المراة بين الواجب الأسري والواجب الدعوي
تعيش المرأة الداعية هموماً كبيرة في القدرة على تحقيق الواجبات المتعلقة بها؛ هم مجتمعها الصغير – الأسرة – والمجتمع الكبير، كيف توفق بين هذين الواجبين ؟
هل حقيقة أن الزواج مقبرة الداعيات ؟ ولماذا يقل عطاء بعض الداعيات بعد الزواج ؟ بل ترى بعضهن صعوبة الاستمرار في الدعوة ؟ ولماذا تصاب الداعية بالملل والسأم من بعض طرق الدعوة ؟ هل الواجب على الداعية أن تدور في فلك واحد من مجالات الدعوة ؟
أسئلة كثيرة تهم المرأة نحاول أن نسلط الضوء عليها لنبحث معاً عن الإجابة .
إن للمرأة طاقات وإبداعات قد تفوق بها الرجال في مجالها ، وخلال سنوات مضت كان هناك هدر لهذه الطاقات وعدم استغلال لها، والآن بدت بوادر جميلة في القدرة على توظيف هذه، تقول د. منيره البدراني : " في نظري يمكن توظيف هذه الطاقات بحسب إمكاناتها الجسمية والعقلية والفكرية والنفسية، فمثلا : من النساء من عندها قدرة على تحضير مادة علمية جيدة، والنظر في واقع الناس وأخطائهم ثم إلقائها في تجمع نسائي، ومنهن من عندها قدرة على التحضير وليس عندها جرأة على الإلقاء والإقناع ، ومخاطبة الجماهير، فيمكن لهذه أن تحضر المادة وتدفعها إلى من يستفيد منها ويلقيها ، ويمكنها أيضاً أن تكتب في مجلة أو دورية أو غيرهما مما يطلع عليه الكثير من الناس" .
وقالت أيضاً : "ومنهن من منّ الله عليها بالقدرة على الأمرين؛ تحضير المادة العلمية، والإلقاء والإقناع، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء، ومن النساء من عندها قدرة على الإدارة في المؤسسات الخيرية ، ونفع الدين وأهله خلف الأضواء وفي كل خير" .
في حين تنقل الأخت عفاف فيصل عن الأستاذة البندري العمر بأن مجالات استغلال هذه الطاقات كثيرة، منها : الأسرة، والمدرسة، والأقارب، والمستشفيات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، ودور رعاية الأيتام، والملاحظة الاجتماعية .
وترى المشاركة سواء كانت معلمة أو طالبة في الدعوة عن طريق الوسائل المتعددة الحديثة، فتقول: سواء كانت طالبة أو معلمة تستطيع أن تؤثر على الزميلات والطالبات ، وحتى الطالبة تستطيع أن تؤثر على معلمتها عن طريق المطويات والمجلات الحائطية والإذاعة المدرسية ، وعن طريق كلمة صادقة تلقيها أثناء درسها أو محاضرتها أو حديثها مع من حولها .
ويرى الشيخ أن لكل إنسان طاقة وجهد، ولابد أن يصيبه الفتور، وهو من الأمور التي يشتكي منها الصالحون، فيقول :"إن مسألة الضعف والفتور مما شكا منه الصالحون والزهاد، فالنفوس البشرية تعاني الضعف والفتور، وإن الحالة التي يرغب فيها المؤمن لنفسه حالة الخشوع واليقين، الدمعة التي تذرف لذكر الله لا تدوم، بل تعقبها حالات من مشاكل الدنيا تسلب القلب البشري، ولم يسمَّ قلباً إلا لتقلبه، وما يعزي المؤمن والمؤمنة أنه مبتلى في كل الأحوال، وأنه يؤجر على كل ما يصيبه من هم وغم، ويؤجر على أعماله، فتؤجر المرأة مثلاً على حسن ابتعالها لزوجها وتربية أولادها.
جاءت الشريعة فرفعت مقدار العابد في هذه الأمة حتى جعلته يحتسب نومته كما يحتسب قومته؛ لذا تستطيع أن تجعل هذه المسألة ليست قضية فتور عن الطاعة، إنما تقلب لحالة معينة تمر بها النفس البشرية، وتجعل لكل حالة حقاً وواجباً لا بد أن تؤديه، فالرجل حين يؤدي حق زوجته وأبنائه أو والديه فهو يؤدي عبادة شرعية، فإذا كان الفتور إنما بانشغال الإنسان عن قراءة القرآن والعبادة ومثل هذه الواجبات، فإنما هو نقلة من عبادة إلى عبادة.
لكن علينا أن نجاهد ونقاوم ونتوكل على الله، فإن هذا أعظم التوكل".
وحول القدرة على التوفيق بين الواجب الدعوي والواجب الأسري :" أما التوفيق بين الواجبات، فينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء مشكلة نشتكي منها جميعاً، وإن لم يكن لنا مقدرة على ترتيب الأولويات، وإعطاء كل ذي حق حقه نكون مقصرين، فالمتزوجة إن قصرت في حق زوجها وأبنائها تأثم، وإن كانت داعية ناجحة لا بد أن يكون هناك منهج لتوفيق بين هذه الواجبات.
لا بد لها من الاستشارة، استشارة الزوج، الأخوات الداعيات في الأصلح لها؛ إذ إن الحالات البشرية مختلفة، وكل إنسان له ظروفه.."
وترى د. منيره البدراني أن المشكلة ليس في صعوبة التوفيق بقدر ماهي مشكلة داخلية لدى النساء، وأن بيدهن القدرة على التوفيق بين هذين الواجبين بعد توفيق الله _جل وعلا_ فتقول : " المرأة التي تحمل هم الدعوة إلى الله وإصلاح حال المسلمين لا تستطيع التوفيق بين هذين الواجبين إلا بتوفيق من الله وبالاستعانة بالله، والدعاء في الأوقات والأحوال التي يرجى فيها إجابة الدعاء، ثم بتنظيم الوقت والبعد عن كل ما من شأنه تضييع الأوقات من الملهيات المحرمة والمكروهة والمباحة، وتربأ بنفسها عن كثير مما تنشغل به كثير من النساء من اللهو" .
وترى أن على المرأة أن تعرف مقاصد الشريعة، وتفهم واقع الحال والقدرة على ترتيب الأولويات في حياتها، فتقول : "أيضاً فهم الشرع فهماً صحيحاً من حيث تقديم بعض الواجبات على بعض ، والعناية بالأسرة وعدم إهمالها بدعوى الدعوة إلى الله، في نفس الوقت الشعور بالواجب تجاه المجتمع وعدم التقوقع في البيت" .
في حين أن إحدى الأخوات الداعيات - والتي طلبت عدم ذكر اسمها - ذكرت حالاً للداعيات مما تعيشه في واقعها، وتشعر بسببه بكثير من الحسرة والشعور بتأنيب الضمير، فتقول في كلامها – المؤثر - : " سأجيب على تساؤلكم بجواب إنما هو حكاية واقع ، لمحاولة معرفة الصواب ؛ لأن هذا الموضوع يشغل كثيرات غيري ، ولم نجد حتى الآن ما تطمئن له النفس ، أو يرتاح له البال، فالمرأة إما أن تكون عاملة – موظفه – أو تكون ربة بيت ، والحكم يختلف ، وسأتكلم عن النموذج الأول بصفتي واحدة منهن .
فالمرأة الموظفة التي تحمل الهم تخرج يومياً تقريباً من المنزل للمدرسة أو للجامعة أو للدار، ثم تعود مع عودة أولادها وزوجها، وهي منهكة تحتاج إلى الراحة ، فإذا عادت وجدت الجميع بحاجة إلى وجودها الصغير والكبير ، وشؤون البيت بحاجة إلى إشرافها، فتشعر بتأنيب الضمير؛لأنها تعد هذا تقصيراً، خاصة وهي تسمع كلمات العتاب إما من الزوج أو من الأولاد ، مثلاً : ( نتمنى أن نرجع ونجدك في البيت ) أو قريباً من هذا القول ، أضف إلى ذلك أن هذا هو الوضع الطبعي الموافق للفطرة".
ثم تضيف أن هذه الحال موجودة في مكان عملها أيضاً مما يسبب كثيراً من المعاناة النفسية، فتقول :" ثم تفكر جدياً بترك العمل ، فتسمع كلمات العتاب ممن حولها، مثل : بقاؤك سد ثغرة ، لمن تتركين المكان ؟ بنات المسلمين بحاجة لك ولأمثالك... وهكذا، ولا تنتهي المعاناة عند هذا الحد؛ لأنه لو اقتصر الارتباط على عمل الصباح لقلنا: تبقى المرأة وتعوض أولادها، وتجلس معهم أطول وقت ممكن ، ولكن هذا في الحقيقة لا يمكن أن يكون؛ لأن الارتباط الواحد يتبعه ارتباطات متعددة والساحة بحاجة ، والنساء قليل فترتبط مع دار في الأسبوع لدرس أسبوعي ، والجيران لهم حق فترتبط معهم بدرس أسبوعي ، والعمل يحتاج إلى تنظيم فتذهب للاجتماعات ، وكذلك المسؤوليات الأخرى فتجد نفسها في دوامة لا تنتهي ، وإذا اعتذرت شعرت بالسلبية والتقصير ، وإذا أجابت شعرت بالتفريط في حق من تعول، وهذه مشكلة المشاكل.
وتضيف أن الداعيات بحاجة ماسة إلى الحلول العملية لهذه المشكلة التي تقع فيها كثيرات منهن بعيداً عن التنظير المجرد، وأن واقع الدعاة يختلف عن الداعيات، فتقول :" دائماً نستشير أهل العلم، فيقولون: سددوا وقاربوا ، وهذا كلام نظري لا يمكن تطبيقه ، نحن نحتاج فعلاً إلى حلول عملية من واقع مجرب، فالرجل ليس كالمرأة ، نسمع عن رجال دعاة، ولكن هل يصلح أن تكون المرأة داعية بالمعنى المتعارف عليه؟
ثم تختم رسالتها قائلة :" الآن وبعد تجربة دامت قرابة خمسة عشر عاماً أعترف بالتقصير، وأرى أن الموضوع يحتاج إلى دراسة متأنية" .
يتبع