قال شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله: أن أفرض ما فرض الله عليك، معرفة دينك: الذي معرفته والعمل به، سبب لدخول الجنة ; والجهل به وإضاعته، سبب لدخول النار. ومن أوضح ما يكون لرديء الفهم: قصص الأولين والآخرين، قصص من أطاعه، وما فعل بهم، وقصص من عصاه، وما فعل بهم ; ومن لم يفهم ذلك، ولم ينتفع به، فلا حيلة فيه، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [سورة ق آية : 36].
وقال بعض السلف: القصص جنود الله، يعني أن المعاند لا يقدر يردها: فأول ذلك ما قص الله عن آدم وإبليس، إلى أن قال: اهبطوا في الأرض؛ ففيها من إيضاح المشكلات، ما هو واضح لمن تأمله، كما قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ
هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة آية : 38].
وفي الآية الأخرى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } [سورة طه آية: 123-124] إلى قوله: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [سورة طه آية: 127].
وهداه الذي وعدنا به: إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقد وفى بما وعد سبحانه؛ فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ فأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فاحرص يا عبد الله، على معرفة هذا الحبل الذي بين الله وبين عباده، الذي من استمسك به سلم، ومن ضيعه عطب. فاحرص على معرفة ما جرى لأبيك آدم، وعدوه إبليس، وما جرى لنوح وقومه، وهود وقومه، وصالح وقومه، وإبراهيم وقومه، ولوط وقومه، وعيسى وقومه، وموسى وقومه، ومحمد صلى الله عليه وسلم وقومه.
واعرف ما قصه أهل العلم من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وقومه، وما جرى له معهم في مكة، وما جرى له في المدينة ; واعرف ما قص العلماء عن أصحابه، وأحوالهم وأعمالهم، لعلك أن تعرف الإسلام والكفر؛ فإن الإسلام اليوم غريب
وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح. -القسم الثاني من كناب الجهاد وأول كتاب المرتد )