علاقة الأحفاد بالأجداد .. من يوثقها؟
رشا عرفة
تعد العلاقة التي تربط بين الأجداد والأحفاد من أجمل وأمتن العلاقات التي تجمع بين أفراد الأسرة الواحدة، فهى علاقة تواصل وامتداد، وهى علاقة كثيرا ما تكتنفها المودة والألفة بين الطرفين، حيث يحتل الجد أو الجده مكانه خاصة عند الأحفاد، فهما رمز الحكمة ومنبع الحنان والعطف، ولعل أهم ما يميز مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ما يحظى به الجد من احترام وتقدير من قبل أفراد الأسرة جميعا.
وبسبب اختلاف طبيعة الحياة، وزحام المسؤوليات، والانغماس بين رحى العمل والطموح، تحولت الأسرة الكبيرة التي كانت تضم كل من الجد والجدة والأبناء والوالدين إلى جزر منفصلة تبعد عن بعضها البعض، وأصبح شمل العائلة تائهاً يبغي سبيلاً للاجتماع بعد فراق مديد أثمرته تفاصيل الحياة العصرية.
الأسرة الأساس:
لكن ترى ما هي طبيعة العلاقة بين الأحفاد والأجداد اليوم؟ ومن المسؤول عن توثيق تلك العلاقة؟ وما دور الأجداد في حياة الأحفاد؟ هذه الأسئلة حاولنا الإجابة عنها من خلال هذا التحقيق:
تقول هيام .م : الأسرة عليها تنمية العلاقة بين الأجداد والأحفاد، وهي من تعلمهم منذ الطفولة أهميتهم في حياتهم، وضرورة احترامهم لأنهم عصب الأسره الأم.
وتابعت: توفي جدي و جدتي عندما كنت طفلة، وكانت علاقتي بهما رائعة، فقد كانا أقرب إلي من والدي، وكانا أكثر تفهما وأبعد نظرة منهما، ورغم مرور 18 عاما على وفاة جدي إلا أن كلماته ونصائحه لا تزال عالقة بذهني حتى اليوم.
ورأت هدى.م أن الأم والأب هما المسؤول الأول عن توطيد علاقة الأحفاد بالأجداد قائلة: العلاقة بين الأحفاد والأجداد شبه مقطوعة في بيوت ومتصلة في بيوت قليلة، فإذا تزوج الإبن أو الإبنه في بيت مستقل عن أسرته، قد لا يعرف الأجداد أحفادهم بسبب انشغال رب الأسرة، وعدم زيارته لوالديه، أو انتقال الجد أو الجدة إلى أحد دور الرعاية لتلقي الرعاية والعلاج.
ووافقتها في الرأي مروة .ح التي أرجعت سبب انقطاع العلاقة بين الأجداد والأحفاد إلى هجر الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، وبالتالي يترعرع الأحفاد وهم لا يعرفون أجدادهم، على الرغم من أنهم على قيد الحياة، وظروف الحياة، وقسوة قلوب الأبناء على آبائهم، وانشغالهم الدائم في العمل والسفر والتجارة.
في حين رأت سمية .ا أن انفصال الابن في منزل خاص به ليس السبب وراء انقطاع علاقة الأحفاد بالأجداد.
وتابعت: إذا كان الأبناء بارين بوالديهم فسيكونون حريصين بالطبع على زيارتهم ، وكذلك سيكونون حريصين على زيارة أبنائهم لأجدادهم بشكل يومي، فهم نبع التراث والأصالة، وخاصة بعد أن توفرت وسائل المواصلات والاتصال. قائلة: قد يلعب الأجداد في بعض الحالات دور الملجأ، حيث يوفرون المأوى للأبناء والأحفاد في أوقات الأزمات العائلية.
وبدورها أكدت حياة. ط أن من أهم عناصر توطيد تلك العلاقة هي تقبل الأم علاقة حماتها بأولادها، وتقبل الأب علاقة حماته بأولاده، وانسياب مشاعر الأبوين الطبيعية بعلاقة الأجداد بالأحفاد، التي تعد أسمى أنواع العلاقات العاطفية.
مسؤولية مشتركة:
أما نجيبه .ه فرأت أن مسؤولية توطيد علاقة الأحفاد بأجدادهم لا يتحملها فقط الآباء والأمهات، بل هى مسؤولية مشتركة بين الأبناء والأجداد، فالأجداد عليهم دور لا يقل عن دورأبنائهم، فيجب على الجد محاولة التقرب من حفيده، والاستماع إليه، وتوجيه النصائح له، والمشاركة في تربيته وتنشئته.
وتابعت: يجب على الأجداد أن يقوموا بتنظيم زيارات أو نزهات مع أحفادهم في أيام الراحة والإجازات الأسبوعية، أما إذا كان الجد أو الجدة بعيدين عن أحفادهما لإقامتهم بالخارج فيجب عليهم إرسال الخطابات لهم، والسؤال عنهم عن طريق البريد العادي أو البريد الإلكتروني، ومن أهم الوسائل التي يجب على الجد والجدة مراعاتها لتوطيد علاقتهما بأحفادهما، أن يحرصا على العدل في المعاملة بين أحفادهم.
الطفرة الاقتصادية.. السبب:
من جهته أرجع الأستاذ عبدالله القحطاني أخصائي اجتماعي بمجمع الرياض الطبي سبب الجفاء في العلاقة بين الأحفاد والأجداد إلى الطفرة الاقتصادية التي بدأت في الثمانينيات والتي كانت السبب الأول تقريباً في رغبة الأبناء في الانفصال عن والديهم.
وقال في تصريحات صحفية: رغم أن الانفصال كان أمرا صعبا في البداية نظراً للعادات والتقاليد السائدة في ذلك الوقت، حيث كانت تسمى الأسرة بالأسرة الممتدة، التي يكون فيها رب الأسرة والزوجة والأولاد وأبناء الأولاد، إلا أن الأبناء بالفعل تمكنوا من تحقيق رغبتهم، وهذا بدوره أدى إلى قلة زيارات البعض منهم لوالديهم بسبب إنشغالهم بلقمة العيش.
وتابع: قد يتسبب الآباء أحياناً في هذه المشكلة وذلك باسكان أبنائهم بعيداً عنهم دون أن يشعروا بذلك، وقد يعرفون أن هذا الأمر قد يتسبب في ظهور هذه المشكلة ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء، وهناك بعض العائلات التي قدمت إسكاناً عبارة عن مجمع أو شقق خاصة بالأبناء لتفادي مشكلة الابتعاد، وأعتقد أن هذا حل نموذجي وحضاري، يساعد على تماسك الأسرة.
وأضاف القحطاني: ترك الجد والجدة للعيش بمفردهما أمر غير مستحب، خاصة أن ديننا الحنيف حثنا على التكافل والبر بالوالدين، لأن هذا حق من حقوق الآباء على أبنائهم، وتركهم يعطي انطباعاً لأبنائهم أن والديهم غير جديرين بالاهتمام، حيث يترسخ هذا الانطبع في أذهانهم، وقد يسلكون نفس المسلك مع آبائهم.
وأكد على أن التآلف بين الأجيال الثلاثة وسكنهم في بيت واحد يؤدي إلى بث روح الترابط.
قائلا: قد يناسب هذا الأمر الزمن الماضي، ففي وقتنا الحاضر نجد صعوبة في تحقيق ذلك فالوضع اختلف، فكل أسرة لها رغبات، وطرق ووسائل عيش تختلف عن الأسرة القريبة منها، وذلك لتغير وسائل العصر الحديثة، والخط الاقتصادي الذي يختلف من أسرة لأخرى حسب مصادر الدخل والمكانة الاجتماعية المتباينة.
وأشار القحطاني إلى أن الجد والجدة يكونان في الغالب أكثر حباً وعطفاً من بعض الآباء والأمهات تجاه الأبناء، خاصة في هذا العصر، فالآباء أصبحوا أكثر عملاً وانشغالاً عن ذي قبل، أيضاً الأمهات خاصة جيل المعلمات والموظفات، حيث تقل درجة العطف والحنان عند البعض وقد يصل ببعضهم إلى ترك الأبناء مع العاملات فترة طويلة، وهذه مشكلة تحتاج إلى وقفه، فلقد أصبحن في الفترة الأخيرة عاملات ومربيات في نفس الوقت، مما أدى إلى إلغاء دور الأم في بعض الأسر، دون أن نعي أن الآباء والأمهات هم الأصل والأساس في وجود الأسرة، فإذا كانت القاعدة قائمة على أساس قوي ومتين كان الأبناء صالحين، وإذا كانت غير ذلك فسيشوب النشئ التصدع والتباعد.