بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فأشارككم بقاعدتين معلومتين عند علماء العقيدة و التوحيد لكني صغتهما بكلام مقفى و ضربت أمثلة مما حضر في ذهني مع العرض و الترتيب المنطقي.
القاعدة الأولى: الاشتراك لا يقتضي دائماً الإشراك.
تفصيل القاعدة: الاشتراك في الكلام بين المملوك (العبد) و المليك (الله جل جلاله) لا يقتضي دائماً إلى الله نسبة الشريك.
هنالك أربعة أنواع من الكلام:
النوع الأول: كلام يصلح لله عز و جل و لا يصلح للعبد، أو كلام يختص به الله تعالى.
مثال: قول الشاعر:
ألا فارحموني يا إله محمد *** و إن لم أكن أهلاً فأنت له أهل
يا من أجبت دعاء نوح فانتصر *** و حملته في فلكك المشحون
و قول أبي نواس:
أيا من ليس لي منه مجير *** بعفوك من عذابك أستجير
فالأبيات الثلاثة السالفة لا تصلح إلا لمخاطبة الله تبارك و تعالى.
النوع الثاني: كلام يصلح للعبد و لا يصلح لله عز و جل، أو كلام يختص به العبد.
مثال: قول أبي تمام:
لا تنسين تلك العهود فإنما *** سميت إنساناً لأنك ناسي
و قول الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
و قول الشاعر:
وعدت و كان الخلف منك سجية *** مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
فالأبيات الثلاثة السالفة لا تصلح إلا لمخاطبة العبد.
النوع الثالث: كلام يصلح لله عز و جل و العبد، أو كلام مشترك بين الله عز و جل و العبد، فإذا خوطب به الله عز و جل كان يليق بكماله و جلاله و إذا خوطب به العبد كان يليق بحاله و نقصه و فقره و ضعفه و عجزه.
مثال: الاشتراك في (الأعلى):
قال الله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى)، سورة الأعلى.
و قال الله تعالى لموسى عليه السلام: (قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى)، سورة طه.
مثال: الاشتراك في (الإنعام):
قال الله تعالى: (و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه)، سورة الأحزاب.
مثال: الاشتراك في (الإيتاء من الفضل):
قال الله تعالى: (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله و رسوله إنا إلى الله راغبون)، سورة التوبة.
و من قول الشعراء:
المثال الأول: كلام خوطب به العبد لكنه يصلح لمخاطبة الله عز و جل:
قال جرير مخاطباً الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان:
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً *** و النفس مولعة بحب العاجل
فالبيت السالف يصلح أن يخاطب به الله عز و جل و نظيره في السنة قول النبي صلى الله عليه و سلم في دعائه: (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله و آجله ما علمت منه و ما لم أعلم ...).
المثال الثاني: كلام خوطب به الله عز و جل لكنه يصلح لمخاطبة العبد:
قال عبد الرحيم البرعي رحمه الله مخاطباً الله عز و جل:
فظني فيك يا سيدي جميل *** و مرعى ذود آمالي خصيب
فالبيت السالف يصلح أن يخاطب به العبد لأن كلمة (سيدي) ليست مختصة بالله تبارك و تعالى.
النوع الرابع: كلام لا يصلح لله عز و جل و لا للعبد، و لن أذكر مثالاً على هذا النوع.
القاعدة الثانية: الاشتراك قد يقتضي الإشراك.
هذه القاعدة مكملة للقاعدة الأولى.
متى يقع العبد في الشرك بالله بسبب كلامه؟
إذا خاطب العبدَ بكلام يختص به الله عز و جل (النوع الأول) أو خاطب اللهَ عز و جل بكلام يختص به العبد (النوع الثاني).
و هناك أمثلة كثيرة على من وقع في الشرك بالصورتين السالفتين.
مثال من القرآن الكريم:
قال الله عز و جل حاكياً عن فرعون: (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى).
أمثلة من قول الشعراء:
المثال الأول: كلام خوطب به العبد مع أنه لا يصلح إلا لله جل جلاله:
قال ابن هانئ يمدح المعز الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار
المثال الثاني: كلام خوطب به أو نسب إلى الله عز و جل مع أنه لا يصلح إلا للعبد:
قال نزار قباني:
من أين يأتي الشعر يا قرطاجة *** فالله --- و عادت الأنصاب
و ختاماً ما كان من توفيق فمن الله جل جلاله و ما كان من خطأ فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله منه براء، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.