تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    أولًا: معنى القاعدة:
    معنى هذه القاعدة: أنَّ تصرُّفات المكلَّف؛ سواء الفعلية، أو القولية، أو الاعتقادية تختلف أحكامها الشرعية باختلاف إرادته ونيَّته.
    والنيَّة نيَّتان:
    الأولى: نيَّة: العمل.
    الثانية: نيَّة المعمول له.
    أو نيَّة العبادة، ونيَّة المعبود.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «النِّيَّة المعهودة في العبادات تشتمل على أمرين:
    1- على قصد العبادة.
    2- وقصد المعبود.
    وقصد المعبود هو الأصل الذي دلَّ عليه قوله سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وقول النبي ﷺ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ»؛ فإنه ﷺ ميَّز بين مقصودٍ ومقصودٍ.
    وأما قصد العبادة؛ فقصْدُ العمل الخاص؛ فإنَّ مَن أراد الله والدار الآخرة بعمله فقد يريده بصلاة، وقد يريده بحج؛ فهذا القصد الثاني؛ مثل قصد الصلاة دون الصوم، ثم صلاة الظهر دون صلاة العصر، ثم الفرض دون النفل؛ وهذه النِّيَّة التي تُذْكر غالبًا في كتب الفقه المتأخرة.
    وكل واحدة من النِّيَّتين فرضٌ في الجملة؛ أما الأولى؛ فبها يتميز من يعبد الله مخلصًا له الدين ممن يعبد الطاغوت أو يشرك بعبادة ربه، ومَن يريد حرث الآخرة ممن يريد حرث الدنيا.
    وأما النِّيَّة الثانية؛ فبها تتميز أنواع العبادات وأجناس الشرائع؛ فيتميز المصلي مِن الحاج والصائم، ويتميز من يصلي الظهر ويصوم قضاء رمضان ممن يصلي العصر ويصوم شيئًا من شوال، ويتميز من يتصدق عن زكاة ماله ممن يتصدق من نذر عليه أو كفارة»اهـ([1]).
    وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «والنِّيَّة نيَّتان: الأولى: نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله أنها هي المصححة للعمل.
    الثانية: نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك؛ لأنها تتعلق بالإخلاص.
    مثاله: عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل، فهذه نية العمل، لكن إذا نوى الغسل تقربًا إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نية المعمول له، أي: قصد وجهه سبحانه وتعالى»اهـ([2]).
    وقال - أيضًا - رحمه الله: «وتنقسم إلى قسمين: نِيَّة المعمول له، ونِيَّة العمل.
    أما نيَّة العمل فهي التي يتكلم عنها الفقهاء؛ لأنهم إنما يقصدون من النِّيَّةِ النِّيَّةَ التي تتميز بها العبادة عن العادة، وتتميز بها العبادات بعضها عن بعض.
    وأما نية المعمول له فهي التي يتكلم عليها أرباب السلوك؛ فتذكر في التوحيد، وهي أعظم من الأولى، فَنِيَّة المعمول له أهم من نيَّة العمل؛ لأن عليها مدار الصحة، قال تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»([3]).
    ونِيَّة العمل تتميز بها العبادات من غير العبادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ فينوي أن هذه عبادة، وينوي أنها صلاة، وينوي أنها فريضة، أو نافلة، وهكذا»اهـ([4]).


    [1])) «مجموع الفتاوى» (26/ 23- 25)، مختصرًا.

    [2])) «الشرح الممتع» (1/ 357، 358).

    [3])) أخرجه مسلم (2985).

    [4])) «الشرح الممتع» (2/ 290).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    يُتبع إن شاء الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    ثانيًا: أدلة القاعدة:
    أعظم ما استدل به الفقهاء على هذه القاعدة هو حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
    وفي لفظ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»([1]).
    وقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)﴾ [البقرة: 225].
    وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)﴾ [النحل: 106].
    وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)﴾ [النساء: 100].
    وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5].
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»([2]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»([3]).
    وَعَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ»([4]).
    وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»([5]).
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ([6]).
    وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»([7]).
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ»([8]).
    وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»([9]).
    وَقَالَ مُعَاذٌ لِأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي([10]).
    وأدَّله هذه القاعدة كثيرة في الكتاب والسُّنَّة.


    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1) و(3898)، ومسلم (1907).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2118)، ومسلم (2883).

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2783)، ومسلم (1353).

    [4])) أخرجه البخاري (1422).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (56)، ومسلم (1628).

    [6])) أخرجه مسلم (2564).

    [7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (31)، ومسلم (2888).

    [8])) أخرجه مسلم (1905).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904).

    [10])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4344)، ومسلم (1733).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    ثالثًا: تطبيقات على القاعدة:
    1- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «قوله: «أو شرب دواء مباح»: أفادنا أنه إذا زال عقله بشيء مُحرَّم؛ كما لو شرب مُسكِرًا متعمدًا، فإنه يؤاخَذ بأقواله، فحكمه حكم الذي معه عقله، فإذا طلَّق وقع الطلاق، وإذا أقَرَّ بمال ثبت عليه ما أقَرَّ به، وإذا ارتَدَّ ثبت عليه حُكْمُ المرتد، وقُتِل، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد؛ والصحيح خلاف ذلك، وهو أن مَن شرب مسكرًا مع التحريم فإنه لا يعزَّر بأكثر مما جاءت به الشريعة، وهو أن يُجلد أربعين جلدة، أو ثمانين جلدة، أو أكثر حسب ما يكون به ردع الناس عن هذا الشراب المُحَرَّم، وأما أن نؤاخذه بأقواله، وأفعاله، وهو لا يعقل فلا يمكن.
    واختلف العلماء في فِعْلِه، هل يؤاخذ به؟
    والصواب أنَّ فِعْلَه كفعل المخطئ، لا كفعل المتعمد؛ فلو قتل إنسانًا لَمْ يُقْتَص منه؛ لأنه لا عقل له، ولكن تؤخذ منه الدية؛ إلا إذا علمنا أنه تناول المسكر لتنفيذ فِعْلِه؛ فإنه يؤاخذ به: يعني: لو فرضنا أنَّ هذا الرجل يريد أن يقتل شخصًا، فقال: إنْ قَتَلتُه وأنا عاقل قتلوني به، ولكن أشرب مسكرًا وأقتله، وأنا سكران، ففي هذه الحال نقول: إنه يقتل؛ لأنه سِكَر من أجل الوصول إلى العمل المُحرَّم؛ والعبرة في الأمور بمقاصدها؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»اهـ([1]).
    2- وقال - أيضًا - رحمه الله: «يجوز له أن يؤخِّر الزكاة من أجل أن يتحرَّى مَن يستحقها؛ لأن الأمانة ضاعت في وقتنا الحاضر، وحب المال ازداد؛ فتأخير الزكاة حتى يتحرَّى من يستحقها جائز؛ لأن في ذلك مصلحة المستحق؛ والله أعلم بالنيَّات، فقد يتعلل بعض الناس بهذا، وهو يريد أن ينتفع بماله قبل إخراج زكاته، لكن إذا كان في نيته أن يؤخرها من أجل تحري من يستحق، فإنَّ هذا لا بأس به»اهـ([2]).
    3- وقال - أيضًا - رحمه الله: «إخراج المال يكون للزكاة الواجبة، والصدقة المستحبة، ويكون هَديَّة، ويكون ضمانًا لِمُتلَف، ولا يُحدِّد نوع الإخراج إلا النيَّة؛ فلا بد من النية عند إخراج الزكاة، فينوي إخراجها من ماله المعيَّن، فإذا كانت عروض تجارة نواها عروض تجارة، وإن كانت نقدية نواها نقدية، وهكذا.
    وبناء على هذا لو أخرج رجل الزكاة عن آخر بدون توكيل فإنها لا تجزئ؛ لعدم وجود النية ممن تجب عليه»اهـ([3]).
    4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والمؤلفة قلوبهم نوعان: كافر ومسلم:
    فالكافر إما أن يرجى بعطيته منفعة؛ كإسلامه؛ أو دفع مضرته إذا لم يندفع إلا بذلك.
    والمسلم المطاع يرجى بعطيته المنفعة أيضًا؛ كحسن إسلامه، أو إسلام نظيره، أو جباية المال ممن لا يعطيه إلا لخوف، أو النكاية في العدو، أو كَفِّ ضرره عن المسلمين إذا لم ينكف إلا بذلك؛ وهذا النوع من العطاء وإن كان ظاهره إعطاء الرؤساء وترك الضعفاء؛ كما يَفعل الملوك؛ فالأعمال بالنيات؛ فإذا كان القصد بذلك مصلحة الدين وأهله؛ كان من جنس عطاء النبي ﷺ وخلفائه، وإن كان المقصود العلو في الأرض والفساد؛ كان من جنس عطاء فرعون؛ وإنما ينكره ذوو الدين الفاسد؛ كذي الخويصرة الذي أنكره على النبي ﷺ حتى قال فيه ما قال، وكذلك حزبه الخوارج أنكروا على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه ما قصد به المصلحة من التحكيم»اهـ([4]).


    [1])) «الشرح الممتع» (14/ 443).

    [2])) «الشرح الممتع» (6/ 190).

    [3])) «الشرح الممتع» (6/ 203، 204).

    [4])) «مجموع الفتاوى» (28/ 290).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    5- وقال شيخ الإسلام - أيضًا - رحمه الله: «فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق؛ فهذا من الأعمال الصالحة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: «فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»، وفي «الصحيحين»، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال له: «إِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَضَعُهَا فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ»، والآثار في هذا كثيرة؛ فالمؤمن إذا كانت له نيَّة أتت على عامة أفعاله، وكانت المباحات من صالح أعماله؛ لصلاح قلبه ونيَّته، والمنافق - لفساد قلبه ونيَّته - يُعاقَب على ما يظهره من العبادات رياء»اهـ([1]).
    6- وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «فأنشأ النِّيَّة من النهار، فدلَّ ذلك على جواز إنشاء النِّيَّة في النفل في أثناء النهار... ولكن هل يثاب ثواب يوم كامل، أو يثاب من النية؟ في هذا قولان للعلماء:
    القول الأول: أنه يثاب من أول النهار؛ لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار.
    القول الثاني: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط؛ فإذا نوى عند الزوال، فأجره أجر نصف يوم.
    وهذا القول هو الراجح؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ وهذا الرجل لَمْ يَنْوِ إلا أثناء النهار؛ فيُحسب له الأجر مِن حين نيَّتِه»اهـ([2]).
    7- وقال - أيضًا - رحمه الله: «إذا نذر عددًا؛ بأن قال: للهِ عليَّ أنْ أعتكف عشرة أيام، أو أسبوعًا أو شهرًا، ولم يعيِّن الأسبوع ولا الشهر؛ فله أن يتابع وهو أفضل، وله أن يفرِّق؛ لأنه يحصل النذر بمطلق الصوم؛ إن كان صومًا، أو بمطلق الاعتكاف؛ إن كان اعتكافًا، وكذلك يلزمه التتابع إذا نواه؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
    والحاصل، أنه إذا نذر عددًا؛ فإما أن يشترط التتابع بلفظه، أو لا، فإن اشترطه، فيلزمه، وإن لم يشترطه فهو على ثلاثة أقسام:
    الأول: أن ينوي التفريق؛ فلا يلزمه إلا مفرقة.
    الثاني: أن ينوي التتابع، فيلزمه التتابع.
    الثالث: أن يطلق فلا يلزمه التتابع، لكنه أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء ذمته»اهـ([3]).
    8- وقال - أيضًا - رحمه الله: «قوله: «أو لم ينوه»: هذا من شروط الطواف؛ فيُشترط لصحته أن ينويه؛ فلو جعل يدور حول الكعبة، ليتابع مدينًا له يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه، لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ وهذا لَمْ يَنْوِ الطواف، بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصحُّ طوافه»اهـ([4]).


    [1])) «مجموع الفتاوى» (28/ 369).

    [2])) «الشرح الممتع» (6/ 359، 360).

    [3])) «الشرح الممتع» (6/ 522).

    [4])) «الشرح الممتع» (7/ 250، 251).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    9- وقال - أيضًا - رحمه الله: «مسألة: جَمْعُ طواف الإفاضة وطواف الوداع لا يخلو من ثلاث حالات:
    الأولى: أن ينوي طواف الإفاضة فقط.
    الثانية: أن ينويهما جميعًا.
    الثالثة: أن ينوي طواف الوداع فقط.
    والصورة التي ذكرها المؤلف هي الصورة الأولى فقط.
    فالصورة الأولى: إذا نوى طواف الإفاضة ولم يكن عنده نيَّة طواف الوداع، فيجزئ كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد.
    والصورة الثانية: إذا نواهما جميعًا؛ فيجزئ أيضًا؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
    والصورة الثالثة: إذا نوى طواف الوداع فقط، ولَمْ يَنْوِ طواف الإفاضة، فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة ولا عن طواف الوداع.
    وهذه مسألة يجب أن يُنبَّه الناس عليها؛ لأن أكثرهم إذا أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج نوى الوداع فقط، ولا طرأ على باله طواف الإفاضة، فنقول في هذه الحال: إنه لا يجزئه؛ لأن طواف الإفاضة ركن، وطواف الوداع واجب فهو أعلى منه، ولا يجزئ الأدنى من الأعلى»اهـ([1]).
    10- وقال - أيضًا - رحمه الله: «مسألة: لو أنه خاف أن يفسخ البيع، فهل يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله؟
    الجواب: في مفارقته المكان إسقاط لحق أخيه الذي جعله الشرع له.
    فإن قال قائل: الحديث عام: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، وليس فيه تفصيل.
    قلنا: المراد التفرُّق الذي لم يقصد به إسقاط حق الآخر، فإن قصد به إسقاط حق الآخر؛ فالأعمال بالنيات»اهـ([2]).
    11- وقال - أيضًا - رحمه الله: «إذا قال الإنسان لمدخول بها، وهي التي تلزمها العدة سواء جامعها، أو خلا بها، فإذا قال لها: أنت طالق، وكرَّره وقع العدد، فإن كرَّره مرتين، وقع طلقتين، وإن كرَّره ثلاثًا، فثلاث طلقات، واعلم أن هذه المسألة تارة يكرر الجملة كلها، وتارة يكرر الخبر وحده؛ فإنْ كرَّر الجملة: أنت طالق، أنت طالق، يقع العدد، وإن كرر الخبر فقط فقال: أنت طالق، طالق، طالق، فإنه واحدة، ما لم ينو أكثر.
    وكثير من طلبة العلم يغلطون في هذه المسألة، يظنون أن تكرار الخبر كتكرار الجملة، وليس كذلك، فإذا قال: أنت طالق طالق طالق فإنه يقع على المذهب واحدة، ما لم ينو أكثر؛ فإن نوى أكثر فالأعمال بالنيات.
    إذًا، فالتكرار له وجهان:
    الأول: أن يكون تكرار جملة، فيقع الطلاق بعدد التكرار.
    الثاني: أن يكون تكرار خبر فقط، فيقع واحدة ما لم ينو أكثر، فإن نوى أكثر وقع حسب التكرار»اهـ([3]).
    12- وقال - أيضًا - رحمه الله: «أن يقول لزوجته: إن خرجتِ من البيت فأنت طالق، فيحتمل أنه أراد الشرط، بمعنى أن امرأته إذا خرجت طابت نفسه منها، ووقع عليها طلاقه، وحينئذ يكون مريدًا للطلاق؛ فإذا خرجت من البيت طُلِّقَت.
    الاحتمال الثاني: أن لا يكون قصده إيقاع الطلاق، بل هو راغب في زوجته ولو خرجت، ولا يريد طلاقها، لكنه أراد بهذا أن يمنعها من الخروج، فعلَّقه على طلاقها تهديدًا، فإذا خرجت في هذه الحال فإنها لا تُطلَّق؛ لأن هذا يراد به اليمين، وقد قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وجعل الله عز وجل التحريم يمينًا؛ لأن المُحَرِّم يريد المنع أو الامتناع من الشيء، فدلَّ هذا على أن ما قُصِدَ به الامتناع؛ وإن لم يكن بصيغة القسم؛ فإنَّ حُكْمَه حُكْمُ اليمين»اهـ([4]).


    [1])) «الشرح الممتع» (7/ 370، 371).

    [2])) «الشرح الممتع» (8/ 268).

    [3])) «الشرح الممتع» (13/ 98).

    [4])) «الشرح الممتع» (13/ 126).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    رابعًا: قواعد مندرجة تحت هذه القاعدة:
    1- (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني).
    وهذه القاعدة هي نفس القاعدة الأم، ولكنَّ هذه مختصَّة بالعقود؛ وقد اختُصَّت العقود بالكلام عنها بهذه القاعدة على حدة؛ لأنَّ العلماء قد اختلفوا في الحُكْم بالمقاصد في العقود؛ فقال بعضهم: العبرة في العقود بالألفاظ والمباني، لا بالمقاصد والمعاني.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما العقود من المعاملات المالية والنكاحية وغيرها فنذكر فيها قواعد جامعة عظيمة المنفعة؛ فإن القول فيها كالقول في العبادات؛ فمن ذلك «صفة العقود»؛ فالفقهاء فيها على ثلاثة أقوال:
    أحدها: أن الأصل في العقود أنها لا تصح إلا بالصيغة وهي العبارات التي قد يخصها بعض الفقهاء باسم الإيجاب والقبول؛ سواء في ذلك البيع، والإجارة، والهبة، والنكاح، والعتق، والوقف، وغير ذلك.
    القول الثاني: أنها تصحُّ بالأفعال فيما كثُر عقده بالأفعال؛ كالمبيعات بالمعاطاة، وكالوقف؛ في مثل من بنى مسجدًا، وأذِنَ للناس في الصلاة فيه، أو سَبَّل أرضًا للدفن فيها، أو بنى مطهرة وسبَّلها للناس؛ وكبعض أنواع الإجارة؛ كمن دفع ثوبه إلى غسَّال، أو خياط يعمل بالأجرة، أو ركب سفينة ملَّاح.
    القول الثالث: انها تنعقد بكل ما دلَّ على مقصودها من قول أو فعل؛ فكل ما عدَّه الناس بيعًا وإجارة فهو بيع وإجارة؛ وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حَدٌّ مستمر؛ لا في شرع ولا في لغة؛ بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس؛ كما تتنوع لغاتهم؛ فإن لفظ البيع والإجارة في لغة العرب ليس هو اللفظ الذي في لغة الفرس أو الروم أو الترك أو البربر أو الحبشة؛ بل قد تختلف أنواع اللغة الواحدة ولا يجب على الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات، ولا يحرم عليهم التعاقد بغير ما يتعاقد به غيرهم؛ إذا كان ما تعاقدوا به دالًّا على مقصودهم.
    مثل تجهيز الزوجة بمال يُحمل معها إلى بيت زوجها إذا كانت العادة جارية بأنه عطية لا عاريَّة، وأما النكاح فقال هؤلاء؛ كابن حامد والقاضي وأصحابه مثل أبي الخطاب وعامة المتأخرين: إنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج، كما قاله الشافعي؛ بناء على أنه لا ينعقد بالكناية؛ لأن الكناية تفتقر إلى نيَّة والشهادة شرط في صحة النكاح، والشهادة على النيَّة غير ممكنة، ومنعوا من انعقاد النكاح بلفظ الهبة أو العطية أو غيرهما من ألفاظ التمليك...
    وقد نصَّ أحمد في المشهور عنه على أن النكاح ينعقد بقوله لأَمَتِه: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك...
    ولهذا جعلا الكنايات في الطلاق والقذف ونحوهما مع دلالة الحال كالصريح؛ ومعلوم أن دلالات الأحوال في النكاح معروفة؛ مِن اجتماع الناس لذلك، والتحدث بما اجتمعوا له فإذا قال بعد ذلك: ملكتكها لك بألف درهم، علم الحاضرون بالاضطرار أن المراد به الإنكاح.
    فهذه الأمور التي اعتبرها الشارع في الكتاب، والسُّنَّة، والآثار حِكْمَتُها بيِّنة؛ فأما التزام لفظ مخصوص فليس فيه أثر ولا نظر؛ وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن العقود تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول الشريعة، وهي التي تعرفها القلوب»اهـ([1]).
    وقال - أيضًا - رحمه الله: «الطلاق لم يجعل الشارع له لفظًا معينًا؛ بل إذا وقع الطلاق بأي لفظ يحتمله وقع عند الصحابة والسلف وعامة العلماء لم ينازع في ذلك إلا بعض متأخري الشيعة والظاهرية؛ ولا يُعرف في ذلك خلاف عن السلف؛ فإذا قال: فارقتك، أو سرَّحتك، أو سيَّبتك؛ ونوى به الطلاق، وقع، وكذلك سائر الكنايات؛ فإذا أتى بهذه الكنايات مع العِوَض مثل أن تقول له: سَرِّحني أو سيِّبني بألف، أو فارقني بألف، أو خَلِّني بألف؛ فأي فرق بين هذا وبين أن تقول: فادني بألف، أو اخلعني بألف، أو افسخ نكاحي بألف؛ وكذلك سائر ألفاظ الكنايات، مع أن لفظ الخلع والفسخ إذا كان بغير عِوض ونوى بهما الطلاق وقع الطلاق رجعيًّا؛ فهما من ألفاظ الكناية في الطلاق»اهـ([2]).
    وسئل شيخ الإسلام رحمه الله، عن رجل قال لامرأته: أنت عليَّ مثل أمي وأختي؟
    فأجاب:
    «إن كان مقصوده أنت عليَّ مثل أمي وأختي في الكرامة، فلا شيء عليه، وإن كان مقصوده يشبهها بأُمِّه وأخته في باب النكاح، فهذا ظهار؛ عليه ما على المظاهر؛ فإذا أمسكها فلا يقربها حتى يُكَفِّر كفارة ظهار»اهـ([3]).
    وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «قوله: «وليتك الحُكْم، أو قَلَّدتك، ونحوه»: أي: ما يشبهه مما يدل على التولية، فلو قال مثلًا: نصَّبْتُك قاضيًا في المكان الفلاني، انعقدت الولاية، ولو قال: جعلتك حاكمًا في البلد الفلاني، كذلك؛ وذلك لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فالألفاظ جُعِلَت قوالب للمعاني؛ فكل ما دَلَّ على المعنى فهو مما تنعقد به العقود، وليس هناك لفظ يُتَعَبَّد به بحيث لا يجزئ الناس إلا العقد به، حتى النكاح على القول الصحيح، فكل لفظ يدل على العقد فإنَّ العقد ينعقد به»اهـ([4]).
    وقال - أيضًا - رحمه الله: «الصلح على إقرار، وقد بيَّنه المؤلف رحمه الله بقوله: «إذا أقَرَّ له بدَيْن أو عين فأسقط أو وهب البعض وترك الباقي، صَحَّ»: بأن قال حينما أقَرَّ له بمئة ريال: أسقطتُّ عنك خمسين ريالًا، صَحَّ؛ لأن هذا إبراء محض وإحسان ومطلوب، ولكن قد يقال: أين هذا من الصلح؟ فهل حصل نزاع حتى يحصل صلح؟! الجواب: الفقهاء يقولون: لو وقع هذا بلفظ الصلح لم يصح، وهذا وجه إدخاله في باب الصلح، فلو أن صاحب الحق قال للمقر: قد صالحتك على بعض الدَّين، يقولون: لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يصالحه عن ماله ببعضه؛ لكن القول الثاني أنه يصح بلفظ الصلح؛ لأن المقصود المعنى... فإذا فُهِم من هذه المصالحة أنها إسقاط في دَين، أو هبة في عين، فينبغي قبول ذلك؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فإذا علمنا أن مرادهما بالمصالحة: الهبة في العين، والإسقاط في الدين، فلا مانع؛ صحيح أن المصالحة لا تكون إلا بعد نزاع، ولا تكون إلا لفض النزاع، وهنا لا نزاع في المسألة؛ لأنه إقرار وهبة، لكن يقال: ما دمنا عرفنا أن المقصود بالمصالحة هنا: الإسقاط في الدين، والهبة في العين، فإن الألفاظ قوالب في الواقع، والعبرة بالمعاني»اهـ([5]).


    [1])) «مجموع الفتاوى» (29/ 5- 13)، مختصرًا.

    [2])) «مجموع الفتاوى» (32/ 302).

    [3])) «مجموع الفتاوى» (24/ 5).

    [4])) «الشرح الممتع» (15/ 262).

    [5])) «الشرح الممتع» (9/ 227- 231).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    2- (اليمين على نيَّة الحالف إذا احتملها اللفظ).
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «قوله: «يُرجع في الأيمان إلى نيَّة الحالف»: والدليل على ذلك الكتاب والسُّنَّة، أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: 89]؛ ووجه الدلالة من الآية: أنه إذا رجع إلى النيَّة في أصل اليمين، هل هي يمين منعقدة أو غير منعقدة؟ فلأن يرجع إليها في المراد باليمين من باب أولى.
    وأما من السُّنَّة فقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وما أعظم هذا الحديث.
    لكن اشترط المؤلف: «إذا احتملها اللفظ»؛ يعني: بأنْ كان هذا اللفظ يمكن أن يُراد به ما نواه الحالف، فإنْ لَمْ يمكن لَمْ يُقْبَل منه؛ لأن هذه النِّيَّة معاندة للفظ مضادة له، فلا تقبل.
    مثال النِّيَّة التي يحتملها اللفظ: إذا قال: والله لا أنام الليلة إلا على فراش ليِّن، فخرج ونام في الصحراء على الرمل، فلما أصبح قيل له: كَفِّر، فقال: لا أُكَفِّر؛ لأني نويت بالفراش الأرض، فيصِحُّ هذا؛ لأن اللفظ يحتمله، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ [البقرة: 22].
    ولو قال: والله لأبيتن الليلة على وتد، فذهب إلى جبل وبات عليه، فقلنا له: كَفِّر، فقال: لقد بِتُّ على الوتد، وقد أردت بالوتدِ الجبلَ، فلا شيء عليه؛ لأن اللفظ يحتمله.
    ولو حلف ألا ينام إلا تحت سقف، ثم خرج إلى البَرِّ، ووضع فراشه، ونام، وليس فوقه إلا السماء، فقيل له: عليك أن تُكَفِّر؛ لأنك لَمْ تَنَمْ تحت سقف، فقال: أردت السماء، فهذا يصحُّ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: 32]؛ فاللفظ يحتمله.
    مثال النِّيَّة التي لا يحتملها اللفظ، إذا قال: والله لا أشتري اليوم خبزًا، فذهب إلى الفرَّان، ووقف عنده، واشترى، فقيل له: كَفِّر عن يمينك، فقال: أنا أردت بقولي: والله لا أشتري اليوم خبزًا، والله لا أكلم فلانًا، فهذا لا يَصِحُّ، واللفظ لا يحتمله إطلاقًا، فلا يُقْبَل؛ لأنه ليس هناك ارتباط بين اليمين والمحلوف عليه»اهـ([1]).
    ولكن هناك قاعدة أخرى مخَصِّصَة لهذه القاعدة؛ وهي قاعدة:


    [1])) «الشرح الممتع» (15/ 173، 174).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    3- (اليمين على نيَّة المستحلف).
    ويعبِّر عنها بعضهم بقولهم: (اليمين على نيَّة الحالف إلا أمام القاضي).
    فهذه القاعدة تخصِّص قاعدة: (اليمين على نيَّة الحالف)؛ فيقال: اليمين على نيَّة الحالف؛ إلا إذا استحلفه شخص؛ فتكون اليمين على نيَّة المستحلف.
    ودليل هذه القاعدة: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ».
    وفي لفظ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ»([1]).
    ولكن اشترط العلماء بالإجماع أن لا يكون الحالف مظلومًا؛ فإن كان الحالف مظلومًا فترجع اليمين إلى نيَّته؛ حتى ولو كان أمام القاضي؛ لأنه إذا ادُّعِي عليه بالباطل وجب أن يدفع عن نفسه المظلمة بما يخَلِّص ظاهره من اليمين الواجبة عليه وباطنه من النيَّة التي تكشف ما قصد إليه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «واتفقوا على أنه يُرجع في اليمين إلى نيَّة الحالف؛ إذا احتملها لفظه، ولم يخالف الظاهر، أو خالفه وكان مظلومًا»اهـ([2]).


    [1])) أخرجه مسلم (1653).

    [2])) «مجموع الفتاوى» (32/ 86).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    وبهذا نكون قد انتهينا من هذه القاعدة وما يتعلق بها، والحمد لله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: قاعدة: (الأمور بمقاصدها) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •