خصائص اللغة العربية وخلودها (2/1)
محمد مصطفي ناصيف([·])
اللغة ظاهرة خاصة لأنها منطوق دال ذو مظهر حسي يكتنف أفكارا ومشاعر واستخدامات وإشارات قوامها البنية المحسة والمعني والمفهوم. وهي من أقدم وسائل الاتصال، وكذلك هي عبارة عن أصوات مركبة ذات مقاطع تتألف من كلمات وجمل ذات دلالة وضعية يعبر بها الإنسان تعبيرا مقصودا عما يجول بخاطره من معان، ويتفاهم بها مع أبناء جنسه، وقد اختص الإنسان من بين الفصائل الحيوانية جميعها بظاهرة اللغة.
كما أن اللغة مجموعة من النظم أنتجها المجتمع والتزم بها علي مر العصور، لأنها حقيقة اجتماعية.
واللغة كما يعرفها ذواق العربية ابن جني (ت 392هـ) بأنها: ((أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)) فهي النطق يعرب عن فكر، ووسيلة تخاطب جماعية، وأداة للاتصال والتواصل، كما أنها وسيلة للتعبير عن العواطف والمشاعر والرغبات.
وهي تعني: الشخصية العربية ، والهوية القومية فضلاً عن كونها مستودع القيم والتجارب والعلوم التي انتقلت إلينا من أسلافنا وهي مختزن ثقافة الآباء والأجداد، وقبلها جميعاً أنها لغة ديننا الحنيف وقرآننا الكريم الخالد.
واللغة هي الكلام، ولها صورتان:
الصورة الصوتية: وهي الكلام المنطوق
الصورة المكتوبة: وهي الكلام المرسوم.
كما أن الكلام دلالة عن عبارات أو جمل تؤدي معني معينا ومفيدا علي الأقل، وكل جملة تتكون من كلمات، وكل كلمة تتكون من أصوات، أو وحدات صوتية وهي التي يعبر عنها بما يسمي ((الحروف الهجائية في كل اللغات.
أسواق العرب التجارية قديما كانت أشبه ما تكون بمعارض للكلمة كمعارض الكتاب حاليا
والكلمات كالأحياء لها مولد وحياة وموت وتبدل وتحول وتطور من معني إلي آخر واكتساب معني جديد.
وكذلك فإن الحرف يدل علي صوت معين، أو وحدة صوتية، وتظهر الأصوات عن طريق الفراغ الفمي، ويشترك في إصدارها مخارج كثيرة منها:
الجوف والحلق واللسان والشفة، وكل مخرج من هذه المخارج معد للوظيفة التي يؤديها، وتتشكل جميع اللغات العالمية من حرف، وكلمة، وجملة.. إلا اللغة العربية فإنها تمتاز عن باقي لغات العالم قاطبة بإضافة الصوت والمعني، وهاتان الصفتان افتقدتهما لغات العالم كافة سواها.
ومن خصائص اللغة العربية وميزاتها الفريدة أنها لغة اشتقاق، وأن مشتقاتها المتعددة تعود في أصولها إلي جذر لغوي تتفرع عنه فروع عدة، استطاع العلماء بها تتبع رحلة المعاني والدلالات الواسعة بين العديد من المفردات، وأن يجتهدوا فيما تستفهم به المصادر والمعجمات.
وقبل الإسلام عاشت اللغة العربية ردحاً طويلاً من الزمن في بيئات منفصلة جغرافيا، بحكم إقامة أهلها في مواقع موغلة في قلب الصحراء، فكانت تصدر عنهم جافة، قاسية، صلبة، مفخمة الألفاظ والنبرات، تلفها ملامح تلك الحياة الصحراوية القاسية المنعزلة، تمثلت بذلك كل ما يختلج في صدر ذلك الإنسان، وقديماً قبل: ((الإنسان ابن بيئته)). وهذه من خصوصيات اللغة.
وقد تواضع العرب علي أسواق عامة يحملون إليها تجارتهم وآدابهم وسيرهم القبلية والذاتية، ومن أشهر أسواقهم: عكاظ والمجنة والمربد، والتي كانت معارض للكلمة لديهم، كمعرض الكتاب هذه الأيام، وأهمها أثراً في اللغة ((سوق عكاظ)) حيث كان لهذه السوق العظيمة تأثير كبير في تهذيب اللغة لعربية في ((قبيلة قريش)) التي كان لقرب السوق منها أسبق القبائل لالتقاط كل معني حسن، ولفظ جزل وعبارة بليغة، كما تجاوزت تلك الأسواق حدود التجارة إذ كانت ميداناً رحبا لجميع الأغراض والشؤون الاجتماعية، فكانت سوق عكاظ، مثلا، مسرحاً عاماً يخطب فيها كل خطيب مصقع، ويلقي فيها كل شاعر مميز متفرد، حيث كان الشعر ديوانهم، وكان رواد هذه السوق يعودون إلي أماكن إقامتهم ببضائع ابتضعوها ومشاهدات دفعتهم إلي محاكاتها أثناء رحلاتهم، من ألفاظ لغوية، ومصطلحات وأساليب طبعت العربية بطابع المرونة والحياة فجاء علي ألسنتهم ما ترقي من الألفاظ، وتأهل للدخول إلي حضرة اللغة الرسمية الجميلة في أدائها وألفاظها، والغنية بكلماتها ومفرداته وتراكيبها، والعميقة في مدلولاتها ومعانيها، المرنة في صياغتها واشتقاقها، الأنيقة في رسمها وأشكالها، هذا وقد كان للعرب في زمن الجاهلية لهجات وطرق في النطق تختلف بين قبيلة وأخرى ويسمونها لغات فيقولون مثلاً: لغة قريش، ولغة هذيل، ولغة تميم.
وقد كان لسان رسول البشرية ومعلمها الخير صلي الله عليه وسلم هو العربية، والعربية لغة، ولهجة قريش من أهل مكة المكرمة خاص، لذا فالراجح أن يكون القرآن قد أنزل بلسان قريش، وفي قوله تعالي كتابه الخالد: (ومَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ وهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ) (إبراهيم: 4) ما يؤيد هذا الترجيح ويؤكده، وكذلك جاء في مسند أبي داود أ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلي عبد الله بن مسعود وهو في الكوفة: ((أما بعد: فإن الله أنزل القرآن بلغة قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل)) وأفصح الناس قريش لأنهم قوم ارتفعوا عن رتة أهل العراق، وتياسروا عن كشكشة بكر، وتيامنوا عن شنشنة تغلب، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير لخلو لغتهم مما ذكر، ولقريش درج تنزلق عنها أقدام الرجال وأفعال تخضع لها رقاب الأموال، والسنة تكل عنها الشفار المشحوذة.
كما كان للقبائل الأخرى لغاتها (لهجاتها) ومن الطبيعي أن يوجد ((تباين لغوي في أمور معينة بين تلك اللهجات، وهو تباين لا يطغي علي وجوه الاتفاق والتقارب بين اللهجات العربية، ولا يحول دون تفاهم أفراد تلك القبائل)) (في اللهجات العربية ص 16 للدكتور إبراهيم أنيس))) فأراد الله – برحمته ولطفه – أن يجعل متسعاً في اللغات، ومتصرفاً في الحركات. (تأويل مشكل إعراب القرآن ص 28).
وفيما يلي توضيح لبعض اللهجات العربية ومسمياتها:
الاستنطاء: وهي لهجة أهل اليمن، تقوم علي إبدال العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء، فمثلاً: ((أعطي)) يلفظونها: ((أنطي)).
الإمالة: وهي لهجة قبيلتين من قبائل العرب:
الأولي: لهجة قبيلة ((تغلب)) حيث يبدلون الألف واواً، فمثلاً كلمة ((باب)) تصبح عندهم ((بوب))، ولهذا السبب عرفنا سبب كتابة كلمتين هما:
((الصلاة والزكاة)) في المصحف العثماني بالواو: ((الصلوة والزكوة)).
والثانية لهجة قبيلة ((تميم)) حيث يبدلون الألف ياءً، ففي قوله تعالي: ((وَالضُّحَى (1) واللَّيْلِ إذَا سَجَى)) يقرأونها: (والضحي. والليل إذا سجي).
التسكين: وهي لهجة قبيلة ((ربيعة)).
تقوم هذه اللهجة علي تسكين آخر كلمة في الجملة، ففي قولنا: ((كتبت خطابا)) ينطقونها: ((كتبت خطاب)) وهذا مصداق قول علماء اللغة:
((العرب لا تبدأ بساكن، ولا تقف علي متحرك، ولا تجمع بين ساكنين)).
التسهيل: لهجة أهل الحجاز.
تقوم هذه اللهجة علي تغيير الهمزة بحرف يناسب الحرف الذي قبله، فكلمة ((فأس)) يلفظونها ((فأس)).
وكلمة ((بئر)) يلفظونها ((بير)). وكلمة ((رؤوس)) يلفظونها ((روس)).
الحذف: وهي لهجة قبيلتين من قبائل اليمن، وهما: قبيلة خثعم، وقبيلة زبيد.
تقوم هذه اللهجة علي حذف نون ((من)) إذا وليها ساكن، مثل ((خرجت من المجسد. يلفظونها: خرجت ملمسجد. وكلمة ((بيضاء)) تصبح: ((بيضا)). وكلمة ((حمراء)) تصبح: ((حمراء)) وكلمة ((السماء)) تصبح ((السماء)).
أما قبيلة بلحارث فتقوم علي حذف الألف واللام من بعد ((علي)) الجارة.
مثل: ركبت علي الصحان. يلفظونها: ركبت علحصان.
الشنشنة: وهي لهجة اليمن.
تقوم هذه اللهجة علي قلب الكاف مطلقاً إلي شين، فمثلاًك ((لبيك اللهم)) تصبح: ((لبيك اللهم)).
الطمطمانية: وهي لهجة قبائل الأزد وحمير ويافع.
تقوم هذه اللهجة علي إبدال لام التعريف ميماً. مثل: ((الهواء)) تصبح: ((الهواء)). وكلمة ((الجو)) تصبح ((الجو)) وكذلك إجابة صلي الله عليه وسلم لسائل من أصحاب هذه اللغة: ((ليس من أمير امصيام في السفر)) أي ((ليس من البر الصيام في السفر)).
العجعجة: وهي لهجة قبائل قضاعة، وبعض قبائل حضرموت، وبعض قبائل بادية الحجاز.
تقوم هذه اللهجة علي قلب الياء جيماً، فمثلاً كلمة ((الراعي)) تصبح: ((الراعج)).
العنعنة: وهي لهجة قبائل: كلاب وهذيل وتميم وقضاعة.
تقوم هذه اللهجة علي تحويل همزة ((أن)) إلي عين. فمثلاً قولنا: قد علمت أني تصبح: قد علمت عني.
الفحفحة: وهي لهجة قبيلة ((هذيل)).
تقوم هذه اللهجة علي قلب الحاء عيناً مثل ((حتى)) تصبح: ((عتي)).
القلب: وهي لهجة قبيلة مزان.
تقوم هذه اللهجة علي قلب الحرف إلي حرف آخر، مثل: ((برطع الولد)) أصلها: ((سرطع)). ((وبعزق)) أصلها: ((بعثق)) و((جرم اللحم)) أصلها: ((جلم)).
الكسكسة: وهي لهجة قبيلة بكر وقبيلة ربيعة وقبيلة تميم.
تقوم هذه اللهجة علي جعل السين مكان كاف المخاطب، فمثلاً: ((أبوك وأمك)) تصبح: ((أبوس وأمس)).
الكشكشة: وهي لهجة قبيلة سعد وسكان حضرموت وتميم.
تقوم هذه اللهجة علي تبديل كاف الخطاب شيئاً، ففي قولنا: ((أكرمتك وعليك)) تصبح: أكرمتش وعليش.
اللخلخانية: وهي لهجة أعراب الشحر وعمان.
تقوم هذه اللهجة علي اختصار الهمزة كقولهم: ((ما شاء الله)). تصبح: مشاء الله.
الوتم: وهي لهجة قبيلة حمير.
تقوم هذه اللهجة علي إبدال السين تاء، مثل: الناس بالناس، تصبح: النات بالنات.
وهذا من فضل رسول البشرية ومعلمها الخير محمد صلي الله عليه وسلم في الارتقاء حضاريا بمستوي العرب بعد عصور الظلام في أوروبا وعهود الجهل في الجزيرة العربية من العمق وبعد الأثر لا يحصره زمان أو يحده مكان، عاشته أمة الإسلام ومازالت وسيظل خالداً باقياً.
قال الشاعر في وصفه ((صلي الله عليه وسلم)):
بليغ علم الدنيا بوحي ولم يقرأ بلوح أو دواة
قال عنه الباحث قسطاكي حمصي – من أدباء نصاري حلب – (1858م – 1941م):
((كان سيد قريش نبي المسلمين ومؤسس دينهم، وهو أيضاً نبي العرب ومؤسس حياتهم، وجامعتهم القومية، وإنه من الحمق والمكابرة أن ننكر ما لسيد قريش من بعيد الأثر من توحيد اللهجات العربية، وقتل العصبيات الفرعية في نفوس القبائل)).
هي أم اللغات لا يذكر الدهر صباها وما تزال كعابا
بين أثر كل من اللغة العربية، والأوروبيين في الحياة اللغوية الإفريقية، حيث أكد أن اللغة العربي أثرت بشكل كبير في.
[·] عضو رابطة الأدب الإسلامي