.
إن الإنسان عندما يحب فانه يختار إنسان بعينه، أما الحيوان فلا يختار فكل أنثى تصلح لكل ذكر، ولأن الحب عاطفة متشابكة بالعديد من المشاعر النبيلة التي لا يفسدها غياب الجنس كالوفاء والتضحية والإخلاص، ولهذا فالحب لا يزول، أما الجنس فيرتبط بالعديد من العوامل التي تزول كالمرض والضعف والموت؛ لأن الجنس يرتبط بالجسد، وكل ما يرتبط بزائل فهو زائل.
يجب أن نفرق بين هل الميل الذي تشعره تجاه الآخر هو شهوة أم حب صادق؟، فالرغبة تنتهي بمجرد الوصول إليها، فإذا كانت الإجابة الاختيار الأول؛ فأنت تحب فقط بالطريقة التي تعلمتها سواء من البيت، أو الأصدقاء، أو الإعلام، وعلى حسب الوسيلة التي تستقي منها فكرة الحب تسلم لك فكرة الحب أو تسوء، فكل إناء ينضخ بما فيه.
اسمع من يقول: حتى وإن كان شهوة هل تريد منا أن نكبت غرائزنا؟.
فهذا قول للدكتور مصطفى السباعي يرى ضبط الغريزة الجنسية ليس كبت لها، فالضبط تنظيم الطاقة والكبت إنكار لها، وكل قوة إن لم تضبط ذهبت هباءً أو كانت أداة للتخريب.
والاختبار الحقيقي هو مدى اهتمامنا بالمحبوب، لا بما ننتظره من المحبوب من فوائد وأرباح نفسية أو معنوية.
الحب في عيون هؤلاء:
"هو توفيق إلهي، وليس ثمرة اجتهاد شخصي، وشرط حدوثه أن تكون النفوس خيرة أصلاً جميلة أصلا والجمال والخير هما المشكاة التي يخرج منها الحب" كلمة للدكتور مصطفى محمود.
"أن الكيميائي الذي يستطيع أن يستخلص من عناصر قلبه: الرحمة، والاحترام، واللهفة، والصبر، والندم، والدهشة، والعفو، ويدمج هذه العناصر في عنصر واحد، يمكن أن يخترع هذه الذرة التي تسمى الحب".
كلمة لخليل جبران
الحب من منظور إسلامي:
بينما تفخر بعض الأديان بترفعها عن هذه العلاقة إلى درجة الرهبنة، وبعض الأديان الأخرى وقعت فيها، وملئت بها حياتها، واستخدمت هذه الغرائز في كل شيء، كانت كما يقع الحجر في البحر العميق، فيظل في ظلام دامس لا يرى نوراً، ولا يجد من يمد له يده.
فقد نظم القرآن الكريم حدود هذه الغريزة، فأباح تفريغها في أوقات الزواج الشرعي، وحرمها في أوقات أخرى خارج مؤسسة الزواج، حين يأتي من وراءه الضرر، فنجد الآيات تتحدث عن هذه العلاقة في كلمات يملأها الحياء فيقول رب العزة: (أولمستم النساء)، (نساؤكم حرث لكم) (فلما تغشاها) كلمات نتعبد إلى الله بها في صلاتنا وحياتنا اليومية، فكيف تخدش الحياء؟.
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجري يتيمة قد خطبها رجل مؤسر، ورجل معدم، فنحن نحب الموسر، وهى تحب المعدم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم نر للمتحابين مثل النكاح)) أخرجه ابن ماجة والبيهقي
وموقف أصحاب الصخرة الذي يسمو بالحب فوق الغريزة
إذ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موقف الثلاثة الذين انغلقت عليهم باب الكهف، فلم يستطيعوا الخروج، وكان هذا واحد منهم: ((وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلى، فأردتها على نفسها فامتنعت منى، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فاشترطت لمساعدتها أن أعطيها عشرين ومائة دينار، على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة)) رواه البخاري.
الحب في الإسلام الذي نتضرع به إلى الله؛ ليفرج عنا كربنا، إنه الحب الخالص لوجه الله.
ولكن ما الذي حدث في عصرنا بين الشباب؟
تجد الفتى يقول لابد أن أدرس شخصيتها قبل أن أتزوجها، وأعرف هل سوف أحبها أم لا؟ فلا يتقدم لخطبتها، ويظل يدرس ويدرس في شخصيتها، ومن تجارب من حولنا نجد أنه حتى لو حدث زواج بينهم يذهب الحب فيه مع الريح بعد الزواج، ولا يبقى منه شيئاً، فهذا هو خداع إبليس: (وزين لهم الشيطان أعمالهم) فيزينها في أعين الشباب قبل الزواج؛ ليشعرهم أنها الفردوس الأعلى، ويعمى كل واحد عن عيوب الآخر، ثم يوقعهم في فخ الحرام.
على النقيض بعد الزواج يكون أول مهمة لإبليس التفريق بين الزوج وزوجته، حتى وإن كان معنوياً، فيسهل عليهم الوقوع في الحرام -حديث الشيطان والعلاقة الزوجية-، ثم هو يتخلى عنك يوم القيامة كما تخلى عنك في الدنيا؛ ليتركك تحاسب عن الحرام وحدك إذ يقول الله - تعالى -: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [سورة الحشر:16]. اسمع من يقول: إننا لا نعمل شيئاً حراماً في علاقتنا ببعض، ولا نصل إلى الزنا، أقول له يا أخي، أو يا أختي ألم تسمع قول رسولك الكريم إذ يقول عن ابن عباس -رضي الله عنه-:
((إن الله كتب على ابن ادم حظه من الزنا أدرك هذا لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى ذلك وتشتهى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)).
ويكون نتيجة هذه العلاقات المتعددة قبل الزواج عدم ثقة الشاب بالفتاة التي يحبها، إذا تزوجها يتزوجها وتنعدم ثقته بأي فتاة أخرى إذا لم يتزوج هذه التي خرج معها قبل الزواج.
لماذا تفشل الزيجات بعد الزواج؟
أولاً: كيف يبارك الله قلبين زنيا بالكلمة، أو بالنظرة، أو باللقاءات الخفية عن عيون الأهل، وهو وحده قادر أن يجعل بينهم مودة ورحمة، وهو القادر على نزعها منهم.
السبب الثاني: لأن الطرفين لم يجعلا للعقل عليهما سبيلاً في علاقتهما، فعاشوا بالعاطفة فقط والهوى لا تقبل بقيود العقل يوهمهم أن الحب يصنع المعجزات، وأن سيحدث التغير بعد الزواج، إن كان إحدى أطراف العلاقة لا يصلى فإنه سوف يصلى بعد الزواج، فهذا هو ترجمة؛ لأن الحب يصنع المعجزات.
وقفة مع ابن القيم: " إن رجلاً هوى جارية من النساء، فبعث إليها يخطبها فامتنعت وأجابته إلى غير ذلك من الحرام فأبى، وقال: لا إلا ما أحل الله، ثم أن محبته ألقيت في قلبها، فبذلت له ما سأل، فقال: لا والله لا حاجة لي بمن دعوتها إلى طاعته ودعتني إلى معصيته".
قمة الحرية أن تكون عبداً لله فقط، وليس لبشر ولا للشهوات، ولذلك رتب الله - عز وجل - الجزاء من جنس العمل الجنة لمن يا ربى؟ يقول عز من قائل: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى)
ولكن ما الحل إذن؟
لماذا يقول ابن عطاء السكندري: " من استغرب أن ينقذه الله من شهواته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية ( وكان الله على كل شيء قدير).
لكل فتاة وشاب حتى تنجو بنفسك من أسر هواك، وتفهم معنى الحب الحقيقي:
1- تجنب المشاهد المثيرة والاستماع لأحاديث الغرام، وغادر أماكن الأوبئة كالمولات والأسواق التجارية، حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( أحسن البقاع إلى الله المساجد وأبغضها إلى الله الأسواق ))
2- استبعاد أسطورة التحرر من الكبت الجنسي؛ لأنها ضمن خطة لتفكيك المجتمع المسلم.
3- رتب أولوياتك كل مرحلة عمرية ولها أولوياتها، فقد تكون الأولوية في مرحلة الجامعة أن انجح، واعمل في وظيفة، ثم أفكر في الارتباط.
4- نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل "اشغل وقتك بالتقرب إلى الله وأعمال الخير.
5- حارب خواطرك لا تجلس وحدك كثيراً فتكون فريسة سهلة للشيطان.
6 لا تذهب للنوم إلا وأنت متعب، ونم على ذكر الله.
7- استخدم الانترنت بحرص لا تطل الجلوس عليه ولا تدخل دون هدف مسبق لا تجلس لمامة بمفردك وهذه مهمة الصحبة الصالحة.
8- لماذا لا ندخر مشاعرنا حتى موعد الزواج فتظل مستودعة فى القلب لا تخرج إلا للزواج فقط بدلا من استنزاف القلب فى علاقة تلو الاخرى يجرج القلب ويدميه وينزع البركة منه
)9 ضع جهازك في مكان عام في البيت، وإن كان في غرفتك، فلا تغلق الباب، واستمع معي لحديث رسولك الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (( لأعلمن أقواماً يأتون يوم القيامة بحسنات مثل جبل تهامة بيضا فيجعلها الله هباءً منثورا)) إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
10- واصل صومك احرص أن يكون لك أيام من الشهر تصومها وذلك كل شهر.
11- غض بصرك فإنه يغلق لك كل الأبواب إلى الحرام.
12- أكثر من النوافل والقربات.
13- اطرق باب الدعاء يقول بن القيم: " فان عجزت عن هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا الالتجاء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه مستغنياً به متضرعاً متذللا وما أجمل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))
وهناك باب آخر هو باب التوبة: أكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله:
اعلم أن التغيير قرارك إذ يقول الله - تعالى -: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) سورة الرعد.
وأخيراً يجب أن نتعلم كيف نحب أولاً:
إنك لكي تحب يجب أن تتفرغ قلبك وعقلك منكل ذرة كراهية لأحد، وبعدها يمكنك أن تبدأ في تعلم الحب، فالحب الصادق الحقيقي هو الذي نلجأ إليه لا نهرب من أنفسنا فيه وإنما نجد أنفسنا فيه والحب ليس أنانية، عندما يأخذ الحب مساراته الشرعية فيصبح مفخرة لنا في كل مكان يصبح مصدر من مصادر قوتنا، أما إذا أصررنا على أن يبقى في الظلام وتخوف أن الناس من حولهم تكتشف أمرهم فلن يخرج هذا الحب للنور ويظل في الظلام حتى يموت.
الحب الحقيقي هو الذي يغير نظرتك للأشياء، فعندما تتغير عادتك السيئة عندما يصبح الحب في ميزان حسناتنا وعندما تزداد قرب من الله عندما تقبل على الطاعة عندما تعطى بلا حدود عندما تحب حبيبك وتتمنى إلا تفترقا وتخلدان معا فى الجنة فأعلم انك تحب الحب المبارك