ما ابتليت الأمة في عصر من عصورها بما ابتليت به في هذه الأزمان ، وما ذلك إلا لأنها أتيت من الفهم والتصور ، فالسلوك والعمل فرع على الفهم والتصور ، وقد حُرِّف دين الله تعالى مفهوما ومتصوَّرا ، وإن لم يحرف نصا ، وقد نال ذلك كل فروع الدين ، فنال العقيدة والإيمان ، فصار الكثير من الناس يقولون نحن مؤمنون ما دمنا مصدقين ، وإن لم نعمل ، وإن عصينا.
وصاروا يشركون في حين يظنون أنهم بذلك موحدون ، فعبدوا أصحاب القبور ، وعبدوا الطواغيت من دون الله ، لما أطاعوا السادة والكبراء ، واتبعوا التقاليد والعادات المخالفة لشرع رب السماء ، ولما نحَّوُا الشريعة فصاروا يقولون لا سياسة في الإسلام ، وليجمعنا حب الأوطان .
ونال باقي أركان الإسلام وشعائر الدين ، فظن الكثير أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وذكر الله مجرد أفعال وأقوال ، ففارقوا حقائقها ، ولم يأتوا بمقتضياتها.
ونال الأخلاق ؛ إذ قطعت الأرحام ، وساءت المعاملات ، وانتشرت الخصال والأقوال والأفعال الذميمة ، لما قصَر كثير من الناس الدين على المسجد.
وكأني بقول الله : (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا).