كيف نغرس حب الفصحى في قلوب أبنائنا؟سالم بن عميران
اللغة العربية هي الركن الأساس في بناء الأمة؛ حيث ارتبطت هذه اللغة بالإسلام والعروبة ارتباطا وثيقا، في كل أدوار تاريخها الطويل، ونمت في أبنائها روح المواطنة الصالحة وما تنطوي عليه من حب الوطن والتضحية من أجله (1).
إن إحياء اللغة الفصحى والاعتزاز بها دليل على عمق الفكر، وبعد النظر، ومعرفة حكمة التاريخ، ورفض الاستعباد والذل، تأمل إلى ما يسمى اليوم بإسرائيل، مجتمع متعدد الأعراق والأصول والألسنة، ولكنهم يحيون لغة ميتة من قبرها (اللغة العبرية)، ويستعملونها في كل عمل من أعمال الحياة، باعتبارها لغة الهوية؛ وهذا يدل على الاعتزاز بالنفس، والدفاع عن الشخصية التي يرغب في تكوينها الصهاينة في أبنائهم (2).
وفي الآونة الأخيرة، وبعد ظهور المنجزات العلمية الحديثة، وما أنتجته من وسائل تواصل اجتماعي عبر الهواتف الجوالة، وظهور ما يسمى بالعولمة؛ ابتعد كثير من أبناء العربية -جيل الشباب خاصة- عن لغتهم العربية الفصحى؛ فصاروا يتواصلون مع بعضهم بلغة «الأرابيش» (3)، حيث طمست هذه اللغة معالم الحروف العربية، فحلت الأرقام والألفاظ الأجنبية محل الكلمات العربية، واختلطت فيها اللهجة العامية بالفصحى، والعربية بالإنجليزية.
وقد كانت العرب تستقبح الخطأ في بعض قواعد الإعراب؛ كرفع المنصوب ونصب المجرور، وهو ما يسمى باللحن، فكيف بطمس أسس وقواعد قامت عليها اللغة العربية الفصحى؟!
فهذا عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" مر بقوم يرمون نبلا، فعاب عليهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين، فقال: لحنكم أشد علي من سوء رميكم! سمعت رسول الله " صلى الله عليه وسلم" يقول: «رحم الله امرأ أصلح من لسانه»، وكان ابن عمر يضرب بنيه على اللحن، ولا يضربهم على الخطأ. قال العتبي عن أبيه: استأذن رجل من جند الشام -له فيهم قَدْر- على عبدالملك بن مروان، وهو يلعب بالشطرنج، فقال: يا غلام، غطها، هذا شيخ له جلاله، ثم أذن له، فلما كلمه وجده يلحن، فقال: يا غلام، اكشفها، فليس للاحن حرمة. وهذا يدل على أن اللحن تستقبحه العرب في جميع الأحوال، من كل ذكر أو أنثى (4)، فكيف لو رأوا ما يكتب وما يقال في هذا العصر!
إن تكوين الملكة اللغوية، وصيانة اللسان عن الوقوع في الخطأ، هو الهدف الأسمى الذي نسعى إلى تحقيقه لأبنائنا، ولا يتحقق هذا الهدف إلا من خلال قراءة النصوص الأدبية الفصيحة؛ شعرا ونثرا، مع حفظ الكثير منها، فتتكون الملكة القادرة على محاكاة هذه النصوص، وتقوى قيمة الفصحى لديهم، وقد بين العلامة ابن خلدون هذا المنهج في مقدمته، حيث يقول: «إن حصول ملكة اللسن العربي إنما هو بكثرة المحفظ من كلام العرب، حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسج هو عليه، ويتنزل بذلك منزلة من نشأ معهم وخالط عباراتهم في كلامهم حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد، على نحو كلامهم» (5).
ومن الوسائل التي تعزز من قيمة الفصحى في قلوب أبنائنا تدريبهم على فنون الكلام، بما في ذلك الخطابة، والقراءة الجهرية، وفن إعداد الكلمة، والمناظرات، ولقاء الجماهير، وقد كاد أرباب الأفكار والحصافة يجمعون على أن اللغات الحية لا تعلم كاللغات الميتة، بل إنه لابد في الأولى من المران على التكلم بها من أول وهلة (6)، فيكتشف الطالب جمال اللغة الفصحى، ويجعلها واقعا ملموسا في حياته اليومية.
فعلى المربين غرس حب الفصحى في نفوس أبنائهم، وتنمية شعورهم بالاعتزاز بها، وتمكينهم من استعمال اللغة العربية الفصحى استعمالا صحيحا في التعبير عن مطالبهم الحياتية والفكرية، لينالوا محبة ربهم ورسولهم " صلى الله عليه وسلم" «فمن أحب العربية أحب محمدا، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية، ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها» (7).
الهوامش
1- ينظر: علي النعيمي، الشامل في تدريس اللغة العربية، الأردن ،عمان، دار أسامة، ط1، 2004م ص13-14.
2- انظر: د. المهدي بن عبود، «ارتسامات حول اللغة العربية وفعاليتها في الحقل العلمي»، مجلة دعوة الحق، الرباط، العدد (3) 1965م، ص 36.
3- وهي كلمة مشتقة من لفظين (Arab وEnglish) وتدمج فيها كلمات من اللغتين العربية والإنجليزية لتكوين كلمات جديدة. ينظر: أسماء الغابري، «سطوة مواقع التواصل الاجتماعي تنعكس على لغة الطلاب خلال الاختبارات» جريدة الشرق الأوسط، العدد 12605، الأحد 23 رجـب 1434 هـ 2 يونيو 2013م.
4- ينظر: تقي الدين المصري، اتفاق المباني وافتراق المعاني، تحقيق: يحيى عبدالرؤوف جبر، دار عمار، عمان، الطبعة الأولى، 1985، ج1، ص 137-138.
5- ابن خلدون، المقدمة، ج 1، ص 641.
6- انظر: مجلة المنار، ج 22 ص 878.
7- أبومنصور الثعالبي، فقه اللغة، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ذو الحجة 1318، ص2.