أهدافك بعد الستين



هدى محمد نبيه





التقاعد من العمل الوظيفي الرسمي، سواء أكان وفق رغبة الشخص، أو بقوة النظام كما هو معروف، هو انفكاك من الارتباطات الرسمية، ومن مسئولياتها وعلاقاتها التي تجعل المرء مقيدا في حركته ودخوله وخروجه، ونومه وأكله وشربه، بل وحتى في تفكيره ومشاعره وآماله وطموحاته، ونظرته لمن حوله، ونظرته للمستقبل، والناس في مرحلة ما بعد التقاعد أصناف:

* من خطط لحياته بعد بلوغه سن التقاعد.

* من عاش حياته بلا هدف في شبابه وسيكمل باقي حياته بنفس النمط.

* من يفاجأ بهذه المرحلة، ويجد نفسه كمن ألقي به في اليم وهو مكتوف اليدين معصب العينيين، ليس لديه خبرة في السباحة أو الغوص.

والصورة الثالثة هي الأكثر شيوعا بين الناس، ويصاب أصحابها بالأمراض والمشكلات النفسية والاجتماعية و المادية، أما الصورة الأولى فهي تحمل بين ثناياها إشراقات عديدة ، وتحمل أصحابها إلى آفاق جديدة، وانطلاقات جميلة في الحياة، أي أن التقاعد بالنسبة لهم بداية حياة، لا نهاية حياة ، وولادة لإنسان جديد، فهذه المرحلة مناسبة لاستكمال أهداف وأحلام تم تناسيها بسبب العمل والانشغال بهموم الحياة، أو حتى بداية أهداف وأحلام جديدة بعد أن يكون الإنسان عرف نفسه وطاقاته وقدراته بشكل أفضل ليضعها في المساحة المكملة لما بدأ.

فيجب أن نترك الميراث الاجتماعي الخاص بأن مرحلة التقاعد هي نهاية العمر وأنها فترة الاستراحة وفترة الاستمتاع بالنتائج أو التأهب لمواجهة الأمراض المتتالية، فهذا في حد ذاته يحمل الإنسان بألم نفسي شديد ويحطم معنوياته ويقتل أي جهد أو فكر في تلك المرحلة، ولو راجعنا تاريخ المبدعين في مساحات مختلفة في حياتنا لوجدنا أن معظمهم تألق وتبلورت أفكاره في الأربعينيات وما بعدها.

فالحياة تكون بلا قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئا نناضل من أجله، فقيمة الحياة ليست لذاتها، بل لما تعاش من أجله، والناجحون هم أولئك الذين يملكون سببا يعيشون من أجله، وهدفا يسعون إلى تحقيقه، ومهمة يريدون إنجازها، ويا حبذا لو تكون تلك المهمة إنسانية ينتفع منها الجميع، لا مسألة شخصية لا تنفع إلا صاحبها.

فعليك أن تصنع لحياتك بعد الستين أهداف كما كنت تصنعها وأنت في شبابك، وبمجرد أن تقوم بتحديدها سترى أنها تبدأ تواليا بالتحقق مهما كانت العقبات التي ستواجهها، فخبرتك في الحياة ستجعل منك أكثر قدرة على تجاوز تلك العقبات وتحقيق النجاح، وأيا ما كانت أهدافك سواء أكانت اجتماعية أو علمية أو عملية ستشعرك بطعم جديد وروح جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل كلما تجاوزت عقبة من العقبات وحققت هدف من الأهداف.

ولكن هناك بعض من الأهداف الأساسية والتي لابد أن تكون في حياة اى إنسان تجاوز الستين ومن هذه الأهداف:

1 - إعادة ترتيب وتنظيم وترميم حياتك الشخصية، وإعادة بناء علاقاتك مع أبنائك وأقاربك بدل من الحديث والشكوى عن تقصيرهم تجاهك .

2 – الانخراط في عمل اجتماعي له دور وهدف وعطاء، فهذه العلاقات الاجتماعية ستكون بمثابة دعم نفسي بمرور الوقت دون الاعتماد على أشخاص بعينهم حتى لو كانوا الأبناء؛ فلا يجوز أن تبنى الحياة على ما سيقدمه الآخرون أو انتظار ما قد يقدمونه في أوقات فائضة لديهم.

3 – الاهتمام بالهوايات التي تم هجرها بسبب ظروف الحياة وعدم وجود وقت فراغ.

4 - ممارسة الرياضة بشكل منتظم كجزء من حياتك اليومية وليس كأمر تتذكره بين فترة وفترة، من خلال تمارين الاسترخاء البدني والذهني بشكل منتظم ومستمر، لتسريب التراكم السلبي داخل النفس وزيادة اللياقة الوظيفية لأجهزة حيوية في الجسم كالقلب والرئتين، والدورة الدموية، بما يخلق لديك القدرة على التحكم في الجهاز العصبي وبالتالي يساعدك على التخلص من العصبية أو التراكمات النفسية.

5 - عمل مراجعة نفسية كل فترة عند حدوث أي بوادر لأعراض نفسية كلما تقدمت في العمر، خصوصا الأمراض الشهيرة و منها الاكتئاب، النسيان، العصبية، أمراض الشيخوخة النفسية.

6 – الرعاية الصحية، بالحرص على الكشف الدوري والتقليل من الدهون في الأطعمة، ومنع التدخين.

7 - التواصل أكثر مع الله سبحانه وتعالى لأننا نعلم أنه كلما تقدمنا في العمر كلما اقتربنا من لقاء الكريم الودود، و ذلك بحضور حلقات دينية وحفظ القرآن بشكل اكبر من قبل، والحفاظ على الصلوات في أوقاتها فليس للعبد حجة أمام الله بعد أن أخر أجله هذه المدة، وقد جاء في بعض الكتب: (يا أبناء الخمسين زرع قد دنى حصاده ويا أبناء الستين ماذا قدمتم؟ ويا أبناء السبعين هلموا إلى الحساب)، وأن تجعل تعاملك مع الله سبحانه ابتغاء أجره ورضاه من غير انتظار إلى ثناء الناس أو مقابلة إحسانك بالإحسان فقد تبتلى بقوم لئام تحسن إليهم ويسيئون إليك قال تعالى}: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا{ الإنسان :7-9.