قال العلامة الألباني رحمه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب رفع الأستار (ص49- 51):
((من أجل ذلك رأيت من واجبي أن أبين في التعليق مراتب تلك الأحاديث وأميز صحيحها من سقيمها وضعيفها من موضوعها ليكون القراء الكرام على هدى من أمرها راجيا أن يشاركوني في هذه العبرة وأن تكون حافزا لهم على أن يتذكروا معي حقيقة علمية منهجية هامة طالما أهمل القيام بها جماهير العلماء والكتاب قديما وحديثا ولم يقم بحقها سوى أفراد منهم قليلين جدا ألا وهي:أنه يجب على كل باحث أو كاتب في موضوع شرعي يقوم على الاستدلال بعض الأحاديث المروية عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
أن يضع تلك الأحاديث بين يديه ويجري عليها تحقيقا دقيقا لمعرفة درجتها صحة وضعفا فما كان منها صحيحا احتفظ به واعتمده
وما كان ضعيفا نظر فإن كان شديد الضعف أهمله مطلقا وتركه وإلا احتفظ به كشاهد مع التنبيه على ذلك ثم يتجه بعد هذه التصفية إلى البحث الذي هو في صدده فيحرره ويستدل له بما صح من الأحاديث ويتفقه فيهاواعلم يا أخي المسلم أن كل من لم ينهج هذا النهج العلمي الصحيح في بحثه فلن يصل إلى الصواب الذي ينشده إلا رمية من غير رام بل هو على الغالب ينتهي الأمر به إلى انحرافات خطيرة لا ينجيه من الوقوع فيها أنهم كانوا غير قاصدين لها ما دام أنهم لا يسلكوا السبيل التي تحفظهم من ذلك وقد قيل:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
ولعله مما لا خفاء به أن من لم ينهج هذا النهج العلمي وأهمله فإنه معرض لأن يؤاخذه ربه لأنه قضى ما لا علم له به وقد قال تعالى في كتابه: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في حديث (قاضيان في النار) : ( ... ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)
رواه أصحاب السنن وغيره وهو مخرج في (إرواء الغليل) برقم (2614)
وهذا بخلاف ما لو تبنى هذا المنهج في بحثه وضم إليه - طبعا - مما لا بد من المعرفة باللغة وأصول الفقه وغيره فهو مأجور ولو أخطأ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
(إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)
أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في (الإرواء) برقم (2598)
وأنا حين أذكر بهذا الواجب أعلم - والأسف يملأ قلبي - أنه لا يستطيع القيامة به إذا القليل جدا من العلماء المستقلين لانصراف الجماهير منهم عن دراسة أصول الحديث وتراجم رواته وتاريخهم الأمر الذي لا بد منه لكل من يريد التمكن من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بنفسه مع التوسع في تتبع طرق الحديث وشواهده من مختلف المصادر الحديثية المطبوعة منها والمخطوطة مقرونا بالصبر والأناة وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام كما يفعل بعض الناشئة اليوم))اهـ.