الاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله؛ قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشـرِك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)) [1].
أهمية الاستغفار:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل، فإن العبد في كل يوم، بل في كل ساعة، بل في كل لحظة يزداد علمًا بالله وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشـرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله، ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقَّها، فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار؛ بل هو مضطرٌّ إليه دائمًا في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضـرَّات، وطلب زيادة القوة في الأعمال القلبية والبدنية"[2].
أما المستغفر بلسانه: وهو متشبِّثٌ بذنبه، مقيمٌ عليه مُصِـرٌّ عليه بقلبه، فهو لم يصدق في استغفاره.
• الاستغفار في القرآن الكريم: لقد كثر ذكر الاستغفار في القرآن:
1- فتارة يأمر الله تعالى عباده به، ويحثُّهم عليه، ويُحرِّضُهم عليه؛ كقوله عز وجل: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود: 3]، ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ ﴾ [فصلت: 6].
2- وتارة يمدح أهله ويُثني عليهم؛ كقوله تعالى: ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِين َ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]، وقوله تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَار ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].
3- وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره؛ كقولـه تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
4- وينادي الله تعالى عباده ويدعوهم إلى المسارعة إلى التوبة والرجوع إليه، فيقول تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال تعالى: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ [إبراهيم: 10].
5- ويحذر القرآن الكريم من اليأس والقنوط من رحمة الله؛ فيقول ربنا عز وجل: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56]، ويقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
الاستغفار شعار الأنبياء والصالحين:
1- فها هو أبونا آدم وأُمُّنا حواء عليهما السلام لما خالفا أمر الله عز وجل وأزلهما الشيطان، وأوقعهما في الخطأ، بادرا بالاستغفار والتوبة والندم ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
2- وها هو نوح عليه السلام حين سأل الله أن يُنجي ابنَه، عدَّ هذا السؤال ذنبًا يُوجِب الاستغفار؛ بل خشـي من الخسـران بقوله: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].
3- وقال نوح عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28].
4- وموسى عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]، وقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151].
5- وإبراهيم عليه السلام يقول راجيًا مغفرة مولاه مُعَدِّدًا أفضالَه عليه: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 82].
6- ويونس عليه السلام يُنادي في الظلمات بقوله: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].
7- وسليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35].
8- وداود عليه السلام يقول الله عز وجل في شأنه: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
9- ويعقوب عليه السلام عندما أتى أبناؤه يطلبون المغفرة: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 97، 98].
10- ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ((والله، إني لأستغفرُ اللهَ، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))[3].
11- وأبو بكر رضي الله عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، فيُعلِّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: ((اللهم أني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم))[4].
12- وعمر رضي الله عنه يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، فيقول: يا رسول الله، استغفر لي[5].
13- وأبو هريرة رضي الله عنه يقول: "إني لأستغفرُ الله، وأتوب إليه، كل يوم ألف مرة، وذلك على قدر ديتي، وكان يقول لغلمان الكتاب قولوا: اللهم اغفر لأبي هريرة، فيؤمِّن على دعائهم".
ثمرات الاستغفار وفوائده:
إن للاستغفار ثمرات جليلة وفوائد عديدة منها:
1- تكفير السيئات ورفع الدرجات؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، وقال تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم)) [6]؛ بل إن الله تعالى ينادي عباده في الثلث الأخير من الليل قائلًا: ((من يستغفرني فأغفر له))... الحديث [7].
2- يرفع العبد من المقام الأدنى إلى المقام الأعلى، ومن الناقص إلى التام، ومن المكروه إلى المحبوب؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه؟! فيقول: باستغفار ولدك لك)) [8].
أما كون الاستغفار سببًا لرفع البلايا؛ فقد قال الله عز وجل في شأن نبيه يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، ووصف تسبيحه في آية أخرى بأنه: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].
3- أنه سبب لجلب الرزق وسعته والإمداد بالأموال والبنين؛ كما قال عز وجل عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 11، 12]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3].
وشكا رجل إلى الحسن البصـري رضي الله عنه الجدب، فقال له: "استغفر الله"، وشكا رجل آخر الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: "استغفر الله"، فقالوا له في ذلك: أتاك رجالٌ يشكون، فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟! فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح عليه السلام: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12].
4- أنه سبب لجلاء القلب وبياضه وصفائه ونقائه: فالذنوب تترك آثارًا سيئة وسوادًا على القلب، والاستغفار يمحو الذنب وأثره، ويزيل ما علق بالقلب من سواد، وما قد رَانَ عليه من ذنوب ومعاصٍ، وقد صوَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحالة فقال: ((إنَّ المؤمن إذا أذنب نُكت في قلبه نُكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، وأن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه؛ وهو الران الذي ذكر الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14])) [9].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)) [10].
5- أنه سبب لحصول القوة في البدن؛ كما قال تعالى على لسان هود عليه السلام لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52].
6- أنه يجلب رضا الله تعالى ومحبته، وكفا بذلك نعمة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ ﴾ [البقرة: 222].
7- أنه سبب في تفريج الهموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أكثر الاستغفار، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))[11].
أوقات ومواطن يُستحب فيها الاستغفار:
الاستغفار والتوبة مشـروعان في كل وقت وحين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسـيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمسُ من مغربها)) [12]، إلا أن هناك أوقات أرجى من أوقات، ومواطن أبلغ في الإجابة وأقرب إليها من مواطن، ومن هذه الأوقات والمواطن ما يلي:
1- عقب الذنب: وهو من آكد المواضع التي يستحب فيها الاستغفار ويشـرع بل ويجب، وهو هنا اعتراف من العبد بالذنب، وسؤال الله أن يمحو أثره ويغسل درنه، وقد قال آدم عليه السلام وزوجه حينما عصيا الله: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
وحين قتل موسى عليه السلام رجلًا لم يؤمر بقتله: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16].
يونس عليه السلام حينما ذهب غاضبًا وغادر قومه قال: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشة، إن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب، الندم والاستغفار))[13].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
2- عقب الطاعات: ولابن القيم رحمه الله كلام نفيس يقول فيه: "وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارًا عقيب الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه، وأنه لولا الأمر لما أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية، ولا رضيها لنفسه... وكان صلى الله عليه وسلم إذا انصـرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))[14]، ويأمر الله عباده بالاستغفار بعد الفراغ من الحج؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].
وكان صلى الله عليه وسلم يختم مجالسه بالاستغفار؛ فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)) [15]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)) [16].
3- في الأذكار اليومية الراتبة: فأدعية الصلاة كثيرًا ما يردُ فيها الاستغفارُ، ومن ذلك: دعاء الاستفتاح، وأدعية الركوع، والسجود وبين السجدتين، فالاستغفار يصاحب المسلم في صلاته من حين تكبيرةِ الإحرام، وحتى ينتهي من صلاته؛ بل وبعد الانتهاء منها.
4- وهناك أوقات ومواضع أخرى يستحبُّ الاستغفار فيها، ومن ذلك:
أ- وقت السَّحر؛ قال تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]، وقال: ﴿ وَبِالْأَسْحَار ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].
ب- عند الخسوف والكسوف؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم شيئًا من ذلك - يعني الخسوف أو الكسوف - فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره))[17].
ج- وعند التقلُّب على الفراش ليلًا؛ فعن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعارَّ من الليل وفي آخرة قال: اللهم اغفر لي، أو دعا؛ استجيب له، فإن توضَّأ؛ قُبِلت صلاتُه))[18].
د- وعند القيام من الليل للتهجُّد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجَّد قال: ((...وفيه: فاغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْـرَرْتُ وما أعلنْتُ، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت))[19].
بعض صيغ الاستغفار في القرآن والسنة:
وردت صيغ كثيرة للاستغفار في القرآن والسنة:
1- فمن القرآن:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]. ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118]، ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147]، ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 16]، ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28]، ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].
2- ومن السنة النبوية:
سيد الاستغفار وهو: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شـرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) [20]، ((ربِّ اغفر لي وتُبْ عليَّ؛ إنك أنت التواب الرحيم)).
((رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسـرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْـرَرْتُ وما أعلنْتُ، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير)) [21].
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] رواه الترمذي، وصححه الألباني.
[2] مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
[3] رواه البخاري.
[4] متفق عليه.
[5] متفق عليه.
[6] رواه مسلم.
[7] متفق عليه.
[8] رواه أحمد.
[9] رواه أحمد، والترمذي.
[10] رواه مسلم.
[11] رواه أحمد.
[12] رواه مسلم.
[13] رواه أحمد.
[14] رواه مسلم.
[15] رواه أبو دواد
[16] رواه الخمسة.
[17] متفق عليه.
[18] رواه البخاري.
[19] متفق عليه.
[20] رواه البخاري (6306).
[21] رواه البخاري (6398).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/132805/#ixzz5fzBhB0N6