خطر قنوات الشعوذة على الأسرة
عفاف حسن مختار
إن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر تمر بمعلم من معالمها الفاصلة في تاريخها، حيث اشتدت
المعركة بين الحق والباطل ضراوة على أرض الإسلام وعلى حصونه، بل في كل بيت من بيوته تتطلع الأنظار إلى موقع الأسرة المسلمة، فذئاب الشهوات يتهاوشون في أودية الملذات، ومستنقعات الرذيلة ويتحفزون للانقضاض على الأسرة المسلمة من طريق القنوات الفضائية، فهذه تمزق الخمار، وهذه تعري الصدر، والأخرى تروم نزع الحجاب، لتصبح المرأة المسلمة فريسة ممزقة بمخالب الفاحشة، وطعماً لإيقاع الأمة كلها في شباك المفسدين وبذلك تخسر الأسرة المسلمة أهم ركن من أركانها ألا وهي الأم والمربية والمعلمة والمرشدة وقد صدق الشاعر عندما قال: الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
إننا في الآونة الأخيرة عندما نلتفت في عالمنا المعاصر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لا نرى إلا سعار الشهوات، وحمى المغريات عن طريق القنوات الفضائية الماجنة، ونرى الأسرة المسكينة تترنح تحت سياطها، وتصطلي بلظاها، ونشاهد تحت طلاء "العصرية والحرية والحضارة" لهيب الشقاوة والنكد والتعس مصداقا لقول الله - تعالى -: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].
فلذا فلنحذر الإعلام المضل عموماً والقنوات الفضائية الهدامة خاصة، التي كادت لا يسلم من ضررها صغير ولا كبير، فقير ولا غني، رجل ولا امرأة، جاهل ولا متعلم، فبعض القنوات الفضائية ليس لها هم إلا هدم العقيدة الإسلامية ومسخها من النفوس كقنوات الغناء والرقص، والعري والتغنج، والتميع والخنا، وبث الرذائل بشتى أنواعها التي تنبت النفاق والشبهة والشهوة في القلوب، فتمرض وتبعد عن مزمار الرحمن إلى مزامير الشيطان وإغوائه.
ومن أشد القنوات خطراً في الوقت الحاضر قنوات الشعوذة والدجل والسحر وما تبثه من سموم قاتلة تقتل الأنفس والأفئدة، وتقضي على العقيدة الإسلامية، فينسلخ المسلم من دينه وهو لا يعلم، فما تقوم به هذه القنوات هو عين السحر والشعوذة، وقد وضحت لنا الشريعة الغراء حكم السحر وأنه كفر وحكم الساحر وأنه كافر، وأن الساحر ليس له حظ ولا نصيب من الدين الإسلامي، يقول الله في محكم التنزيل: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُون َ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ).
فهؤلاء الذين يظهرون في تلك القنوات الضالة المضلة يتزينون بزي التقوى وهم أبعد ما يكونون عنها، فهم يتعاقدون مع الشياطين والجن ليبلغوهم بعض الأمور الغيبية، والغيب المطلق لا يعلمه إلا الله - تعالى -، ولكن هؤلاء الشياطين والجن يقومون بخدمتهم وإعلامهم بما يسترقون من السمع، كما قال - سبحانه وتعالى -: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)، قال المفسرون: "الأفاك: الكذاب وهم الكهنة تسترق الجن السمع ثم يأتون أوليائهم من الأنس فتتحدث الكهنة بما نزلت به الشياطين"، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل: "يا رسول الله إن الكهان يحدثوننا بالشيء، فنجده حقاً"، قال: ((تلك كلمة الحق يحفظها الجني فيقذفها في أذن وليه فيها مائة كذبة)).
إن هذا الجان لا يقوم بخدمة ومساعدة الساحر أو الكاهن إلا بعد القيام ببعض العبادات له، بل ويتجاوز الأمر إلى أن يعبد هذا الكاهن أو الساحر الجان، وعندها يخرج من الدين الإسلامي بالكلية، والمتصل أو المشاهد لتلك القنوات يتعرض لشرها وخطرها فينال تهديد الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)).
فعلينا جميعاً أن نعلن مقاطعة تلك القنوات البذيئة التي عمت وطمت، ونحذر الجميع من ويلاتها حتى لا يتعرضوا للويل والثبور، فما تلك القنوات إلا كذب ومحض افتراء وتلبيس وتضليل على العباد، فزعمهم بحل المشاكل وعلاجها ما هو إلا رجم بالغيب، وعلم الغيب مختص به الله - سبحانه وتعالى -، وهو القادر على حل مشاكل العباد والبلاد، وشفاء الأمراض فلا يقوم بها إلا المتفرد بها - سبحانه وتعالى -.