تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: عقيدة السلف في القرآن وأنه غير مخلوق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي عقيدة السلف في القرآن وأنه غير مخلوق

    الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
    تجد في هذا الفصل[1]:
    أ) معاني المفردات.
    ب) المعنى الإجمالي للأبيات.
    جـ) الأدلة النقلية:
    1- إثبات صفة الكلام لله عز وجل.
    2- القرآن مُنزل من عند الله عز وجل.
    3- كلام الله من حروف، وأنه بصوت يُسمع.
    4- نداء الرب تبارك وتعالى على من يشاء من خلقه.
    5- القرآن كلام الله غير مخلوق.
    د) عقائد وتوجيهات سلفية:
    1- المخالفون لأهل السنة في إثبات الكلام لله تعالى طوائف عديدة.
    2- الله عز وجل يتكلم بصوت يُسمع.
    3- كلام الله لا يوصف بالقديم.
    4- كلام الله صفة من صفاته وليس خلقًا من خلقه.
    5- أول من قال بخلق القرآن هو الجعد بن درهم.
    6- الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أهل العلم قد امتحنوا في مسألة خلق القرآن.
    7- القرآن جميعه كلامُ الله حروفه ومعانيه.
    8- من قال القرآن أو شيء من القرآن: مخلوق، فهو كافر كفرًا أكبر يُخرجه من الإسلام بالكلية.
    9- الواقفة شر من الجهمية.
    10- من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي.
    قال الإمام أبو بكر بن أبي داود رحمه الله:
    وَقُلْ غَيْرُ مَخْلِوقٍ كَلامُ مَليكِنا
    بِذَلكَ دَانَ الأتْقِياءُ وأَفْصحُوا
    وَلا تَكُ فِي القُرْآنِ بالوَقْفِ قَائِلًا
    كَمَا قَالَ أتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا
    ولا تَقُلِ القُرآنُ خَلقًا قرأتَهُ
    فإنَّ كَلامَ اللهِ باللفْظِ يُوضَحُ
    أ) المعاني:
    قوله: ((غَيْرُ مَخْلِوقٍ)): الخلق هو الإبداع والبرء، وهو إيجاد الشيء من عدم، وكلام الله صفته سبحانه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
    قوله ((كَلامُ مَليكِنا)): إضافة الكلام إلى الله سبحانه وتعالى إضافةَ صفةٍ لموصوف، فالكلام صفة لله تليق به لا تُشبه صفات المخلوقين، فهو سبحانه له الكمال في ذاته وصفاته.
    قوله ((بِذَلكَ))؛ أي: بهذا المعتقد الحق بأن القرآن كلام الله غير مخلوق.
    قوله ((دَانَ الأتْقِياءُ)): اعتقد الأتقياء.
    قوله ((وأَفْصحُوا)): صرَّحوا به وأظهروه للناس.
    قوله ((وَلا تَكُ فِي القُرْآنِ بالوَقْفِ قَائِلًا)): الواقفة طائفة قالت: لا نقول القرآن مخلوق أو غير مخلوق، بل يجب التوقف فيه.
    قوله ((لِجَهْمٍ)): هو جهم بن صفوان من رؤوس الجهمية.
    قوله ((وَأَسْجَحُوا)): أسجح بالشيء؛ أي: لانت به نفسه، فأتباع جهم لانت نفوسهم ومالت قلوبهم إلى هذا المعتقد.
    قوله ((ولا تَقُلِ القُرآنُ خَلقًا قِرَاءةً))؛ أي: لا تقل قراءتي بالقرآن مخلوقة.
    قوله ((فإنَّ كَلامَ اللهِ باللفْظِ يُوضَحُ)): القرآن كلام الله ألفاظه ومعانيه، واللفظ به يُوضِّح المعنى.
    ب) المعنى الإجمالي للأبيات:
    أيها المتمسك بالكتاب والسنة، قلْ في القرآن: إنه كلام الله، منزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود بحروفه ومعانيه جميعًا، كما نص على ذلك أهل السنة والجماعة، ولا تكن كمن شكَّ في كلام الله عز وجل، فوقف شاكًّا فيه يقول: لا أدري مخلوق أو غير مخلوق، كما قال أتباع جهم بن صفوان، ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله، فهو جهمي مبتدع؛ فالقرآن كلام الله ألفاظه ومعانيه، واللفظ به يُوضِّح المعنى.
    جـ) الأدلة النقلية:
    1) الأدلة النقلية على إثبات صفة الكلام لله عز وجل:
    1- قالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164].
    2- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143].
    3- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 253].
    4- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾ [الأعراف: 144].
    5- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى: 51].
    6- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87].
    7- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].
    8- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115].
    9- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30].
    10- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الفتح: 15].
    11- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40].
    12- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].
    13- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
    14- وحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ، فَقَالَ: ((أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي))[2].
    15- وحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ))[3].
    16- وحَدِيثِ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يقولُ اللهُ تعالَى: ما لعبدي المؤمنِ عندي جزاءٌ، إذا قبضتُ صفِيَّه من أهلِ الدُّنيا ثمَّ احتسبه، إلَّا الجنَّةَ[4])).
    17- وحَدِيثِ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْض))[5].
    18- وحَدِيثِ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلمقَالَ: (( أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ: يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِب ِ..[6])).
    2) الأدلة النقلية على أن القرآن مُنزل من عند الله عز وجل:
    1- قَالَ تَعَالَى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185].
    2- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].
    3- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
    4- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 101، 102].
    5- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].
    6- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].
    3) الأدلة النقلية على أن كلام الله من حروف، وأنه بصوت يُسمع:
    1- قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13].
    2- وحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ، يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟))[7].
    3- وحَدِيثِ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَأ بيدِه إلى الشامِ عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال قلتُ ما بُهْمًا قال ليس معهم شيءٌ فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ..))[8].
    4- وحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ، أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ))[9].
    5- وحَدِيثِ عَبْداللَّهِ بْن مَسْعُودٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ))[10].
    6- وحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ))[11].
    7- وقَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ))[12].
    4) الأدلة النقلية على نداء الرب تبارك وتعالى على من يشاء من خلقه:
    (النداء باتفاق أهل اللغة لا يكون إلا صوتًا مسموعًا):
    1- قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشعراء: 10].
    2- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾ [مريم: 52].
    3- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [القصص: 62].
    4- وقَالَ الله تَعَالَى:﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65].
    5- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [النازعات: 15 - 16].
    6- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ [طه: 11، 12].
    7- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ))[13].
    5) الأدلة النقلية على أن القرآن كلام الله غير مخلوق:
    1- قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6].
    2- قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75].
    3-قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الفتح: 15].
    4- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27].
    5- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3].
    6- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، ((ففرَّق بين الخلق والأمر)).
    7- وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 3]، ((ففرَّق تعالى بين علمه وخَلْقه)).
    8) وقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].
    9- وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]، لو كانت كلمات الله مخلوقة لفنِيت من قبل أن يَفنى بحر من البحور، ولكن الله تعالى إنما كتب الفناء على المخلوق لا على نفسه وصفته .
    10- وحديث خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ))[14]، لو كانت كلمات الله مخلوقة، لكانت الاستعاذة بها شركًا؛ لأنها استعاذة بمخلوق.
    د) عقائد وتوجيهات سلفية:
    ه) المخالفون لأهل السنة في إثبات الكلام لله تعالى طوائف عديدة نذكر منهم طائفتين[15]:
    الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلقٌ من مخلوقات الله، يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يسمع منه، وإضافته إلى الله إضافة خلق أو تشريف؛ مثل: ناقة الله، وبيت الله.
    ويُرد عليهم بما يلي:
    1- أنه خلاف إجماع السلف.
    2- أنه خلاف المعقول؛ لأن الكلام صفة للمتكلم، وليس شيئًا قائمًا بنفسه منفصلًا عن المتكلم.
    3- أن موسى سمع الله يقول: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]،ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
    الطائفة الثانية: الأشعرية، قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته، وهذه الحروفوالأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله.
    ويُرد عليهم بما يلي:
    1- أنه خلاف إجماع السلف.
    2- أنه خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يسمع، ولا يسمع إلا الصوت، ولا يسمع المعنى القائم بالنفس.
    3- أنه خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يُضمره في نفسه.
    2) الله عز وجل يتكلم بصوت يُسمع:
    قال ابن بطال رحمه الله: إن أهل السنة أجمعوا على أن الله كلم موسى بلا واسطة ولا ترجمان، وأفهمه معاني كلامه، وأسمعه إياها؛ إذ الكلام مما يصح سماعه[16].
    وقال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: ما أخبر الله به في كتابه من تكليم موسى وسمع موسى، لكلام الله يدل على أنه كلمه بصوت، فإنه لا يسمع إلا الصوت، وذلك أن الله قال في كتابه عن موسى: ﴿ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13]، وقال في كتابه: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 163، 164]، ففرَّق بين إيحائه إلى سائر النبيين وبين تكليمه لموسى، كما فرَّق أيضًا بين النوعين في قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى: 51]، ففرَّق بين الإيحاء والتكليم من وراء حجاب، فلو كان تكليمه لموسى إلهامًا ألهَمه موسى من غير أن يَسمع صوتًا.. لم يكن فرقٌ بين الإيحاء إلى غيره والتكليم له، فلما فرق القرآن بين هذا وهذا، وعُلم بإجماع الأمة، ما استفاضت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيص موسى بتكليم الله إياه، دل ذلك على أن الذي حصل له ليس من جنس الإلهامات وما يُدرَك بالقلوب، إنما هو كلامٌ مسموعٌ بالآذان، ولا يُسمَع بها إلا ما هو صوت[17].
    ويقول إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله: (الإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور، وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا، فقد كفر بالله العظيم)[18].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: (واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السُّنَّة؛ أنه سبحانه ينادي بصوت؛ نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إنَّ الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو بحرف)[19].
    قال عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: قلت لأبي: إن ها هنا من يقول: إن الله لا يتكلم بصوت، فقال: يا بني، هؤلاء جهمية زنادقة، إنما يدورون على التعطيل[20].
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فليس ما يُسمع من العباد من أصواتهم مشابهًا ولا مماثلًا لما سمعه موسى من صوته إلا كما يشبه ويماثل غير ذلك من صفاته لصفات المخلوقين، فهذا في نفس تكلمه سبحانه وتعالى بالقرآن، والقرآن عند الإمام أحمد وسائر أئمة السنة كلامُه تكلَّم به، وتكلَّم بالقرآن العربي بصوتِ نفسِه، وكلَّم موسى بصوتِ نفسِه الذي لا يماثل شيئًا من أصوات العباد[21].
    وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: إثبات القول لله عز وجل، وهذا كثيرفي القرآن الكريم، وهو دليلٌ على ما ذهب إليه أهل السنة من أن كلام الله يكون بصوت؛إذ لا يطلق القول إلا على المسموع،فإن قال قائل: أليس اللهتعالى يقول: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [المجادلة: 8]، وهذا قول يقولونهبقلوبهم؟ فالجواب: بلى،لكن هذا القول مقيد: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾، وأما إذا أطلق القول فالمراد به مايُسمع[22].
    3) كلام الله لا يوصف بالقديم:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن أحدًا من السلف والأئمة لم يقل أن القرآن قديم، وأنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته [23].
    قال ابن سمحان رحمه الله: إن وصف كلام الله تعالى بالقديم من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها، والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع أن كلام الله سبحانه وتعالى حادث الآحاد قديم النوع، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده، وأن الله تعالى متصف بالأفعال الاختيارية القائمة به، فهو سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء، ويتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد وهو الفعال لما يريد: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82][24].
    وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله:أهل السنة يقررون أن صفة الكلام لله جل وعلا قديمة النوع، حادثة الآحاد، يعنون بذلك أن الله جل وعلا لم يزل متكلمًا، حادثة الآحاد، لم يزل الله جل وعلا متكلمًا سبحانه، يتكلم كيف شاء، إذا شاء، متى شاء، كلامه قديم وأفراد الكلام حديثة، يعني أن كلام الله جل وعلا لعيسى بقوله: ﴿ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ ﴾ [المائدة: 110]، هذا لم يكن كلامًا في الأزل، بل كان كلامًا حين وُجِدَ عيسى، وصار هذا الكلام متوجهًا إليه، هذا كلام أهل السنة؛ انتهى.
    4) كلام الله صفة من صفاته وليس خلقًا من خلقه، وقد فَرَّقَ اللهُ بينَ خلقِهِ وبينَ كلامِهِ فقال سبحانه: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وساق الحافظ اللالكائي بسنده إلى الحافظ أبي سفيان وكيع بن الجراح أنه قال: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أن شيئًا من الله مخلوق، فقيل له: يا أبا سفيان، من أين قلت هذا؟ قال: لأن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ﴾ [السجدة: 13]، ولا يكون من الله شيء مخلوق؛ قال الحافظ اللالكائي: وكذلك فسره أحمد بن حنبل، ونعيم بن حماد، والحسن بن الصباح البزار، وعبدالعزيز بن يحيى المكي الكناني)[25].
    وقيل لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل رحمه الله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ أَنْتَ مَخْلُوقًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَلَامُكَ مِنْكَ مَخْلُوقٌ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَلَامُ اللَّهِ مِنْ الله؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَكُونُ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ؟)[26].
    5) أول من قال بخلق القرآن هو الجعد بن درهم:
    قال الجلال السيوطي رحمه الله في الأوائل: أول من تفوَّه بكلمة خبيثة في الاعتقاد الجعد بن درهم مؤدب مروان الحمار آخر ملوك بني أمية، فقال بأن الله تعالى لا يتكلم.
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة الحموية الكبرى: أصل فُشوِّ البدع بعد القرون الثلاثة، وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين، قال: ثم أصل مقالة التعطيل للصفات، إنما هو مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضُلال الصابئين، فإن أول من حفِظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنُسبت إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر، الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ا. هـ[27].
    ثم تقلد هذا المذهب المخذول عنالجهمبشر بن غياث بن أبي كريمة المريسيالمتكلم، شيخالمعتزلةوأحد مَن أضلَّ المأمون، وجدد القول بخلق القرآن، ويقال: إن أباه كان يهوديًّا صباغًابالكوفة، وروي عنه أقوال شنيعة في الدين من التجهم وغيره، مات سنة ثماني عشرة ومائتين.
    ثم تقلد عنبشرذلك المذهب الملعون قاضي المحنةأحمد بن أبي دواد، وأعلن بمذهبالجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن، وعلى أن الله لا يرى في الآخرة، وكان بسببه ما كان على أهل الحديث والسنة من الحبس والضرب والقتل، وغير ذلك، وقد ابتلاه الله تعالى بالفالج قبل موته بأربع سنين، حتى أهلكه الله تعالى سنة أربعين ومائتين[28].
    6) الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أهل العلم قد امتحنوا في مسألة خلق القرآن؛ لأن المأمون وكان خليفة المسلمين تزعم قيادة هذا القول، ودعا الناس إليه.. فلم يصبر على مخالفة هذا، إلا أفذاذ قليلون من الرجال، وكان هو الذي صمد صمودًا تامًّا كاملًا رحمه الله؛ ولهذا انصب عليه العذاب والحبس، واشتهر بهذا رحمه الله وحمى الله به عقيدة أهل السنة من القول بخلق القرآن، فبقي الناس والحمد لله يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق[29].
    7) القرآن جميعه كلامُ الله حروفه ومعانيه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الصواب الذي عليه سلف الأمة كالإمام أحمدَ والبخاريِّ صاحبِ الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد وغيرِه، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم - اتباعُ النصوص الثابتة وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآنَ جميعَه كلامُ الله حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق، ليس هو مجرَّد الروح ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصواتِ العباد لا صوتِ القارئ ولا غيرِه، وأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمُه وقدرتُه وحياتُه عِلمَ المخلوق وقدرتَه وحياتَه، فكذلك لا يشبه كلامُه كلامَ المخلوق، ولا معانِيه تشبه معانيَه، ولا حروفُه تشبه حروفَه،ولا صوتُ الرب يشبه صوتَ العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد فيأسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه، فقد ألحد في أسمائه وآياته)[30].
    ويقول حافظالحكمي رحمه الله: (القرآن كلام الله عز وجل حقيقة حروفه ومعانيه، ليس كلامه الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، تكلم الله به قولًا، وأنزله على نبيه وحيًا، وآمن به المؤمنون حقًّا، فهو وإن خط بالبنان، وتلي باللسان، وحفظ بالجنان وسمع بالآذان، وأبصرته العينان، لا يخرجه ذلك عن كونه كلام الرحمن، فالأنامل والمداد والأقلام والأوراق مخلوقة، والمكتوب بها غير مخلوق، والألسن والأصوات مخلوقة، والمتلو بها على اختلافها غير مخلوق، والصدور مخلوقة والمحفوظ فيها غير مخلوق، والأسماع مخلوقة، والمسموع غير مخلوق... إلخ)[31].
    فخلاصة مذهب السلف أن القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المحفوظ في الصدور، المقروء بالألسنة، هو كلام الله تعالى بألفاظه ومعانيه، وأنه غير مخلوق، وأن الله تعالى تكلم به حقيقة، وأن جبريل سمعه من الله تعالى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسمعه المسلمون من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بلغه بعضهم إلى بعض، وليس لأحد من الوسائط فيه إلا التبليغ بأفعاله وصوته، فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ، ولا يجوز إطلاق القول بأن القرآن المُثبَت في المصاحف عبارة عن كلام الله أو حكاية عنه، بل إذا قرأه الناس بألسنتهم، أو كتبوه في المصاحف بأيديهم، أو حفظوه في صدورهم، لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا[32].
    8) من قال القرآن أو شيء من القرآن مخلوق، فهو كافر كفرًا أكبر يخرجه من الإسلام بالكلية:
    عن عمرو بن دينار رحمه الله قال: (أدركت تسعة من الصحابة يقولون: من قال القرآن مخلوق فهو كافر)[33].
    وعنالشافعي رحمه اللهقوله: (من قال القرآن مخلوق فهو كافر)[34].
    قال الإمام أحمد رحمه الله: (من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر)[35].
    قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (القرآن كلام الله من قال مخلوق فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر)[36].
    قال الحافظ الحكمي رحمه الله: (من قال القرآن أو شيء من القرآن مخلوق، فهو كافر كفرًا أكبر يخرجه من الإسلام بالكلية؛ لأن القرآن كلام الله تعالى منه بدأ وإليه يعود، وكلامه صفته، ومن قال شيء من صفات الله مخلوق، فهو كافر مرتد يعرض عليه الرجوع إلى الإسلام، فإن رجع وإلا قُتل كفرًا ليس له شيء من أحكام المسلمين)[37].
    وقال العلامة ابن باز رحمه الله ردًّا على سؤال عن حكم من يؤمن بخلق القرآن، فقال رحمه الله: ((كل طائفة أو شخص يقول: إن القرآن مخلوق، فهذا معناه أنه ليس كلام الله، بل هو كلام المخلوق الذي تكلم به! والله صرَّح بأنه كلامه سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، وقال سبحانه: ..﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 15].
    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس: (ألا رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي)، يطوف عليهم في مكة قبل الهجرة، فيقول لهم يطلب منهم أن يجيروه وأن يؤوه حتى يبلغ كلام الله.
    المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم صرَّحوا بأن القرآن كلام الله، والقرآن دلَّ على أنه كلام الله، فمن زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أنه ليس كلام الله، فيكون كافرًا بذلك مكذبًا لله ورسوله ولإجماع المسلمين)[38].
    9) الواقفة شر من الجهمية.
    الواقفة: هم الذين يقولون: (لا نقول القرآن كلام الله، ولا نقول مخلوق).
    قال الإمام أحمد رحمه الله عن الواقفة: (من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي، ومن كان لا يحسنه، بل كان جاهلًا جهلًا بسيطًا، فهو تقام عليه الحجة بالبيان والبرهان، فإن تاب وآمن بأنه كلام الله تعالى غير مخلوق، وإلا فهو شر من الجهمية)[39].
    10) من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي:
    قال أحمد بن حنبل رحمه الله: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع لا يكلم، قال الخلال: وأخبرنا أبو داود السجستاني قال: سمعت أبا عبدالله يتكلم في "اللفظية"، وينكر عليهم كلامهم، وسمعت إسحاق بن راهويه ذكر "اللفظية"، وبدعهم[40].
    وقال الحافظ الحكمي رحمه الله في حكم من قال لفظي بالقرآن مخلوق: (هذه العبارة لا يجوز إطلاقها نفيًا ولا إثباتًا؛ لأن اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد، وبين الملفوظ به الذي هو القرآن، فإذا أطلق القول بخلقه شمل المعنى الثاني، ورجع إلى قول الجهمية، وإذا قيل: غير مخلوق شمِل المعنى الأول الذي هو فعل العبد، وهذا من بدع الاتحادية، ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله تعالى: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع[41].
    وقسم شيخ الإسلام هذه المسألة إلى قسمين:
    1- إن أراد اللفظ الذي يلفظ به العبد فهو مخلوق، ولا بأس بذلك.
    2- إن أراد به الملفوظ فهذا كلام الله وهو ليس مخلوقًا.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ
    [1] هو الفصل الثاني من شرح حائية ابن أبي داود بعد الفصل الأول (وجوب التمسك بالكتاب والسنة وترك البدعة) المنشور بالموقع.
    [2] رواه أبو داود (4734)، والترمذي (2925)، وابن ماجه (201) وصححه الألباني ((السلسلة الصحيحة)) (1947).
    [3]رواه البخاري (6539)، ومسلم (1016).
    [4] رواه البخاري (6424).
    [5] رواه البخاري (7485)، مسلم (2637).
    [6] رواه مسلم (٧٢).
    [7] رواه البخاري (4741).
    [8] صححه الألبانيُّ في تخريج ((كتاب السنة)) (514).
    [9] رواه مسلم (1363).
    [10]، رواه الترمذي (2910)، وصححه الألبانيُّ في ((صحيح الترمذي)).
    [11] رواه البخاري (3047)، ومسلم (819).
    [12] رواه البخاري (2287) ومسلم (818).
    [13] رواه البخاري (3209).
    [14] رواه مسلم (2708).
    [15] ((مجموع فتاوى ورسائل محمد العثيمين المجلد [5] ص [38])).
    [16] ((شرح البخاري لابن بطال [10/ 508])).
    [17] ((مجموع الفتاوى [6/ 531])).
    [18] ((شرح السنة)) (90).
    [19] ((مجموع الفتاوى)) (12/304).
    [20] ((مجموع الفتاوى)) (12/368).
    [21] ((مجموع الفتاوى)) (12/56).
    [22] (شرح الأربعين النووية).
    [23] ((التسعينية لابن تيمية [134])).
    [24] ((تنبيه ابن سمحان في حاشية لوامع الأنوار للسفاريني [1/31])).
    [25] ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة [2/ 245])).
    [26] ((مجموع فتاوى)) (12/232).
    [27] انظر: ((لوامع الأنوار)) للسفاريني [23].
    [28] انظر: ((معارج القبول بشرح سلم الوصول))؛ لحافظ بن أحمد الحكمي [1/393].
    [29] ((مجموع فتاوى ورسائل محمد العثيمين المجلد ]1] السؤال [120-121])).
    [30] ((التسعينية لابن تيمية [542])).
    [31] ((أعلام السنة المنشورة للحكمي، السؤال [83])).
    [32] ((القرآن العربي المثبت بين دفتي المصحف كلام الله تعالى منزل غير مخلوق كيفما تصرف [4])).
    [33] اللالكائي(2/231)، وعبدالرزاق في المصنف (8/472).
    [34] ((الإبانة الكبرى)) (6/ 51-52).
    [35] رواه عبدالله في ((السنة)) (1/102-103).
    [36] واه البخاري في ((خلق أفعال العباد)) (ص37)، وعبدالله في ((السنة)) (1/112).
    [37] ((أعلام السنة المنشورة للحكمي، السؤال [83])).
    [38] فتاوى نور على الدرب المجلد الأول، كتاب العقيدة، باب ما جاء في الأسماء والصفات، حكم من قال: إن القرآن مخلوق.
    [39] ((السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد [1/ 179])).
    [40] ((مجموع الفتاوى [12/ 325])).
    [41] ((أعلام السنة المنشورة للحكمي، السؤال [86])).

    رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131318/#ixzz5ZZF5Oqxz
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,554

    افتراضي رد: عقيدة السلف في القرآن وأنه غير مخلوق

    في تهذيب الكمال للمزي رحمه الله:

    "وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه بالسوط على أن يقول القرآن مخلوق ، فاتق الله ولا تجبه ، إن سألك فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت.".

    هكذا تكون تربية البنات
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: عقيدة السلف في القرآن وأنه غير مخلوق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    في تهذيب الكمال للمزي رحمه الله:

    "وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه بالسوط على أن يقول القرآن مخلوق ، فاتق الله ولا تجبه ، إن سألك فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت.".

    هكذا تكون تربية البنات
    بنات يفضلن أكثر رجال هذه الأيام.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •