لغة الضاد

د. أمل القاسم



اللغة العربية.. لغة القرآن الكريم.. بل المعجزة القرآنيـة.. متمثلة في فصاحته وبلاغته وإعجازه اللفظي واللغوي والحسابي أيضاً؛ لأجل ذلك لا تقبل صلاة إلا بقراءة من القرآن الكريم بلغة الضاد حتى لغير الناطقين بها.
ولقد شرف الله سبحانه وتعالى لغتنا الجميلة بأن جعل خاتم الكتب عربي المنطق، وجعل خاتم الرسل بلسان عربي فصيح، ولا غرو في ذلك فالعربية من أثرى اللغات إن لم تكن أثراها على الإطلاق مرادفات ومعان.

ولقد كان العرب شديدي الاعتزاز بلغتهم الجميلة، حريصين كل الحرص على إبرازها وتكريمها وتقديرها، قال بشار بن برد:
وكأن رخص حديثها
قطع الرياض كسين زهرا
وكأن تحـت لسـانهـا
هـاروت ينفث فيـه سحـرا
حقاً إن من البيان لسحراً! سئل ابن المقفع: ما البلاغـة؟
فقال: الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطل. ثم سئل ثانية فقال: هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها.
كذلك كان العرب يؤثرون من القول ما جاء وجيزاً بليغاً مركزاً كقولهم: الصحبة كالريح إما حملت طيباً أو حملت خبيثاً.
تشبيه دقيق وبليغ؛ لأن اختيار الصحبة من أصعب الأمور وأهمها، التي ينبغي للمرء التوقف عندها وانتقائها بعنايـة بالغـة فإما صلاحاً وإما وبالاً ودماراً.
أعود إلى لغتنا العربية الجميلة وهي تشتكي عقوق بعض أبنائها، بل إن منهم من نبذها بالكلية ولو كانت عند غيرهم لتسابقوا على تعلمها ولكن "زامر الحي لا يطرب"، فهلم بنا نداوي جراحها ونستأصل أورامها من مفردات غريبة, فلنقل مثلا:
داكن بدلاً من غامق
الحوامة أو العمودية بدلاً من هليكوبتر
فاقع بدلاً من صارخ
علامة تجارية بدلاً من ماركة
السترة بدلاً من الجاكته
زجاجة عازلة بدلاً من ترمس
المنامة بدلاً من البيجامة
قائمة الكتب بدلاً من الكتالوج
الشرفة بدلاً من البلكونه
التلقائي بدلاً من الأوتوماتك
الوسادة بدلاً من المخدة
عفوا بدلاً من اكسكيوزمي
المتكأ بدلاً من الكنبة
نعم أو زين بدلاً من أوكي
البهو بدلاً من الصالون
الشطيرة بدلاً من الساندويش
ولشدة اعتزاز العرب بلغتهم الجميلة, كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية, فيشب الفتى منهم فصيحاً جذلاً.
وقد جاء في الحديث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أملى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر...}.
فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: فتبارك الله أحسن الخالقين.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بها ختمت". (أي أن الآية ختمت بها فعلاً).
قال الحسن البصري:

تعلموا العلم للأديان والنحو للسان والطب للأبدان.
فلا مانع من الجمع بين هذه العلوم الثلاثة الضرورية الرئيسية لتسير دفة الحياة، أما أنا فقد سئلت: إلى أي حد أحب لغتي العربية؟ فما وجدت أفضل من قول البيروني:
"والله لأن أهجي بالعربية أحب إليَّ من أن أمدح بغيرها" .
نعم، أليست.. لغة القرآن الكريم؟