يوم الجمعة
يوم الاجتماع والرحمة
خطبة الجمعة من شعائر الإسلام الكبرى التي تناسب معانيها وتوجيهاتها إلى نفوس المسلمين في لحظات انعطاف إلى الله تعالى، واستعداد لتقبل أحكامه.. ومن ثم كان موضوعها جليل الأثر كبير الخطر.
إنها الزاد الأسبوعي الذي يمد المسلم بما يضئ له معالم الطريق فيسير في هديه، ويستمد منه طاقة روحية تروي ظمأه، وتشفي غلته، وتسمو بعقله وتزكي نفسه.
ومن هنا فإن الاهتمام بخطبة الجمعة، والاحتفال بشأنها أمر بالغ الأهمية لما تقوم به من دور كبير في تثقيف الأمة، وترشيد نهضتها، ودعم كيانها المادي والأدبي، ووصل غدها المأمول بماضيها المجيد.
إن الأمة الإسلامية هي ثمرة المسجد ووليدته منذ كانت، فقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يربي جيلا من الصحابة حملوا الرسالة إلى الآفاق، وأقاموا الدين والدولة جميعا، فكان للمنبر النبوي أعظم الأثر في التربية والتوجيه، ولذا فإن الطريق إلى إصلاح حال أمتنا يكون بالدراسة العلمية لخصائص هذا المنبر الشريف، واستهداء نهجه الأقوم، والسير الحثيث على خطاه.
إن المنبر ليفقد فاعليته حين يصاب بالجمود فيختلف عن عصره، ويضمحل تأثيره، ويفقد مكانته في التوجيه، وهذا يشير إلى أهمية خطبة الجمعة، وأثرها الفعال في المجتمع، وهو تقدير لخطرها يلقي تبعة ثقيلة على الأئمة والخطباء، ليأخذوا الأمر بقوة.
إن الناشئة المسلمين في ميعة الصبا حين يدخلون المسجد يتلقفون أنوار الهدى وسديد التوجيه من عالم المسجد لأول عهدهم بالحياة، إذا المسجد مفتوح لكل من رام هدي، ومن غير هذا الرائد لهؤلاء إذا حرم المجتمع منه؟
وكذلك هذه الألوف من العامة الذين ليس لديهم من فرصة لمعرفة أمور دينهم ودنياهم، ومقاومة أعباء الحياة بزاد من الخلق الفاضل، وتقوى الله في معايشة الناس إلا المسجد، فمدرسة الألوف ومعهدهم المسجد، وأستاذهم الأول هو إمام المسجد، ومن هنا كان الارتباط الوثيق بين الأمة الإسلامية وبين دينها، لأن القدوة تعمل فيهم عمل آلاف الكتب في أوساط المثقفين.
إن المسجد مدرسة الأمة الإسلامية جميعا؟، تتلقي فيه المعرفة الدينية وتتعلم فيه فضائل النفس، يستوي في ذلك المثقف والعامي، ولكننا نقرر مع ذلك أن المسجد هو الفرصة السانحة التي تقدم قدرا مشتركا من المعرفة الدينية للذين لم تتح لهم فرصة التعليم، وفي الوطن الإسلامي مع الأسف ملايين كثيرة لم تتلق من التعليم شيئا.. فمن لهؤلاء إلا علماء الدين من أئمة المسجد وخطبائه أساتذة وهداة ومربين.. يعلمونهم ويهدونهم ويرشدونهم، ويكونون لهم الأسوة الحسنة؟
وبهذه المثابة فإن المسجد هو ضمير الأمة الإسلامية والقوام على أخلاقها وتقاليدها، وهو الوسيلة الأمينة إلى التربية الإسلامية الصحيحة اللازمة لتكوين أجيال قوية أمينة، وبخاصة في ظل ظروف العصر وتعدد مراكز التوجيه المرئية والمسموعة والمقروءة وغيرها، وسبيل ذلك خطبة الجمعة في المقام الأول ثم الدروس التي يحضرها الحريصون على العلم والاستزادة منه في المقام الثاني، ولكن الجم الغفير من المسلمين لا يدخلون بيوت الله إلا يوم الجمعة، للإنصات إلى الخطبة، وأداء الصلاة.. ومن هنا كان التركيز على هذه الخطبة بوصفها كلمة المسجد الأسبوعية لجماهير المسلمين، وإن استثمارها في التوجيه المسدد يحقق أهداف الإسلام في تكوين المسلم، ويؤكد مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي، فهو قلبه النابض وروحه القوي الحي، فالمسجد بهذا يقوم على حراسة النفوس وتقويتها، ومنعها أن تنحرف إلا أن يشاء الله، وهو بذلك صمام الأمن للأخلاق الإسلامية والآداب الإسلامية المنحدرة إلينا من المجتمع الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دائم على ملء القلب بفيض من النور ووصله بهدى الله.
منقول