قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى : ما الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين ؟ وما الذي عابه على قومه، وبني عمه، وأنكروه ؟ وهل ينكرون الله ؟ أم يعرفونه ؟ - فالجواب -فأما الذي أمرهم به، فهو : عبادة الله وحده لا شريك له، وأن لا يتخذوا مع الله إلهاً آخر ؛ ونهاهم عن عبادة المخلوقين، من الملائكة، والأنبياء، والصالحين، والحجر، والشجر، كما قال الله تعالي : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا ّ أنا فاعبدون ) وقوله تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمه رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقوله تعالى : ( واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) وقوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
فليعلم بذلك : أن الله ما خلق الخلق إلا ليعبدوه، ويوحدوه ؛ وأرسل الرسل إلى عباده، يأمرونهم بذلك .
وأما الذي أنكرناه عليهم، وكفرناهم به : فإنما هو الشرك بالله، مثل أن تدعو نبياً من الأنبياء، أو ملكاً من الملائكة، أو تنحر له أو تنذر له، أو تعتكف عند قبره، أو تركع بالخضوع والسجود له، أو تطلب منه قضاء الحاجات، أو تفريج الكربات، فهذا شرك قريش، الذي كفرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلهم عند هذا ؛ وإلا لم يقل أحد من
الكفار : أن أحداً يخلق، أو يرزق، أو يدبر أمراً، بل كلهم يقرون : أن الفاعل لذلك هو الله، وهم يعرفون الله بذلك، قال الله تعالى حاكياً عنهم : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) وقال : ( قل لمن الأرض ومن فيها )الآيات وقال : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر) .
وهذا الإقرار : لم يدخلهم الإسلام، ولا أوجب الكف عن قتالهم، وتكفيرهم ؛ إنما كفرهم بما اعتقدوا فيما ذكرنا، وإنما كانوا يعبدون الملائكة، والأنبياء، والجن، والكواكب، والتماثيل المصورة على قبورهم، ويقولون : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )[ الزمر 3 ] ( ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله )
فبعث الله الرسل تنهى عن أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة، وقال تعالى : ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) كما أنتم عبيدي إلى قوله : ( إن عذاب ربك كان محذوراً ) قال طائفة من السلف : كان أقوام يدعون المسيح، وعزيراً، والملائكة، فقال الله لهم : هؤلاء عبيدي ،كما أنتم عبيدي يرجون رحمتي، كما ترجونها، ويخافون عذابي، كما تخافونه .
إذا عرف المؤمن : أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرهم، يعرفون الله، ويخافونه، ويرجونه، وإنما دعوا هؤلاء للقرب والشفاعة، وصار هذا كفراً بالله، مع معرفتهم بما ذكرنا، فيعلم إن كان متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، أن الواجب عليه : التبري من هذا، وإخلاص الدين لله، والكفر به وبمن عمله، والإنكار على من فعله، والبغض والعداوة له، ومجاهدته حتى يصير الدين كله لله، كما قال : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله )
وفي الحديث : " أوثق عرى الإيمان : الحب في الله، والبغض في الله " وفي الحديث :" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل " ولا تصدق في أحد إلا ّبما سمعت، أو نقله من لا يكذب، وانصحه إذا بلغك عنه شيء، قبل أن تنكر عليه، خصوصاً ممن تعرف منه، حباً للدين، موافقاً عليه، مجاهداً فيه، والله الهادي، والحمد لله رب العالمين .