الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد :
وأعني بذلك اتخاذ خطوات متدرجة من حالة لأخرى للوصول إلى الحالة المطلوبة ، وقد أعبر عنه بالتمرحل أي الانتقال من مرحلة لأخرى للوصول إلى المطلوب ، وهذا في الحقيقة عين التربية ، والمقصود الإسلامي الشرعي من ذلك الوصول إلى أفضل وأكمل حالات التربية الشرعية ، وأخص الكلام هنا بمن أغواه الشيطان فأقام مصرا على معصية لا يجد عزما على تركها وهو غير راض عن حاله كأمثال كاتب ذلك عافني الله وإياكم ، بل بالأصالة من أضاف إلى ذلك الوقوع في غرور الأماني وهو البحر الذي لا شاطىء له ، وكلما وقع قال له الشيطان رحمة ربك واسعة وبنوا آدم خطائون وخيرهم التوابون ، وفي كل مرة يقول لنفسه في نفسه غدا أفلح ولا بأس أن أتدرج ويزين له الشيطان التدرج على أنه الترك مرات والفعل مرة إلى الترك الخالص ، فإذا فعل المرة جرت المرات ولا توبة ، وإذا ندم ندم ندما لا يقدمه خطوة نحو التوبة بل يؤخره خاصة مع استمراء ذلك واعتياد النفس ورضاها به وإسكاتها عن لوم صاحبها على فعل الذنب ،
أقول لهؤلاء وأولئك ، ولا أبرئ نفسي ، لا يتم تدرج إلا بركنين أساسيين هما التخلية والتحلية ، لا يتأخر إحداها عن الأخرى بل يتلازمان ، وضمان ذلك إشغال النفس بالحق عن الباطل بعد تصفية الفكرة عن الانشغال بالمعصية إلى المفيد والطاعة وتحفيز النفس إلى النعيم الباقي ، ولنا في تشريع تحريم الخمر الموعظة ، إذ كان تدريبا بالطاعة وهي الصلاة ، والضروري الجبلي مما لا غنى للمرء عنه وهو النوم على ترك الخمر ، لا أن يترك شربها أياما ليعود لشربها يوما ،
وضمان نجاح ذلك أيضا :
أن لا تستشرف الداعيات إلى المعصية ، بمعنى أن يهجر كل ما يدعو إلى الوقوع فيها هجرا قاطعا لا رجعة فيه ،
ولا يحصل ذلك كله إلا بأمرين :
الأول : تمام الالتجاء إلى الله تعالى والاستعانة به ، والثاني : صدق الجهاد والمجاهدة فيه ، وفقنا الله لمرضاته .