تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حكم شهادة القاذف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,464

    افتراضي حكم شهادة القاذف

    حكم شهادة القاذف (1-2)
    فضل ربي ممتاز زادة




    حكم شهادة القاذف
    مقدمة :
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد :
    فهذا بحث في حكم شهادة القاذف، ويشتمل على تمهيد وخمس مسائل:
    التمهيد: في تعريف الشهادة والقذف .
    المسألة الأولى: تصوير المسألة .
    المسألة الثانية: تحرير محل النزاع.
    المسألة الثالثة: حكم شهادة القاذف بعد حده .
    المسألة الرابعة: حكم شهادة القاذف قبل حده .
    المسألة الخامسة: ما تتحقق به توبة القاذف .
    هذا وقد اتبعت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
    1- ذكرت أقوال أهل العلم في المذاهب الأربعة و ما وقفت عليه من آراء العلماء من الصحابة، والتابعين، والفقهاء المشهورين .
    2- رتبت أقوال الأئمة الأربعة إذا اتفقت في حكم واحد ترتيباً زمنياً فأبتدئ بالمذهب الحنفي، ثم المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي .
    3- ذكرت عقب كل قول ما وقفت على من أدلته .
    5- ثم ناقشت الأدلة وبينت القول الراجح على حسب ما ظهر لي من الأدلة.
    6- اعتمدت على المراجع الأصلية لكل مذهب من المذاهب الأربعة فلا أنقل قولاً لمذهب معين إلا من كتب فقهاء المذهب نفسه، وإذا لم أجد حكم مسألة فقهية في مذهب معين فإنني أسكت عن هذا المذهب، فمعنى ذلك أنني لم أقف عليه بعد البحث في مظانه .
    7- عزوت الآيات إلى سورها مع بيان رقم الآية .
    8- خرجت الأحاديث من مصادرها الأصلية حسب ما وقفت عليه، وما كان في الصحيحين أو في أحدهما اقتصرت عليه، وقد جعلت لفظ الحديث لمن ذكرته في التخريج أولاً إلا ما نصصت عليه .
    هذا لم آل جهداً في إعداده مع علمي بأنني لم أوف البحث ما يستحق من دراسة وتمحيص؛ إذ الكمال لله وحده جل وعلا، وحسبي أنني بذلك جهدي، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
    هذا، وأسأل الله عز وجل أن ينفعني به، وأن ينتفع به من قرأه، وأن يسلك بي وإخواني المسلمين صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    التمهيد: في تعريف الشهادة، وتعريف القذف:
    أ- تعريف الشهادة:
    1- تعريف الشهادة لغة:
    الشهادة خبر قاطع، تقول شهد على كذا من باب سلم، وقولهم، أشهد بكذا، أي أحلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده -بالكسر- شهوداً، أي حضره وهو شاهد، وقوم شهود، أي حضور وهو في الأصل مصدر، وشهد له بكذا أي أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد، واستشهده، أي سأله أن يشهد [1].
    2- الشهادة اصطلاحاً:
    للعلماء في تعريف الشهادة عبارات عديدة ، ومن أهمها :
    قال الجرجاني: "هي في الشريعة إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر" . ثم قال شارحاً قوله: فالإخبارات ثلاثة: إما بحق للغير على آخر، وهو الشهادة، أو بحق للمخبر على آخر وهو الدعوى، أو بالعكس وهو الإقرار[2] .
    وقال ابن فرحون المالكي: "أما حد الشهادة: فهو إخبار بمعين، وبقيد التعيين تفارق الرواية"[3] .
    وقال البهوتي: "بأنها إخبار بما علمه بلفظ مخصوص"[4] .
    وعرفها شيخا الدكتور عبد الله الركبان بقوله: " أنها إخبار صادق ممن يقبل قوله، بحق للغير على الغير، بمجلس القاضي". ويلاحظ أن هذا التعريف قريب من تعريف الجرجاني رحمه الله .
    ثم شرحه بقوله: فقولنا: إخبار صادق، يخرج الأخبار الكاذبة كشهادة الزور، وقولنا: ممن يقبل قوله: احتراز من شهادة المجنون والمعتوه والصبي، وقولنا: بحق للغير على الغير: يخرج الدعوى والإقرار ، إذ الدعوى إخبار الإنسان بحق له على غيره، والإقرار إخبار بحق عليه لغيره.
    وقولنا: "في مجلس القاضي، احتراز عما يصدر خارج مجلس القضاء؛ لأنه ليس شهادة بالمعنى الشرعي، ولذا لا يجوز الحكم بمقتضاه"[5] .
    ب- تعريف القذف :
    1- القذف لغة:
    القذف لغة الرمي والطرح، يقال: قذف الشيء يقذفه قذفاً: إذا رمى به، وبلدة قذوف: أي طروح، لبعدها تترامى بالسفر [6] .
    والقذف بالحجارة الرمي بها، وقذف المحصنة: رماها، وقيد برمي الشيء بقوة، ومنه اشتهر استعماله في رمي المرأة المحصنة أو الرجل المحصن بالزنا، أو ما في معناه من الألفاظ المكروهة [7] .
    2- القذف اصطلاحاً:
    فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف القذف، ومنها:
    قال ابن الهمام الحنفي: " القذف في الشرع رمي بالزنا "[8] .
    وعرفه بعض المالكية بأنّه: "نسبة آدمي غيره حراً عفيفاً مسلماً بالغاً أو صغيرة تطيق الوطء، لزنى، أو قطع نسب مسلم" [9] .
    وقال الرملي في تعريفه: "القذف الرمي بالزنا في معرض التعيير لا الشهادة" [10].
    وعرفه البهوتي: "هو الرمي بزنى أو لواط، أو شهادة به عليه ولم تكتمل البينة"[11] .
    ويلاحظ في هذه التعريفات أن كل واحد منها يمثل النظرة المذهبية لحد القذف.
    وقد عرفه الشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله - بقوله: " القذف هو الرمي بوطء أو نفي نسب موجب للحد فيهما "[12] .
    ثم شرحه بقوله : فالرمي بوطء ، يشمل الرمي بزنا أو لواط. ويشمل أيضاً الشهادة به عند عدم اكتمال نصابها .
    أو نفي نسب: وهو قذف يوجب الحد عند الجميع .
    موجب للحد فيهما: إشارة إلى ما يجب توفره في القاذف كالعقل، وفي المقذوف كالإحصان وهو (العفة) وفي لفظ القذف مثل لفظ (زاني) أو (لوطي)[13] .
    المسألة الأولى: تصوير المسألة في حكم شهادة القاذف :
    قال الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} [سورة النور الآيتان: 4 و5] .
    لقد دلت الآية الكريمة على وجوب الحد على القاذف ثمانين جلدة، وحكمت بفسقه وردت شهادته، إذا لم يحقق قذفه بإتيان أربعة شهداء، ثم استثنت الآية الثانية الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا .
    إذا كانت الآية الكريمة قد دلت على الأحكام الثلاثة المذكورة، فما حكم الاستثناء في الآية التي تليها، هل يشمل جميع الأحكام الثلاثة المذكورة أو يشمل الحكم الأخير فقط ؟
    ثم إن حال القاذف بعد قذفه لا يخلو من أن يتمكن من تحقيق ما اتهم به المقذوف بإقامة البينة المعتبرة، أو بقيامه باللعان إذا كان المقذوف زوجته، أو لا يتمكن من ذلك، ويمتنع اللعان. كما أن حاله يحتمل أن يقام عليه الحد ويتوب عن قذفه ويندم على ذلك، أو لا يرجع عما اتهم به المقذوف ويبقى مصراً عليه، أو لا يقام عليه الحد، ولا يرجع عما قذف به المقذوف، أو يرجع عن ذلك مع عدم إقامة الحد عليه .
    وبناءً على تعدد هذه الحالات ووجود هذه الاحتمالات فقد اختلف أهل العلم في بعض هذه المسائل، كما أنهم اتفقوا على حكم البعض الآخر، وإليك تحرير محل النزاع في ذلك :
    المسألة الثانية: تحرير محل النزاع في حكم شهادة القاذف :
    إذا كان القاذف زوجاً فحقق قذفه ببينة أو لعان، أو كان أجنبياً فحققه بالبينة أو بإقرار المقذوف لم يتعلق بقذفه فسق، ولا حد، ولا ردّ شهادة .
    وإن لم يحقق قذفه بشيء من ذلك تعلق به وجوب الحد عليه والحكم بفسقه ورد شهادته، لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} وهذا إن لم يتب ، فإن تاب لم يسقط عنه الحد وزال الفسق.
    ولا خلاف بين العلماء في ذلك كله [14] .
    قال ابن قدامة رحمه الله في ذلك: "ولا نعلم خلافاً في هذا"[15] .
    وقال الماوردي رحمه الله: "أن تحقق قذفه في الأجنبي والأجنبية يكون بأمرين: إما بإقرار المقذوف بالزنا، وإما بقيام البينة عليه بفعل الزنا، وتحققه في الزوجة يكون مع هذين الأمرين بثالث وهو اللعان، فإذا حقق قذفه بما ذكرنا كان على حاله قبل القذف، في عدالته وقبول شهادته وأن لا حد عليه في قذفه"[16] .
    وقال ابن القيم رحمه الله: "القاذف إذا حد للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك، وهذا متفق عليه بين الأئمة، قبل التوبة، والقرآن نص فيه" [17] .
    واختلفوا فيما عدا في ثلاث صور وهي:
    المسألة الأولى: إذا حد القاذف بسبب قذفه ثم تاب
    إذا حد القاذف بسبب قذفه، ثم تاب عن ذلك، ورجع عما اقترف من ذنب وصلح حاله، فهل تقبل شهادته، بناء على أن صفة الفسق قد زالت عنه بالتوبة، أو رد شهادته حكم مؤبد ولا تقبل شهادته حتى لو تاب؟
    اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
    القول الأول: تقبل شهادته في هذه الحالة، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء؛ المالكية والشافعية والحنابلة، وهو مروي عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري وأبو عبيد وابن المنذر، ونقل عن يحيى بن سعيد وربيعة[18].
    القول الثاني: لا تقبل شهادته، وبه قالت الحنفية، وهو مروي عن ابن عباس وأبي بكرة رضي الله عنهم، والقول به ثابت عن مجاهد وعكرمة والحسن ومسروق والشعبي في إحدى الروايتين عنهم، وهو قول شريح القاضي [19].
    الأدلــة:
    استدل القائلون بقبول شهادته بعد التوبة بأدلة من الكتاب والسنة والأثر والإجماع والمعقول.
    أ- من الكتاب :
    قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} .
    وجه الاستدلال: أن الاستثناء في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} راجع إلى كل ما سبق من الأحكام، إلا ما منع منه مانع، فيكون عائداً على الجملتين {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} فتقبل شهادتهم بعد التوبة كما ترتفع بها صفة الفسق عنهم، وكان المفروض أن ترتفع عقوبة الجلد عنهم كذلك، إلا أن مانعاً منع من ذلك، وهو إجماع الأمة على عدم سقوط حد القذف بالتوبة [20].
    وقد نوقش هذا الاستدلال من قبل المخالفين بمناقشات طويلة، وخلاصتها أنه غير مسلم به ؛ لأنه استدلال بمحل النزاع، وهو أن المخالفين يستدلون بنفس الآية على عدم قبول توبة القاذف ويرون أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فقط، وبناء عليه فإن هذا الاستدلال غير قائم [21] .
    يتبع





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,464

    افتراضي رد: حكم شهادة القاذف


    حكم شهادة القاذف (1-2)
    فضل ربي ممتاز زادة






    ب- من السنة :



    1/ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قضاء الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة ولا اثنين ولا واحد على الزنى، ويجلدون ثمانين جلدة، ولا تقبل لهم شهادة أبداً حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح"[22] .



    وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل دلالة صريحة على قبول شهادة القاذف إذا تاب، لأن (حتى) لانتهاء الغاية فيكون رد الشهادة منتهياً بتحقيق التوبة[23] .



    ونوقش هذا الاستدلال بأن الحديث غير ثابت، وقال ابن حزم عنه: "منقطع " [24] .



    2/ قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "التوبة تجب ما قبلها"[25] .



    وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل على أن التوبة تقطع وترفع ما كان قبلها، فيجب حمل هذا على العموم دون الخصوص[26] .



    ونوقش هذا الاستدلال بأن بطلان شهادة القاذف حكم مستقل وليس متعلقاً بوجود الفسق ولا بترك التوبة [27] .



    ج- من الأثر :



    أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال للذين شهدوا على المغيرة رضي الله عنه: "توبوا تقبل شهادتكم، فتاب منهم اثنان و أبى أبو بكرة أن يتوب، فكان عمر رضي الله عنه لا يقبل شهادته"[28] .



    د- من الإجماع :



    أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بقبول شهادة من تاب من الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم- بمحضر من الصحابة ولم ينكروا ذلك فكان إجماعاً على قبول شهادة القاذف بعد التوبة[29] .



    هـ- من المعقول :



    1/ أنه ليس في الشريعة ذنب يتاب منه ويبقى أثره المترتب عليه من رد الشهادة، ومن أعظم موانع الشهادة الكفر والسحر وقتل النفس وعقوق الوالدين والزنا، ولو تاب من هذه الذنوب قبلت شهادته اتفاقاً، فالتائب من القذف أولى بالقبول[30].



    ونوقش هذا الاستدلال: بأن علة رد شهادة القاذف ليس الفسق لتقبل شهادته بزواله، بل إن رد الشهادة في القذف من تمام الحد، فلا يصح القياس[31] .



    وأجيب عن هذه المناقشة: بالمنع أن يكون رد الشهادة من تمام الحد، وذلك لأن الحد تم باستيفاء عدده، وسببه القذف نفسه، وأما رد الشهادة فحكم آخر أوجبه الفسق بالقذف، لا الحد، فالقذف أوجب حكمين، ثبوت الفسق وحصول الحد، وهما متغايران[32] .



    2/ ولأن القذف نسبة الغير إلى الزنا، فلا يكون أشد عقوبة من مباشرة فعل الزنا، والزاني إذا تاب قبلت شهادته، فمن دونه من باب أولى[33] .



    واستدل أصحاب القول الثاني أيضاً بأدلة من الكتاب والسنة والمعقول.



    أ- من الكتاب :



    قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} .



    واستدلوا بالآية الكريمة لقولهم من ثلاثة وجوه:



    الأول: أن الاستثناء في الآية راجع إلى الحكم الأخير من الأحكام الثلاثة التي نصت عليها الآية، وهو سمة الفسق فقط دون بقية الأحكام [34] .



    ونوقش هذا الوجه بعدم التسليم ، بل يرجع إلى جميع الأحكام[35] .



    الثاني: أن الله تعالى نهى عن قبول شهادة القاذف على التأبيد، فيتناول زمان ما بعد التوبة كذلك، وهذا يدل أن المحدود في القذف مخصوص من عمومات الشهادة عملاً بالنصوص كلها صيانة لها عن التناقض [36].



    ونوقش: بأن رد شهادته على التأبيد هو فيما لم يتب، وأما لو تاب فتقبل شهادته، لأن الآية استثنت الذين تابوا .



    الثالث: أن الاستدلال بالآية على عدم قبول شهادة القاذف ولو بعد التوبة، مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما[37] .



    ونوقش: بأنه قد روي عن ابن عباس عكس ذلك أيضاً، وقال: "فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله مقبولة"[38] .



    ب- من السنة :



    ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في حد قذف"[39] .



    وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح هنا بعدم قبول شهادة المحدود في القذف من غير التفريق بين التائب وغيره، فيدل الحديث بعمومه على عدم قبول شهادته ولو بعد التوبة[40].



    ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:



    الأول: من جهة السند، فعبارة "لا محدود في حد قذف" زيادة وردت بسند ضعيف لا تقبل[41] .



    الثاني: من جهة الدلالة، وعلى فرض صحة الحديث بهذه الزيادة، فهو محمول على غير التائب لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فتقبل شهادته بعد توبته[42] .



    ج- من المعقول:



    1/ أن رد شهادة القاذف من تمام عقوبته، ولذلك فإنها لا ترد إلا بعد الحد، مع أنه بعد الحد خير منه قبله، وما كان من الحدود ولوازمها فإنه لا يسقط بالتوبة، ولهذا لو تاب القاذف لم تمنع توبته إقامة الحد عليه بالإجماع، فكذلك شهادته [43].



    ونوقش: بأن رد الشهادة ليس عقوبة بل هو مستند إلى العلة التي ذكرها الله تعالى عقيب الحكم، وهي الفسق، وقد ارتفع الفسق بالتوبة باتفاق، وهو سبب الرد فيجب ارتفاع ما ترتب عليه وهو المنع [44].



    2/ أن القذف متضمن للجناية على حق الله تعالى وحق الآدمي، وهو من أشد الجرائم، فناسب تغليظ الزجر، ورد الشهادة من أقوى أسباب الزجر، لما فيه من إيلام القلب والنكاية في النفس، إذ هو عزل لولاية لسانه الذي استطال به على عرض أخيه وإبطال لها[45] .



    ونوقش هذا: بأن تغليظ الزجر لا ضابط له، فلا يصح جعله علة للحكم، ومصلحة الزجر تحصل بإقامة حد الجلد عليه، ثم إن أغلب من يقذف هم من الذين لا يبالون برد شهادتهم وقبولها، ليحصل الزجر برد شهادتهم[46] .



    3/ أن المطالبة بحد القذف من حقوق الآدميين ، فكذلك بطلان الشهادة حق من حقوقهم، وذلك لأن الشهادات إنما هي حق للمشهود له وبمطالبته يصح أداؤها وإقامتها، كما تصح إقامة حد القذف بمطالبة المقذوف، فوجب أن يكونا سواء في أن التوبة لا ترفعهما[47] .



    4/ أن رد شهادة القاذف عقوبة في محل الجناية، فإن الجناية حصلت بلسانه فكان أولى بالعقوبة فيه، وقد رأينا أن الشارع اعتبر هذا، حيث حكم بقطع يد السارق، فإنه حد مشروع في محل الجناية [48] .



    ونوقش: بأن هذا غير لازم، بدليل عقوبة شارب الخمر والزاني، وقد جعل الله سبحانه وتعالى عقوبتهما على جميع البدن، وكذلك جعل عقوبة القذف بالجلد على جميع بدن القاذف[49] .



    سبب الخلاف :



    ومما سبق من عرض أقوال وأدلة أهل العلم في المسألة يتبين لنا أن سبب الخلاف فيها أمران :



    الأول: مسألة أصولية ولغوية، وهي أن الاستثناء إذا جاء بعد جمل متعاطفات هل يرجع إلى جميع تلك الجمل أو يرجع إلى أقرب المذكور؟ [50] .



    فمن قال بأنه يرجع إلى أقرب المذكور كالحنفية ومن وافقهم[51] ، قالوا في المسألة بأن الاستثناء في الآية الكريمة يتناول صفة الفسق فقط، وهي ترتفع بتوبة القاذف، وأما بقية الأحكام فتبقى على حالها .



    ومن قال بأن الاستثناء يرجع إلى جميع الجمل التي سبق ذكرها كما هو رأي جمهور العلماء[52]، فيرون في هذه المسألة أن توبة القاذف ترفع جميع الأحكام المذكورة في الآية إلا ما خرج عن ذلك بدليل مستقل، وهو هنا الإجماع على أن حد القذف لا يسقط بتوبة القاذف[53] .



    الثاني: الخلاف في كون رد شهادة القاذف جزء من عقوبته، أو هو معلول علة الفسق الذي التصق به بقذفه شخصاً محصناً .



    قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في ذلك: "وسر المسألة أن رد شهادته جعل عقوبة لهذا الذنب فلا يسقط بالتوبة كالحد"[54] .



    فمن قال أن رد شهادة القاذف جزء من عقوبته قال بعدم قبول شهادته بعد التوبة، ومن قال أن شهادته ردت بسبب صفة الفسق التي التصقت به بسبب جريمة القذف، قال بقبول شهادته بعد التوبة التي تزول به صفة الفسق[55] .



    الموازنة والترجيح :



    وبالتأمل في سبب الخلاف وأدلة الفريقين وما وردت عليها من المناقشات يجد الباحث أن الخلاف في هذه المسألة قوي، وأن أدلة الفريقين تكاد تكون متكافئة ؛ لأن لكلا الفريقين أدلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والمعقول، بالإضافة إلى ما استدل به أصحاب القول الأول من إجماع الصحابة، ويمكن الموازنة بين أدلتهم على النحو الآتي :



    1/ أما بالنسبة لاستدلالهم بالسنة فقد عرفنا أن الحديث الذي استدل به القائلون برد شهادته ولو بعد التوبة غير صالح للاستدلال به، وكذلك أحد الحديثين الذين استدل به القائلون بقبول شهادته، والحديث الثاني الذي استدلوا به قد نوقش من جهة الدلالة .



    2/ أما الاستدلال بآثار الصحابة رضي الله عنهم، فكذلك لكل من الفريقين من ذلك ما يؤيد قولهم، وهذا يعني أن هناك خلافاً بين الصحابة رضي الله عنهم في المسألة، فلا يمكن ترجيح قول بعض الصحابة على بعض.



    3/ وأما ما استدل به القائلون بقبول شهادته من إجماع الصحابة فغير مسلم به كذلك، لأنه قد نقل الخلاف عن بعض الصحابة وعن بعض كبار التابعين، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "هذا - أي القول برد شهادته- ثابت عن مجاهد وعكرمة والحسن والمسروق والشعبي في إحدى الروايتين عنهم"[56] .



    4/ أما الأدلة العقلية التي استدلوا بها فقد نوقشت، وغالبها استدلال بالدعوى على الدعوى، وهذا لا يصح .



    5/ وأما الآية الكريمة التي هي الأصل في حد القذف وعقوبة القاذف، ورد شهادته فقد رأينا أن كلا من الفريقين استدلوا بها على قولهم، و قد قرر بعض المحققين من العلماء أنه لا يمكن ترجيح أحد الاستدلالين على الآخر من حيث دلالة الآية نفسها، ويقول العلامة الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في ذلك: "الذي يظهر لنا في مسألة الاستثناء بعد جمل متعاطفات أو مفردات متعاطفات هو ما ذكره بعض المتأخرين، كابن الحاجب من المالكية، والغزالي من الشافعية، والآمدي من الحنابلة، من أن الحكم في الاستثناء الآتي بعد متعاطفات هو الوقف، ولا يحكم برجوعه إلى الجميع، ولا إلى الأخيرة إلا بدليل" [57] .



    واستدل لقوله بالتوقف، بأن هناك آيات في الكتاب العزيز لم يرجع فيها الاستثناء للجملة الأولى، وآيات أخرى لم يرجع فيها الاستثناء إلى الجملة الأخيرة، فيدل هذا أن رجوعه إلى ما قبله ليس شيئاً مطرداً [58] .



    ثم ذكر بعض الأمثلة من القرآن الكريم ، التي لم يرجع فيها الاستثناء إلى الجملة الأخيرة، وأمثلة أخرى لم يرجع الاستثناء إلى الجملة الأولى، وقال: "وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع إلى أقرب الجمل إليه في القرآن العظيم الذي هو في الطرف الأعلى من الإعجاز، تبين أنه لم يلزم رجوعه للجميع، ولا إلى الأخيرة ، وأن الأظهر الوقف حتى يعلم ما يرجع إليه من المتعاطفات قبله بدليل، ولا يبعد أنه إن تجرد من القرائن والأدلة كان ظاهراً في رجوعه للجميع"[59] .



    وقد ذكر الإمام أبو بكر الجصاص بعض الأمثلة من القرآن الكريم التي رجع الاستثناء فيها أحياناً إلى الجملة الأخيرة وأحياناً إلى الجمل التي ما قبلها[60] .



    ولعل هذا مما جعل بعض المحققين من العلماء مثل الإمام ابن القيم يتوقف في ترجيح أحد القولين ، فقد ذكر القولين واستفاض في ذكر أدلتهما وما يرد عليها من المناقشات ولم يرجح[61] .



    وإذا كان الأمر كذلك، ولم تبق في الآية الكريمة دلالة من حيث رجوع الاستثناء، لأي من الفريقين، فيبقى أن ينظر إلى أدلة أخرى غير الآية، والنظر إلى الوجه الثاني من الاستدلال بالآية الكريمة، الذي استدل به الحنفية .



    وأما بالنسبة للاستدلال بأدلة أخرى، فقد ذكر الشيخ الدكتور بكر أبو زيد –رحمه الله- ثلاثة أدلة على ذلك ، وهي :



    أ- عمل الصحابة رضي الله عنهم .



    ب- محض القياس على قاعدة الشريعة المطردة في شهادة كل تائب.



    ج- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"[62] .



    إلا أن هذه الأدلة ليست جديدة، بل سبقت مناقشتها في ثنايا الاستدلال والمناقشات التي ذكرها الحنفية لقولهم ومناقشة أدلة مخالفيهم، وهي: أن عمل الصحابة يقابله قول بعضهم بعدم قبول شهادته، مثل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما . أما القياس على قاعدة قبول شهادة كل تائب، فيمكن مناقشته بأنه مخصص بنص الآية على رد شهادة القاذف على التأبيد، ولا قياس مع النص، وأما عموم الحديث فكذلك مخصص بالآية، والخاص مقدم على العام .



    وبذلك يتبين لنا أن الأدلة المستقلة كذلك غير قائمة .



    والذي يبدو لي -والله تعالى أعلم- أن الوجه الآخر من استدلال الحنفية بالآية الكريمة، من أن الآية الكريمة نهت عن قبول شهادة القاذف على التأبيد "فيتناول زمان ما بعد التوبة، وبه تبين أن المحدود في القذف مخصوص من عمومات الشهادة عملاً بالنصوص كلها صيانة لها من التناقض"[63] . كما ذكره العلامة الكاساني رحمه الله تعالى ، يمكن أن يعتبر قرينة مرجحة لرد شهادة القاذف، رغم أنه نوقش بأن المراد أن شهادته مردودة على التأبيد ما لم يتب، ولكن يمكن القول أنه لا دليل على تفسير الآية بهذا الوجه، وأنه لا تبقى فائدة من التقييد بالتأبيد على هذا التفسير.



    والله تعالى أعلم .








    [1] ينظر: مختار الصحاح للرازي، ص306، ولسان العرب لابن منظور7 / 223.




    [2] كتاب التعريفات ، ص129 .




    [3] تبصرة الحكام 1 / 164 .




    [4] كشاف القناع 6 / 328 .




    [5] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 1 / 238 .




    [6] ينظر: لسان العرب 11 / 184 ، ومختار الصحاح ص462 .




    [7] ينظر: لسان العرب 11 / 184 .




    [8] فتح القدير 5 / 89 .




    [9] جواهر الإكليل 2 / 286 .




    [10] نهاية المحتاج 7 / 415 .




    [11] كشاف القناع 6 / 104 .




    [12] الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ، ص199 .




    [13] الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ص199 .




    [14] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1 / 399 وما بعدها، وبداية المجتهد 2 / 542، والحاوي الكبير 13 / 24، والمغني 1 / 186 188، وإعلام الموقعين 1 / 114 .




    [15] المغني 14 / 186 .




    [16] الحاوي 17 / 24 .




    [17] إعلام الموقعين 1 / 114 .




    [18] ينظر: بداية المجتهد 2 / 542، والقوانين الفقهية ص203، والحاوي الكبير 17 / 25، ونهاية المحتاج ص7 ، والمغني 14 / 188، ومنتهى الإرادات 5 / 362، وإعلام الموقعين 1 / 114 .




    [19] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 399، وبدائع الصنائع 6 / 411، ومختصر اختلاف العلماء 3 / 329 والحاوي 17 / 25، والمغني 14 / 188، وإعلام الموقعين 1 / 114 .




    [20] ينظر في وجه الاستدلال: الحاوي للماوردي 17 / 26، والمغني لابن قدامة 14 / 188، وإعلام الموقعين لابن القيم 1 / 115، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 399 وما بعدها، وأضواء البيان للشنقيطي 6 / 89 .




    [21] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 399 وما بعدها، وإعلام الموقعين 1 / 114 وما بعدها، والحاوي 17 / 25 .




    [22] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 17 / 387 .




    [23] ينظر: المحلى 13 / 239، والنظرية العامة لإثبات الحدود 2/11 .




    [24] المحلى 13 / 239 .




    [25] أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص .




    [26] ينظر: الحاوي 17 / 28 .




    [27] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 407




    [28] أخرجه البيهقي 10 / 152 ، وعبد الرزاق 8 / 362




    [29] ينظر: الحاوي 17 / 27، والمغني 12 / 189 .




    [30] ينظر: الحاوي 17 / 25 ، والمغني 14 / 189، وإعلام الموقعين 1 / 117 .




    [31] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 117 .




    [32] ينظر: المرجع السابق 1 / 117 .




    [33] ينظر: الحاوي 17 / 25، والنظرية العامة لإثبات موجبات الحدود ص11، 12 .




    [34] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 403، وإعلام الموقعين 1 / 114 .




    [35] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 117 ، والحاوي 17 / 25 .




    [36] ينظر: بدائع الصنائع 6 / 412، وإعلام الموقعين 1 / 116 .




    [37] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 402 .




    [38] ينظر: المرجع السابق ، وإعلام الموقعين 1 / 117 .




    [39] أخرجه الترمذي برقم (2298) والدارقطني في كتاب الأقضية 4 / 244، وابن عدي في الكامل في الضعفاء 7 / 2714، كلهم عن عائشة رضي الله عنها .




    [40] إعلام الموقعين 1 / 116، والحاوي 17 / 25




    [41] قال ابن قدامة: "حديثهم ضعيف .. قال ابن عبد البر: لم يرفعه من في روايته حجة" . المغني 14 / 190، وقال ابن القيم: "هذا الحديث بجميع طرقه فيه ضعفب، إعلام الموقعين 1 / 116 . وينظر: تلخيص الحبير 4 / 189 .




    [42] ينظر: الحاوي 17 / 28 ، والمغني 14 / 190 ، وإعلام الموقعين 1 / 116 .




    [43] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 115، وينظر الهداية للمرغيناني 3 / 135 .




    [44] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 117




    [45] ينظر: المرجع السابق 1 / 117 .




    [46] ينظر: المرجع السابق 1 / 118 .




    [47] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 409




    [48] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 117 .




    [49] ينظر: المرجع السابق 1 / 118 .




    [50] ينظر في سبب الخلاف: بداية المجتهد 2 / 542، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 403، وأضواء البيان للشنقيطي 6 / 89 .




    [51] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 403، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2 / 300 .




    [52] ينظر: الإحكام للآمدي 2 / 300، وروضة الناظر لابن قدامة 1 / 134 .




    [53] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 115 .




    [54] إعلام الموقعين 1 / 115 .




    [55] ينظر: المرجع السابق 1 / 115 وما بعدها، والحدود والتعزيرات عند ابن القيم للدكتور بكر أبو زيد ص227.




    [56] أضواء البيان 6 / 91، 92 .




    [57] (75) إعلام الموقعين 1 / 114 .




    [58] ينظر: المرجع السابق ، ودفع الإيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للمؤلف نفسه 10 / 38 .




    [59] أضواء البيان 6 / 92 .




    [60] ينظر: أحكام القرآن 3 / 402 وما بعدها .




    [61] ينظر: إعلام الموقعين 1 / 114 وما بعدها ، والحدود والتعزيرات عند ابن القيم ص241 .




    [62] ينظر: الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ص241 .




    [63] بدائع الصنائع للكاساني 6 / 412 .







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,464

    افتراضي رد: حكم شهادة القاذف

    حكم شهادة القاذف (2-2)
    الملتقى الفقهي


    المسألة الرابعة: حكم شهادة القاذف قبل حده :

    للقاذف قبل أن يحد بسبب قذفه من حيث قبول شهادته وعدمه حالتان:

    الأولى: أن يتوب قبل إقامة الحد عليه . الثانية: أن لا يتوب ولم يكن الحد قد أقيم عليه .

    أما الحالة الأولى، فلا خلاف بين العلماء في قبول شهادته .

    لأن المالكية والشافعية والحنابلة قد صرحوا بقبول شهادته في هذه الحالة[1].

    وهو مذهب الحنفية كذلك، لأنهم يرون قبول شهادته في هذه الحالة ولو لم يتب، كما سيأتي بيان ذلك، فلأن يقبلوا شهادته بعد توبته من باب أولى[2].

    وأما الحالة الثانية: فقد اختلف العلماء فيها على قولين:

    القول الأول: لا تقبل شهادته، وإلى هذا ذهب بعض المالكية، والشافعية والحنابلة والليث بن سعد[3].

    القول الثاني: تقبل شهادته ، وإلى هذا ذهبت الحنفية والمالكية[4].

    الأدلة:

    استدل القائلون بعدم قبول شهادته بما يلي:

    1/ قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}[5].

    وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة قد علقت على القذف ثلاثة أحكام: الجلد، والفسق، ورد الشهادة، فلما تعلق الجلد بالقذف وجب أن يكون ما ضم إليه وقرن به متعلقاً بالقذف[6].

    2/ أن إقامة الحد تطهير وتكفير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحدود كفارات لأهلها"، فلم يجز أن يكون تكفير ذنبه موجباً لتغليظ حكمه[7].

    3/ ولأن القذف هو المعصية، والذنب الذي يستحق به العقوبة، وتثبت به المعصية الموجبة لرد الشهادة، والحد كفارة وتطهير، فلا يجوز رد الشهادة به، وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف، فيثبتان جميعاً به، فتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر[8].

    4/ ولأنه لما فسق بالسرقة دون القطع، وبالزنا دون الحد، وجب أن يكون القذف بمثابتهما، لأن الحدود موضوعة لاستيفاء الحقوق[9].

    5/ ولأن فسقه ورد شهادته إنما يتعلق بفعله لا بفعل غيره، والقذف من فعله، والجلد من فعل غيره ، فيجب أن يتعلق بالقذف دون الجلد[10].

    واستدل القائلون بقبول شهادة القاذف بما يلي:

    1/ قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا}[11].

    وجه الاستدلال من وجهين :

    الأول: أن (ثم) تأتي للتراخي، فمعنى قوله تعالى: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} أن القاذف يلحقه الأحكام المرتبة على ذلك إذا عجز عن الإتيان بأربعة شهداء على قذفه ، إذ أن تقدير الآية هو: "ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئك هم الفاسقون" وإنما حكم بفسقه متراخياً عن حال القذف، في حال العجز عن إقامة الشهود، ومن حكم بفسقه بنفس القذف فقد خالف حكم الآية[12].

    الثاني: أن الآية قد علقت رد شهادة القاذف وسائر الأحكام المتضمنة لها على شرطين: القذف، وعدم إتيان أربعة شهداء، فلا تبطل شهادة القاذف إلا بتحققهما معاً، فما دامت إقامة الشهادة على صحة القذف ممكنة، لا يمكن الحكم ببطلان شهادة القاذف، وتبقى شهادته على ما كان عليها غير محكوم ببطلانها، ومن قال ببطلانها بالقذف فقط فقد علق بطلانها على شرط واحد وهذا مخالف لمدلول الآية[13].

    وبالتأمل في هذين الوجهين من الاستدلال يظهر أن نتيجتهما هي: تعليق رد شهادة القاذف على عدم تمكنه من إقامة البينة على صحة قذفه، لأن الشرط الأول قد تحقق فعلاً بالقذف ، وهذا يناقش من وجهين:

    الأول: أنه يجعل من رد شهادة القاذف، وسائر الأحكام التي تضمنتها الآية أمراً مستحيلاً ، إذ أن إمكان إقامة البينة يبقى أمراً قائماً باستمرار، وبإمكان القاذف أن يدعي ذلك على الدوام .

    الثاني: أنه يقتضي توقف رد شهادة القاذف على عدم تمكنه من إقامة البينة، لا على إقامة الحد عليه، وهذا رجوع عن توقف رد شهادته على إقامة الحد.

    2/ قوله تعالى: {لولا جاء عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}[14].

    قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في وجه الاستدلال من الآية: "فلم يحكم بكذبهم بنفس القذف فقط، بل إذا لم يأتوا بالشهداء ، ومعلوم أن المراد إذا لم يأتوا بالشهداء عند الخصومة في القذف، فغير جائز إبطال شهادته قبل وجود هذه الشريطة، وهو عجزه عن إقامة البينة بعد الخصومة في حد القذف عند الإمام، إذ كان الشهداء إنما يقيمون الشهادة عند الإمام فمن حكم بتفسيقه وأبطل شهادته بنفس القذف فقد خالف الآية" [15].

    والحقيقة أن هذا الاستدلال يجر الحنفية إلى الموافقة على القول المخالف، وذلك لأنه إذا عجز عن إقامة البينة في مجلس الخصومة، ولم يمكن إقامة الحد بسبب آخر غير متعلق بالعجز عن إقامة البينة، ثم ماذا ؟ هل يحكم برد شهادته بمجرد عجزه عن إقامة البينة، ولكن الحنفية يقولون بتوقف رد شهادته على إقامة الحد.

    فيقال في مناقشة استدلال العلامة أبي بكر الجصاص: أن من حكم بقبول شهادته بعد عجزه عن إقامة الشهادة، فقد علق رد شهادته على ثلاثة شروط فخالف الآية كذلك، لأنه أتى بشرط ثالث وهو إقامة الحد ولم تتضمنه الآية.

    3/ ما روى الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف"[16] .

    وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببقاء عدالة القاذف مالم يحد[17].

    ويناقش بأن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة[18].

    4/ أن حال القاذف لا يخلو من أن يكون محكوماً بكذبه وبطلان شهادته بنفس القذف أو يكون محكوماً بكذبه بإقامة الحد عليه، لو كان محكوماً بكذبه بنفس القذف، فبذلك تبطل شهادته ، ويجب أن لا تقبل بينته على الزنا بعد ذلك، إذ قد وقع الحكم بكذبه، والحكم بكذبه في قذفه حكم ببطلان شهادة من شهد بصدقه في كون المقذوف زانياً[19].

    ويناقش بأن هناك أمراً ثالثاً، وهو التوقف حتى يتبين حاله .

    الموازنة والترجيح :

    ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو أن يقال بالتفصيل الآتي:

    1/ إذا كان قد عجز القاذف عن إقامة البينة على صحة ما اتهم به المقذوف، ولم يحد القاذف لسبب غير متعلق بثبوت القذف، كعفو المقذوف مثلاً، فلا تقبل شهادته في هذه الحالة .

    وذلك لأنه قد تبين كذبه وفسقه فلا تقبل شهادته، ولما ذكر الشافعية والحنابلة من الأدلة على قولهم، فأدلتهم يحمل على هذه الحالة، ولورود المناقشة على أدلة قول الحنفية ومن معهم .

    2/ أما إذا لم يحكم بكذب القاذف، ولا بعجزه عن إقامة البينة المعتبرة على صحة قذفه، فيقال بالتوقف حتى يتبين حاله، وذلك لاحتمال أن يتمكن من تحقيق قذفه، لدلالة الآية الواضحة على قبول شهادته فيما لو استطاع تحقيق قذفه، ولإجماع العلماء على ذلك ، والله تعالى أعلم .

    ثمرة الخلاف :

    ومما يمكن أن يمثل به ثمرة الخلاف هنا، أنه لو فرض أن شخصاً سرق مالاً من محل تجاري مثلاً ، ولم يشاهده إلا رجلين أحدهما عليه قضية في المحكمة بتهمة القذف ولم يبت في قضيته، ولم يرجع هو عن قوله ولم يتب، فهل تقبل شهادته ؟

    فعلى قول الشافعية والحنابلة وبعض المالكية لا تقبل شهادته، وعلى قول الحنفية والمالكية تقبل شهادته، وعلى القول الراجح يتوقف في ذلك حتى يتبين حاله ويبت في قضيته، ثم تقبل أو ترفض شهادته بناء على ذلك .

    المسألة الخامسة : ما تتحقق به توبة القاذف :

    لقد عرفنا أن جمهور العلماء ذهبوا إلى قبول شهادة القاذف بعد توبته، فبماذا تتحقق هذه التوبة ، هل تختلف عن التوبة من غيره من الذنوب والمعاصي ؟

    للإجابة على هذا السؤال اختلف أهل العلم على أربعة أقوال :

    القول الأول: أن توبة القاذف تتحقق بإصلاح حاله وإكذاب نفسه فيما رمى به المقذوف والندم على فعله، وبهذا قال الإمام الشافعي، وهو مذهب الشافعية، وظاهر كلام الإمام أحمد والخرقي، كما قال ابن قدامة، وقول سعيد ابن المسيب وعطاء وطاوس والشعبي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور[20].

    القول الثاني: أن توبة القاذف تتحقق بإصلاح نفسه وإحسان حاله، ويكفيه الندم على ما فعله والاستغفار، ولا يلزم إكذاب نفسه، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم ومنهم الإمام مالك ، وهو قول بعض الشافعية[21].

    القول الثالث: إذا كان القذف سباً فالتوبة منه إكذاب نفسه، وإذا كان شهادة فالتوبة منه أن يقول القذف حرام وباطل ولن أعود إلى ما قلت، وهذا هو مذهب الحنابلة ، وبه قال بعض الشافعية [22].

    القول الرابع: أن القاذف إذا علم من نفسه الصدق فيما قذف به، فتوبته الاستغفار والإقرار ببطلان ما قاله وتحريمه، وأنه لا يعود إلى مثله، وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه، سواء كان القذف بشهادة أو سب، واختار هذا القول ابن قدامة[23].

    الأدلة:

    استدل أصحاب القول الأول بما يلي :

    1/ قول الله تعالى: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [24].

    وجه الاستدلال: أن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أن القاذف كاذب في حكم الله تعالى إذا لم يأت بأربعة شهداء على صحة ما نسبه لغيره حتى لو كان صادقاً في حقيقة الأمر[25].

    2/ ما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} "توبته إكذاب نفسه"[26] .

    وهذا الحديث إن صح فهو نص صريح في اشتراط إكذاب القاذف نفسه لصحة توبته[27].

    3/ ولأن عرض المقذوف تلوث بقذفه، فإكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث فتكون التوبة به[28].

    واستدل أصحاب القول الثاني بأنه يحتمل أن يكون القاذف صادقاً في اتهامه للمقذوف، إلا أنه لم يتمكن من إقامة البينة المعتبرة على صحة قوله، فلو قلنا باشتراط تكذيب نفسه، يكون عاصياً بتكذيب نفسه وهو صادق[29].

    ونوقش بأن احتمال كونه صادقاً في مقالته لا اعتبار له، لأنه كاذب في حكم الله وإن كان صادقاً في نفس الأمر[30]، بدليل قوله تعالى: {فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} .

    واستدل أصحاب القول الثالث للشق الثاني من قولهم بأن القاذف قد يكون صادقاً في مقالته فلا يؤمر بالكذب، والخبر الذي استدل به أصحاب القول الأول حملوه على الإقرار بالبطلان، لأنه نوع من الإكذاب[31]. واستدلوا للشق الأول من قولهم بأن القاذف إذا لم يستطع إثبات قذفه فهو كاذب في حكم الله تعالى وإن كان صادقاً في نفس الأمر.

    ويناقش بأنه كاذب حكماً وإن كان يحتمل أن يكون صادقاً في الواقع، وأما الإقرار بالبطلان فلا يكفي لنفي العار عن المقذوف .

    واستدل أصحاب القول الرابع للشق الأول من قولهم بأن الله تعالى سمى القاذف كاذباً إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق، فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله ، وإن كان في نفس الأمر صادقاً ، فليس هناك ما يمنع من الإقرار ببطلان قوله[32].

    ويناقش بأن هذا يقتضي أن تكون التوبة بالإكذاب .

    واستدلوا للشق الثاني من قولهم بأنه قد يكون كاذباً في الشهادة وصادقاً في السب .

    الترجيح :

    ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول، لقوة أدلته، ولأنه لا يزول العار عن المقذوف إلا أن يكذب القاذف نفسه ، ولا محظور من إكذاب نفسه، للدلالة الصريحة للآية الكريمة على ذلك، ولأنه لا تتحقق المقصود من التوبة إلا بذلك .

    هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .

    الخاتمــة

    الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، والصلاة والسلام على رسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين . وبعد

    فهذه أهم نتائج هذا البحث :

    - القذف هو الرمي بالزنا أو نفي نسب موجب للحد فيهما .

    - القاذف إذا حد للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك قبل التوبة .

    - تقبل شهادة القاذف على قول جمهور الفقهاء بعد الحد والتوبة .

    - تقبل شهادة القاذف بعد توبته وقبل إقامة الحد عليه .

    - إذا عجز القاذف عن إقام البينة على صحة ما اتهم به المقذوف ولم يحد القاذف لسبب غير متعلق بثبوت القذف، كعفو المقذوف فلا تقبل شهادته في هذه الحالة .

    - إذا لم يحكم بكذب القاذف، ولا بعجزه عن إقامة البينة المعتبرة على صحة قذفه يتوقف عن قبول شهادته حتى يتبين حاله .

    - تتحقق توبة القاذف بإصلاح حاله وإكذاب نفسه فيما رمى به المقذوف والندم على فعله .

    وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين








    [1] أحكام القرآن لابن العربي 3 / 1337، وينظر: المغني 14 / 189، والحاوي 17 / 25.




    [2] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 399 .




    [3] ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12 / 182، والمغني 14 / 189، والحاوي 17 / 25، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 399 .




    [4] أحكام القرآن للجصاص 3 / 399، والمغني 14 / 189




    [5] سورة النور الآية 4 .




    [6] ينظر: الحاوي 17 / 25 ، والمغني 14 / 190 .




    [7] ينظر: الحاوي 17 / 25 .




    [8] ينظر: المغني 14 / 190، 191 .




    [9] ينظر: الحاوي 17 / 25 .




    [10] ينظر: المرجع السابق 17 / 25 .




    [11] ينظر: سورة النور الآية 4 .




    [12] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 400 .




    [13] ينظر: المرجع السابق 3 / 400




    [14] سورة النور الآية 13 .




    [15] أحكام القرآن 3 / 401 .




    [16] ذكره الجصاص بالسند المذكور في أحكام القرآن 3 / 401 .




    [17] أحكام القرآن للجصاص 3 / 401 .




    [18] وضعفه بسبب حجاج بن أرطأة ، ينظر: تهذيب التهذيب لابن حجر 1 / 502 .




    [19] ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3 / 400




    [20] ينظر: الحاوي 17 / 32، والمغني 14 / 191




    [21] ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12 / 179، والمهذب 5 / 624 .




    [22] ينظر: المغني 14 / 191 .




    [23] ينظر: المغني 14 / 192 .




    [24] سورة النور الآية 13 .




    [25] ينظر: النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 2 / 16 .




    [26] وقال عنه الحافظ ابن حجر: "لم أره مرفوعاًب تلخيص الحبير 4 / 304.




    [27] ينظر: النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 2 / 16 .




    [28] ينظر: المغني 14 / 191 .




    [29] ينظر: المغني 14 / 191 ، والمهذب 5 / 624 .




    [30] ينظر: المغني 14 / 192، والنظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 2 / 16 .




    [31] ينظر: المغني 14 / 192 .




    [32] ينظر: المغني 14 / 192 .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •