تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تحديد جنس الجنين [ الاختيار المسبق لجنس الجنين ]

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي تحديد جنس الجنين [ الاختيار المسبق لجنس الجنين ]

    تحديد جنس الجنين [ الاختيار المسبق لجنس الجنين ] (1-2)
    الدكتور محمد بن هائل المدحجي


    لقد ظل أمر جنس المولود المنتظر هو شغل الوالدين الشاغل عبر العصور، لاعتبارات خاصة تحكمها الطبيعة والفطرة البشرية، والاعتقادات المتوارثة المرتكزة على الاحتياجات الإنسانية، وظل السعي لاختيار جنس الجنين شغل الناس في مختلف الحضارات، وقـدموا طرقاً مختلفة زعموا أنها تـؤدي إلى المســاعدة في اختيار جنس الجنين، وقد جاء العلم الحديث وبدد كثيراً من الاعتقادات السابقة، وقدم نظريات وطرقاً لتحديد جنس الجنين حظيت بالاهتمام والدراسـة والتطبيق، ولاقت نجاحا في بعض الطرق تصل إلى (99%) وكلها لا تعدوا كونها أسباباً وجهوداً،والأمر أولا وآخراً تحت مشـيئة الله سبحانه وتعالى.

    والمسؤول عن تحديد جنس الجنين هو الأب، وليس الأم، وبيان ذلك أن كل خلية من خلايا الإنسان تتكوّن من جزء مركزي هو النواة، وتحتوي النواة على خيوط دقيقة تدعى الصبغيات (الكروموسومات)، وتحتوي كل خلية على 46 كروموسوماً في ثلاثة وعشرين زوجاً، والزوج الثالث والعشرون يتعلق بتحديد الجنس، ويكون لدى الذكر على صيغة (xy)، ولدى الأنثى على صيغة (xx)، والحيوان المنوي عبارة عن نصف خلية، وهو تارة يحمل الكروموسوم الجنسي المذكر (y)، وتارة يحمل الكروموسوم الجنسي المؤنث (x)، في حين أن بويضة الأنثى - وهي عبارة عن نصف خلية أيضاً - لا تحمل إلا الكروموسوم الجنسي المؤنث (x)، فإذا حصل التلقيح واندمج الحيوان المنوي بالبويضة فإن نوع الكروموسوم الذي يحمله الحيوان المنوي هو الذي سيحدد جنس الجنين، فإذا كان يحمل الكروموسوم الجنسي المذكر (y) فإن الجنين سيحمل زوج الكروموسومات (xy) فيكون ذكراً، وإذا كان يحمل الكروموسوم الجنسي المؤنث (x) فإن الجنين سيحمل زوج الكروموسومات (xx) فيكون أنثى.
    وقد توصل العلماء في هذا العصر إلى معرفة الفوارق بين الحيوان المنوي المذكر والحيوان المنوي المؤنث، و منها:
    1- الحيوان المنوي المذكر أخف وزناً من الحيوان المنوي المؤنث.
    2- الحيوان المنوي المذكر أصغر حجماً من الحيوان المنوي المؤنث.
    3- الحيوان المنوي المذكر أسرع حركة من الحيوان المنوي المؤنث.
    4- الحيوان المنوي المذكر يعيش لمدة قصيرة من الزمن، في حين أن الحيوان المنوي المؤنث يعيش لمدة زمنية أطول.
    5- الحيوان المنوي المذكر يناسبه الوسط القاعدي ولا يعيش طويلاً في الوسط الحامضي، بينما الحيوان المنوي المؤنث يفضل الوسط الحامضي.
    6- الحيوان المنوي المذكر يحمل شحنة موجبة، بينما الحيوان المنوي المؤنث يحمل شحنة سالبة.
    وظاهر مما تقدم أن جنس الجنين يتحدّد منذ لحظة التقاء الحيوان المنوي مع البويضة وتشكيل النطفة الأمشاج، ومصداق ذلك في السنة المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم: " ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل مني المرأة، أَذْكَرَا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل، أنَثَا بإذن الله " ( رواه مسلم).
    وهذا الحديث يتحدث عن ظاهرة غيبية، ومع تطور الوسائل والأجهزة في هذا العصر بدأ العلماء المسلمون يحاولون تقديم تفسيرات علمية لهذا الحديث، ولعل من أقربها أنه ثبت أن ماء الرجل قلوي وماء المرأة حمضي، فإذا التقى الماءان وغلب ماء المرأة ماء الرجل كان الوسط حامضياً، فتضعف حركة الحيوانات المنوية المذكرة، وتنجح الحيوانات المنوية المؤنثة في تلقيح البويضة، فيكون المولود أنثى بإذن الله، وإذا غلب ماء الرجل ماء المرأة كان الوسط قاعدياً، فتضعف حركة الحيوانات المنوية المؤنثة، وتنجح الحيوانات المنوية المذكرة في تلقيح البويضة، فيكون المولود ذكراً بإذن الله، والله تعالى أعلم.
    وهناك نظريات وطرق عديدة بيّن أصحابها وجود عوامل تؤثر في تحديد جنس الجنين إن كان ذكراً أو أنثى، والتي يمكن للمرء بتطبيقها أن يحدد جنس جنينه مستقبلاً، وهذه الطرق تعمل على تغليب الحيوان المنوي الخاص بالجنس المطلوب، وتهيئة الظروف الملائمة لإعطائه فرصة السبق إلى البويضة وتلقيحها، أو العمل على إعاقة أو استبعاد الحيوان المنوي للجنس غير المطلوب، ليتحقق التلقيح بالحيوان المنوي الخاص بالجنس المرغوب، وكل هذا له وسائله الطبيعية والصناعية، والتي يمكن أن نوضحها كما يلي :
    أولاً : تحديد جنس الجنين بالسلوكيات الطبيعية :

    أهم السلوكيات الطبيعية لتحديد جنس الجنين ما يلي:
    أ- تغيير حالة القناة التناسلية عند المرأة:
    وقد تقدم أن الوسط الحمضي أكثر مناسبة للحيوان المنوي الأنثوي، والوسط القاعدي يناسب الحيوان المنوي الذكري، وقد وجد الأطباء أن الإفرازات المهبلية عند المرأة يغلب عليها أن تكون حمضية، وذلك من حكمة الله جل وعلا لمنع الميكروبات والجراثيم من الولوج في الجهاز التناسلي للمرأة، إلا أن هذه الحموضة تؤدي إلى إعاقة الإنجاب بصفة عامة إذا زادت، وإعاقة إنجاب الذكور بصفة خاصة؛ لأن هذه الحموضة تقتل الحيوانات المنوية وخصوصا المذكر منها؛ لأنها ضعيفة جدا في مقاومة الوسط الحمضي، أما المؤنثة فلديها قدرة أكبر على المقاومة.كما وجد الأطباء أن إفرازات عنق الرحم قلوية، وهذا يساعد على مرور الخلايا المنوية الذكرية.
    وبناء على ما تقدم يمكن للمرأة الراغبة في إنجاب المولود الذكر القيام بعملية غسل للمهبل قبل الجماع بخمس عشرة دقيقة على الأقل بمحلول قلوي مثل محلول بيكربونات الصوديوم لإتاحة فرصة أكبر للحيوان المنوي المذكر في الإسراع إلى البويضة وتلقيحها.
    أما الراغبات في إنجاب الإناث فينصحن بالغسيل بمحلول الخل الأبيض أو نحو ذلك من المحاليل الحمضية للتأكد من هلاك الحيوانات المنوية المذكرة وإتاحة الفرصة للحيوانات المؤنثة لتخصيب البويضة.
    إلا أنه يجب التنويه على أن هذه المحاليل المستخدمة يجب أن تكون محضرة بدقة، ويمكن الحصول عليها من الصيدليات المختلفة، لا أن تحضر منزليا -كدش بيكربونات الصوديوم المتعارف عليها -، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على خصوبة المرأة وقدرتها على الإنجاب.
    ب- توقيت وقت الجماع:
    وتعتمد هذه الطريقة على الخصائص الفيزيائية للحيوانات المنوية التي تختلف فيها الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة، حيث إن الحيوان المنوي المذكر أسرع حركة من المؤنث، ولكنه أقل قدرة على تحمل حموضة الإفرازات، ولذلك فهو يموت بعد يوم واحد تقريبا إن لم يتمكن من تلقيح البويضة، بينما يستطيع الحيوان المنوي المؤنث أن يمكث في انتظارالبويضة أربعة أيام، لذا يُنصح الراغبون في إنجاب الذكور بأن يجامعوا زوجاتهم يوم التبويض، فهو أنسب الأوقات لإنجاب الذكور؛ حيث تكون فرصة الحيوان المنوي المذكر مواتية في الوصول إلي البويضة قبل الحيوان المؤنث، كما ينصحون بعدم تأخير الجماع إلى ما بعد اليوم الذي
    يلي يوم الإباضة؛ لأن البويضة لا تستمر صالحة للتخصيب أكثر من يومين من وقت الإباضة.
    أما راغبو إنجاب الإناث فالأنسب أن يأتوا زوجاتهم قبل الإباضة بيومين أو ثلاثة؛ ليتوافق نزول البويضة مع وصول الحيوان المنوي المؤنث إليها.
    و التبويض يحصل قبل (14) يوماً من نزول الحيض، وعليه فإن المرأة ذات الدورة المنتظمة يمكنها معرفة وقت التبويض بطرح (14) يوماً من الموعد المتوقع لنزول حيضها المعتاد، وهناك أدوات حديثة تكشف موعد التبويض بعضها يباع في الصيدليات .
    ج- اتباع نظام غذائي معين:
    فجسم الإنسان يحتوي على أربعة معادن ملحية أساسية هي: الصوديوم، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، والكالسيوم، وإن للتوازن الأيوني للصوديوم والبوتاسيوم مقابل الكالسيوم والمغنيسيوم تأثيراً حيوياً على المستقبلات التي ترتبط بها الحيوانات المنوية بجدار البويضة، مما يؤدي إلى حدوث تغييرات على مركبات الجدا، والتي بدورها تؤثر على انجذاب الحيوانات المنوية الذكرية أو الأنثوية.
    وبصورة مبسطة فإن زيادة نسبة الصوديوم والبوتاسيوم في الغذاء، وانخفاض نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم يحدث تغييرات في جدار البويضة لجذب الحيوان المنوي المذك، وزيادة نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم في الدم وانخفاض الصوديوم والبوتاسيوم يحدث تغييرات في جدار البويضة لجذب الحيوان المنوي المؤنث، ولاتباع هذه الطريقة في تحديد جنس الجنين على المرأة اتباع حمية غذائية لمدة زمنية لا تقل عن الشهرين تدعم بها المخزون الغذائي الذي يشجع الجنس المرغوب به.
    إلا أن هذه الطرق جميعها لم تثبت فاعليتها بصورة قاطعة، لكن الجمع بين عدد من هذه الطرق يرفع فرصة النجاح في الوصول للمطلوب، فمثلاً النسبة الطبيعية لإنجاب الذكور هي(51 %)لكن في حال الجمع بين الطرق الثلاث السابقة ترتفع النسبة إلى (70 %) والأمر لله من قبل ومن بعد.
    واستعمال السلوكيات الطبيعية في تحديد جنس الجنين هو استخدامٌ لأسباب سخرها الله تعالى لنا، إلا أن الأولى ترك الأمر لله، والخير كل الخير فيما يختاره الله، ولا أعلم خلافاً بين الفقهاء والباحثين المعاصرين في جواز استعمال السلوكيات الطبيعية التي من شأنها أن تساعد في تحديد جنس الجنين والتي لا تحتاج إلى تدخل طبي .
    ومن الأدلة الدالة على جواز ذلك ما يلي:
    1- أن نبي الله زكريا عليه السلام دعا ربه أن يرزقه الذكر كما في قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام : {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}(مريم 5-6 )، ومن شروط الدعاء ألا يسأل أمراً محرماً، فدل على أن الدعاء بطلب جنس معين جائ، وما جاز طلبه جاز فعله بالوسائل المشروعة كهذه الطرق في اختيار جنس الجنين.
    2- أن الأصل في الأشياء الإباحة، واختيار جنس الإنسان بالطرق الطبيعية لا يفضي إلى حرام، ولم يأت دليل بتحريمه حتى يغير حكم الأصل من الحلال إلى الحرام.
    3- أن ما يفعله الزوجان لاختيار جنس الجنين محاولات لمصلحتهما، ولما يقدِرَان عليه بغالب ظنهما، فهو من باب الأخذ بالأسباب، فلا مانع من هذا شرعاً.
    على أنه يجب التنبه إلى أنه إذا جاز للمسلم أن يتمنى البنين، فلا يجوز له أن يكره الإناث؛ لأنه يصبح بذلك متخلقاً بأخلاق أهل الجاهلية الذين قال الله تعالى عنهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(النحل 58-59) هذا وقد صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي بشأن اختيار جنس الجنين ونصه:
    "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
    فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من (22-27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3ـ8/نوفمبر/2007م) قد نظر في موضوع: (اختيار جنس الجنين)، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة.
    فإن المجمع يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره، والرضا بما يرزقه الله من ولد، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية من عدم التسليم والرضا بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(النحل 58-59) ، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
    أولاً: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
    ثانياً: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين إلا في حال الضرورة العلاجية، في الأمراض الوراثية التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي، حتى لا يصاب بالمرض الوراثي، ومن ثم يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
    ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية، التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية، لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار، وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تحديد جنس الجنين [ الاختيار المسبق لجنس الجنين ]

    تحديد جنس الجنين [ الاختيار المسبق لجنس الجنين ] (2-2)
    الدكتور محمد بن هائل المدحجي



    ثانيا : اختيار جنس الجنين بالتقنيات الصناعية :

    تطرق قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي- الذي سبق ذكره في الحلقة الماضية- لحكم اختيار جنس الجنين عن طريق التدخل الطبي، وهو ما يعبر عنه باختيار جنس الجنين بالتقنيات الصناعية، واختيار جنس الجنين بالتقنيات الصناعية له صور متعددة ، نتحدث عنها فيما يلي :
    أ- وسائل تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية قبل الإخصاب:لاختيار جنس الجنين قبل الإخصاب يتم أخذ السائل المنوي من الزوج، ويوضع في أنابيب خاصة، وبواسطة الوسائل الطبية الحديثة يمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن الحيوانات المنوية المؤنثة، وتوجد طرق متعددة لذلك، غير أن أكثرها استعمالاً هي التي تعتمد على الاختلاف في سرعة الحيوان المنوي المذكر عن المؤنث باستخدام الطرد المركزي، حيث تحفظ الحيوانات المنوية في أنابيب تحتوي على مواد كيمائية تزيد من سرعتها، فبينما يتجه الحيوان المنوي المذكر إلى أعلى الأنابيب بسرعة، يبقى الحيوان المنوي المؤنث في منتصف الأنابيب أو أسفلها، ثم بعد ذلك تؤخذ الحيوانات المنوية المرادة للتلقيح، إلا أن هذه الطريقة لا تقوم بعمل فصل تام وناجح (100 %) أي أن احتمالية تواجد الحيوانات المنوية للجنس غير المرغوب فيه واردة، ولدعم فرص النجاح بهذه الطريقة يجب الأخذ بعين الاعتبار الحمية الغذائية والتوقيت الزمني بالاعتماد على موعد الإباضة لدى المرأة لإجراء التلقيح الصناعي الداخلي في الوقت المناسب, وهذه الخطوات مجتمعة استطاعت أن ترفع فرص نجاح الغربلة و التلقيح الصناعي الداخلي إلى (80%).
    وقد انكب العلماء على البحث عن وسيلة تكون أكثر دقة و نتائج نجاحها عالية، فتوصلوا إلى طريقة فصل الحيوانات المنوية بالاعتماد على محتويات المادة الوراثية (dna)، وترتكز طريقة الفصل هذه على أن الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الأنثوي يحتوي على المادة الوراثية (dna) أكثر من الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الذكري بما يقارب (2.8 %) وهذا الاختلاف يمكن قياسه، وبالتالي يمكن فصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية بأدوات معقدة ودقيقة، وطريقة الفصل هذه استطاعت أن تجهز عينة غنية بالحيوانات المنوية الذكرية بنسبة( 73 %) وعينة غنية بحيوانات منوية أنثوية بنسبة (88%) وبنسب نجاح تصل الى (90 % ) إذا حصل الحمل.
    وبعد الفصل يتم استخدام العينة المجهزة من الحيوانات المنوية في تلقيح البويضة بإحدى طريقتين:
    الطريقة الأولى: أن يكون التلقيح داخل الجسد، وحينئذ توضع الحيوانات المنوية في محقن, ثم تحقن في الرحم.
    الطريقة الثانية: أن يكون التلقيح خارج الجسد، وحينئذ تلقح البويضة بهذه الحيوانات في أنبوب اختبار، فإذا حدث التلقيح، وانقسمت اللقيحة عدة انقسامات، نقلت إلى رحم الزوجة حتى تنمو النمو الطبيعي.
    ب- وسائل تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية بعد الإخصاب: لاختيار جنس الجنين بعد الإخصاب يتم استعمال تقنية التشخيص الوراثي قبل العلوق التي تستعمل في الأصل لمعرفة إصابة اللقيحة بالأمراض الوراثية، وذلك باستخدام طريقة التلقيح خارج الجسد, حيث يقوم المعالج بتلقيح بويضات الزوجة بمني الزوج في أنبوب الاختبا، فإذا حدث التلقيح تبدأ اللقيحة في الانقسام، فإذا وصلت لمرحلة ثمان خلايا، تؤخذ منها واحدة لفحص المورثات، وذلك لمعرفة ما إذا كانت اللقيحة ذكراً أو أنثى، وفي حالة كون اللقيحة من الجنس المطلوب تنقل إلى الرحم، وإلا فلا.
    وهذه الطريقة تعتبر الطريقة الأكثر انتشارا والأكثر ضماناً - إذا حصل الحمل - حيث تصل نسب نجاحها إلى (99 %).
    ج- وسائل تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية بعد الحمل: ظهرت مؤخراً بعض النظريات التي تزعم إمكانية تغيير جنس الجنين في أطوار الحمل الأولى، وذلك إما عن طريق الحقن بالهرمونات، أو عن طريق التحكم في جين أو عامل وراثي يعمل على إحداث تفاعلات حيوية تؤدي إلى تحويل مبايض الأجنة الإناث خلال الأسابيع الثمانية الأولى إلى خصيات ذكرية.
    ولم يتم تجربة هذه التقنية على الإنسان بعد، لكن تمت تجربتها على الفئران، وقد ثبت نجاحها من حيث المظهر الخارجي، لكن وجد أن المظهر الخارجي لا يتفق مع التكوين الداخلي، فيكون ذكراً لا يلد ويتعامل كأنه أنثى، هذا فضلاً عن مخاطر التشوه المحتملة.
    حكم تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية:
    يمكن بيان حكم تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية من خلال النقاط التالية:
    أولاً: اتفق الفقهاء والباحثون الذين تكلموا في مسألة اختيار جنس الجنين على تحريم التحكم في جنس الجنين إذا كان على مستوى الأمة؛ وذلك لأنه محاولة للإخلال بالنواميس الكونية، والله جل وعلا نهى عن ذلك فقال: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ*أَل َا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } (سورة الرحمن الآية 7-8) ، وقال سبحانه: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }(الأعراف56، 85) ، وقد جاء في توصيات ندوة (الإنجاب في ضوء الإسلام) التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في 11 شعبان 1403 هـ الموافق 24 مايو 1983 م بدولة الكويت: " اتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة ".
    ثانياً: تغيير جنس الجنين في أطوار الحمل الأولى - على فرض إمكانية تطبيقه على أجنة الإنسان - عن طريق الحقن بالهرمونات، أو عن طريق التحكم في جين أو عامل وراثي يعمل على إحداث تفاعلات حيوية تؤدي إلى تحويل مبايض الأجنة الإناث خلال الأسابيع الثمانية الأولى إلى خصيات ذكرية تقدم أنها تقنية لم تستطع تحويل الأنثى إلى ذكر، وإنما جعلت الأنثى بمظهر الذكر، وعلى ذلك لا شك في حرمة هذه الطريقة لما تمثله من تغيير لخلق الله تعالى، قال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً* لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً* وَلأُضِلَّنَّهُ مْ وَلأُمَنِّيَنَّ هُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} سورة النساء، الآيات (117-119).
    ثالثاً: تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية التي تحتاج إلى تدخل طبي - كالتي تتم بتقنية التلقيح الصناعي الداخلي أو الخارجي - سواء قبل الإخصاب أو بعده إذا كان على مستوى الأفراد اختلف فيه الفقهاء المعاصرون.
    فذهب البعض إلى جواز تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية، قياساً على جـواز اختيار جنس الجنين بالسلوكيات الطبيعية، فكما يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق التي تكـون قبل الجماع في الإنجاب الطبيعي، فكذلك يجوز السعي إلى تحقيق ذلك بهذه الوسائل الطبية الحديثة.
    لكن يناقش ما ذكروه : بأن قياس جواز اختيار جنس الجنين بهذه الطريقة على الوسائل الطبيعية قياس مع الفارق، وذلك من وجهين:
    الوجه الأول: أن اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية لا شبهة فيه، لأنه يجري بين الزوجين، وهذا بخلاف الطرق الصناعية التي يتطلب تدخل الأطباء، وبقاء النطف في المختبر مدة من الزمن مما يجعلها عرضة للاختلاط بغيرها.
    الوجه الثاني: أن اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية ليس فيه كشف للعورة المغلظة أمام من لا يحل له النظر إليها، وهذا بخلاف الطرق الصناعية.
    والصحيح أنه يحرم تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية، وإليه ذهب المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي ، حيث جاء في نص القرار «لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية". اهـ
    والأدلة على تحريم جنس الجنين بالتقنيات الصناعية ما يلي :
    1- إن التدخل الطبي لاختيار جنس الجنين قد يكون ذريعة لاختلاط الأنساب, وذلك باختلاط الحيوانات المنوية والبويضات بعد أخذها من الزوجين بغيرها في المختب، إما على سبيل الخطأ أو العمد، فيؤدي ذلك إلى نقل لقيحة أجنبية إلى رحم الزوجة، وسداً لهذه المفسدة يحكم بتحريم التدخل الطبي لاختيار جنس الجنين. والتلقيح الصناعي من حيث الأصل محرم لهذه العلة، وإنما أجازه من أجازه من أجل الحاجة، ولا حاجة لمجرد اختيار جنس الجنين، فيكون محرماً.
    2- إن التدخل الطبي لاختيار جنس الجنين يستلزم كشف عورة المرأة المغلظة أمام الطبيب الأجنبي لاستخراج البويضات منها، وكذلك عند إرجاعها إلى رحمها بعد تلقيحها بماء الزوج، وهذا أمر محرم، لا يباح إلا للضرورات الطارئة، واختيار جنس الجنين لا يعد من الضرورات التي تستباح له المحظورات، كما أنه ليس حاجة تنزل منزلة الضرورة.
    لكن هذا الحكم حيث كان التدخل الطبي بغرض اختيار جنس الجنين فحسب؛ وذلك لأن فيه وقوعاً في المحظور من غير حاجة أو ضرورة، أما إذا كان التدخل الطبي بغرض تحقيق الإنجاب بالتلقيح الصناعي - سواء الداخلي أو الخارجي - وجاء اختيار جنس الجنين بالتبع فإن هذا لا يكون محرماً؛ وذلك لأن المحظورات التي من أجلها كان التحريم أبيحت لحاجة تحقيق الإنجاب، فلم يعد ثمة محظور ليقال بموجبه في التحريم، فصار اختيار جنس الجنين في هذه الحالة جائزاً شرعاً، والقاعدة الشرعية أنه " يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً " بمعنى أنه إذا تحققت شروط جواز إجراء التلقيح الصناعي للزوجين، وقررا إجراء التلقيح الصناعي، فلا حرج عليهما في اختيارهما لجنس الجنين عن طريق فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن الحيوانات المنوية المؤنثة قبل التلقيح، أو بفحص اللقيحة قبل نقلها إلى الرحم، والله تعالى أعلم .
    وما تقدم من تحريم اختيار جنس الجنين بالطرق الصناعية إنما هو في حالة اختيار جنس الجنين لمجرد الرغبة في جنس محدد، لكن الحكم يختلف إذا كان هناك ضرورة طبية تقتضي تحديد جنس الجنين لتفادي المخاطر المرتبطة بجنس معين، وهذا ما يمكن أن نوضحه فيما يلي :
    من الثابت علمياً أن الأمراض الوراثية تختلف في طريقة انتقالها، ومنها ما ينتقل عن طريق الكروموسوم الجنسي، وتتميز الأمراض الوراثية التي تنتقل عن طريق كروموسوم تحديد الجنس بأنها تصيب جنساً دون آخر، وتسمى الأمراض المرتبطة بالجنس، فمثلاً هناك المئات من الأمراض الوراثية التى تصيب الذكور ولا تصيب الإناث مثل: مرض سيولة الدم (هيموفيليا)، وبعض أمراض الجهاز العصبي، ومرض ضمور العضلات الوراثي، وحالات ضمور المخ، ولتجنب إصابة الذرية بهذه الأمراض - ولاسيما أن بعضها خطير - يلجأ إلى اختيار جنس الجنين، وذلك بألا يستخدم في التلقيح إلا الحيوانات المنوية المذكرة إذا كان المرض الوراثي يصاب به الإناث دون الذكور، أو الحيوانات المنوية المؤنثة إذا كان المرض الوراثي يصاب به الذكور دون الإناث.
    واختيار جنس الجنين لتفادي المخاطر والأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين جائز شرعاً؛ وذلك لما يلي:
    1- أن هذه العملية تجرى بين الزوجين، ومن ثم فإنها لا تختلف عن التلقيح الصناعي الخارجي الذي ذهب أكثر الباحثين إلى جوازه إلا في الغرض منه, إذ الغرض من الأول تحقيق حاجة الزوجين إلى الإنجاب، والغرض من الثاني تحقيق سلامة الذرية من الأمراض الوراثية، وهذا الفارق لا يعد مؤثراً من الناحية الشرعية؛ لأن كلاً منهما يعد حاجة معتبرة شرعاً، وحينئذ يكون جائزاً.
    2- أن من قواعد الشريعة الكلية قاعدة: " المشقة تجلب التيسير" وإصابة المولود بمرض مزمن يؤدي إلى تعطل أحوال الأسرة، ومعاناة الزوجين، وإدخال الآم عليه وعلى أهله، وتحمل نفقات العلاج الباهظة، وغير ذلك، وهذه المشقة التي تدخل على الزوجين بسبب إنجاب مولود مشوه أو مصاب بمرض وراثي تصير سبباً للتخفيف عنهما بجواز اختيار جنس الجنين بهذه الطريقة.
    3- أن الشريعة راعت جلب المصالح، ودرء المفاسد، وفي اختيار جنس الجنين بهذه الطريقة ما يحقق هذا الأصل، حيث إن في إنجاب الذرية السليمة من الأمراض الوراثية ما يكون قرة عين للوالدين، وعوناً لهما على المصالح الدنيوية، وكذلك يدرأ عنهما المفاسد الناشئة عن وضع الجنين إذا ولد، بالإضافة إلى قيام المولود بالمصالح الدينية والدنيوية المتعلقة به, فيجوز اختيار جنس الجنين تحقيقاً لهذا الأصل.
    وجواز اختيار جنس الجنين لتفادي المخاطر والأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين مشروط بالشروط التالية:
    1- الأمن من اختلاط الأنساب: وذلك بضمان عدم اختلاط النطف واللقائح الخاصة بالزوجين بغيرها، ومن ثم ينبغي توخي الحذر فيما يتعلق بهذه العملية، فلا تجرى في أي مركز طبي، وإنما عند ذوي العدالة من الأطباء ومساعديهم، وضمن إجراءات مشددة، كل ذلك حرصاً على سلامة أنساب الناس، إذ حفظ النسب يعد من مقاصد الشريعة التي بلغت مرتبة الضروريات، وجاء الشرع بالمحافظة عليها، وتحريم كل ما يناقضها.

    2- أن يكون المرض الوراثي خطيراً: فلا يسارع إلى اختيار جنس الجنين لأي عيب وراثي يمكن مداواته, والتخفيف من آثاره.
    3- أن يقرر أهل الاختصاص والمعرفة أن اختيار جنس الجنين هو الوسيلة الوحيدة لتجنب إصابة الذرية بالأمراض الوراثية.
    وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الذي سبقت الإشارة إليه : " لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية التي تصيب الذكور دون الإناث أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي، حتى لا يصاب بالمرض الوراثي، ومن ثم يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك".
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •