صامتون حتى الموت !!
يسرى الخطيب
إذا كنت محباً واجتماعياً ومقبلاً على الآخرين، تُعبر عن نفسك بتلقائية وتعيش مشاعر الفرح والحزن بكل مقتضياتهما، فإذا ما أحسست بالحب والرضى والسعادة، تتلون مشاعرك على لسانك كلاماً عذباً تُسمعه لأحبائك، وإن غضبت غلت المشاعر في فؤادك وثارت الكلمات على شفتيك فتفصح عن استيائك واستنكارك ببساطة ، وإن أغضبت أحداً تُبادر بتهدئة الموقف والاعتذار، وإن أغضبك أحد تعاتبه حتى تحافظ على مودته..
إذا كنت كذلك فأنت لا تستطيع أن تفهم الشخص المنطوي الذي يغزل على مشاعره نسيجاً كثيفاً غامضاً. ويدفن أحاسيسه في بئر قلبه حتى يبدو لمن أمامه كالصخر بلا إحساس.
أن الذي نراه في هذا الشخص انه عندما تحدث المشاكل، ينكمش على نفسه، ويلوذ بالصمت، وهو يعلم أو لا يعلم أنه يحطم علاقاته الجميلة والحميمة بيديه. لربما يكون هذا الشخص بالذات أكثر صدقاً وحباً من غيره، ولكن لا يفيده كل ذلك إن لم يعود نفسه على فتح الأوراق والحساب والعتاب حتى تصفو القلوب وقديماً قالوا:"يبقى الود ما بقي العتاب".
وهذه الفئة من الناس تأبى إلا أن تعيش طفيلية على جهد الطرف الآخر في المحافظة على علاقاتهم، وهم في ذلك يمثلون السلبية بأقصى معانيها وأكثرها إيلامهاً، لأنهم يفرطون بمن يحبون رافضين أدنى جهد من المبادرة الإيجابية نحو الطرف الآخر، مرجعين ذلك إلى طبعهم وشخصيتهم.
وإذا كان علينا أن نعتبر هؤلاء طبيعيين - كما تقول الدراسات النفسية - وعلينا أن نتقبل هذه النوعية ونقدم لها الأعذار. فإني أرى أن هذا الأمر لا يمكن أن نقبل به على إطلاقه، وأطرح التساؤل التالي لهذه الفئة: أيهما أكثر إيلاماً فكرة المحاولة في الحفاظ على من نحب أو فقدانهم للأبد ؟!
إن الموازنة هنا بين الاستسلام للطبع وبين الخسائر المترتبة على ذلك في غاية الأهمية وقد يأتي يوم يعلم فيه هؤلاء أن الصمت والانسحاب هما أسوأ ما يمكن فعله في موقف يتطلب أن يكون الكلام والإيجابية هما بوابة الحل.
إن المقولة الشهيرة:"إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" لم تعد تستوقفني بما فيها من ذهب وفضة، بل أراها تجنّي على نعمة الكلام، فالسكوت ليس في كل الأحوال ذهباً بل قد يكون الوجه الآخر للسلبية، والسلبية غول متجمل بالسكوت المذهّب يأكل الأخضر واليابس في العلاقات الحميمة. بينما الصراحة تضفي على لغة القلوب حباً وصدقاً ورباطاً لا تقطّع أوصاله النكبات، ولغة الصمت لا تحل مكان لغة الحوار ولكل منهما موضعه الذي يتألف فيه ويندثر الآخر.
وحتى لا نكون من المزروعين غصباً في عالم المشاع ر، المحسوبين اعتباطاً في دنيا الأحاسيس وحتى لا نكون طفيليين في علاقاتنا نعيش على مبادرة الآخرين، يجب أن نخطو خطوة واحدة للأمام وستتلوها خطوات...
أما أن نبقى صامتين وصامدين حتى الموت، فإننا سنخسر أحبتنا وأصدقاءنا وربما أقرب الناس إلينا !!