أولًا: معنى القاعدة:
معنى هذه القاعدة: أنَّ تصرُّفات المكلَّف؛ سواء الفعلية، أو القولية، أو الاعتقادية تختلف أحكامها الشرعية باختلاف إرادته ونيَّته.
والنيَّة نيَّتان:
الأولى: نيَّة: العمل.
الثانية: نيَّة المعمول له.
أو نيَّة العبادة، ونيَّة المعبود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «النِّيَّة المعهودة في العبادات تشتمل على أمرين:
1- على قصد العبادة.
2- وقصد المعبود.
وقصد المعبود هو الأصل الذي دلَّ عليه قوله سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وقول النبي ﷺ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ»؛ فإنه ﷺ ميَّز بين مقصودٍ ومقصودٍ.
وأما قصد العبادة؛ فقصْدُ العمل الخاص؛ فإنَّ مَن أراد الله والدار الآخرة بعمله فقد يريده بصلاة، وقد يريده بحج؛ فهذا القصد الثاني؛ مثل قصد الصلاة دون الصوم، ثم صلاة الظهر دون صلاة العصر، ثم الفرض دون النفل؛ وهذه النِّيَّة التي تُذْكر غالبًا في كتب الفقه المتأخرة.
وكل واحدة من النِّيَّتين فرضٌ في الجملة؛ أما الأولى؛ فبها يتميز من يعبد الله مخلصًا له الدين ممن يعبد الطاغوت أو يشرك بعبادة ربه، ومَن يريد حرث الآخرة ممن يريد حرث الدنيا.
وأما النِّيَّة الثانية؛ فبها تتميز أنواع العبادات وأجناس الشرائع؛ فيتميز المصلي مِن الحاج والصائم، ويتميز من يصلي الظهر ويصوم قضاء رمضان ممن يصلي العصر ويصوم شيئًا من شوال، ويتميز من يتصدق عن زكاة ماله ممن يتصدق من نذر عليه أو كفارة»اهـ([1]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «والنِّيَّة نيَّتان: الأولى: نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله أنها هي المصححة للعمل.
الثانية: نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك؛ لأنها تتعلق بالإخلاص.
مثاله: عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل، فهذه نية العمل، لكن إذا نوى الغسل تقربًا إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نية المعمول له، أي: قصد وجهه سبحانه وتعالى»اهـ([2]).
وقال - أيضًا - رحمه الله: «وتنقسم إلى قسمين: نِيَّة المعمول له، ونِيَّة العمل.
أما نيَّة العمل فهي التي يتكلم عنها الفقهاء؛ لأنهم إنما يقصدون من النِّيَّةِ النِّيَّةَ التي تتميز بها العبادة عن العادة، وتتميز بها العبادات بعضها عن بعض.
وأما نية المعمول له فهي التي يتكلم عليها أرباب السلوك؛ فتذكر في التوحيد، وهي أعظم من الأولى، فَنِيَّة المعمول له أهم من نيَّة العمل؛ لأن عليها مدار الصحة، قال تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»([3]).
ونِيَّة العمل تتميز بها العبادات من غير العبادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ فينوي أن هذه عبادة، وينوي أنها صلاة، وينوي أنها فريضة، أو نافلة، وهكذا»اهـ([4]).
[1])) «مجموع الفتاوى» (26/ 23- 25)، مختصرًا.
[2])) «الشرح الممتع» (1/ 357، 358).
[3])) أخرجه مسلم (2985).
[4])) «الشرح الممتع» (2/ 290).