الموضة و جحر الضب
أضحت الموضة هوساً يجتاح العالم، وبلغت من الخطورة شأناً لا يمكن تجاهله، إذ تسعى إلى تحلّل المرأة المسلمة من زيها وفكرها وعقيدتها للقضاء على حصانة المجتمع الإسلامي.
وقد حقّقت شركات الأزياء والإكسسوارات أرباحاً هائلة من وراء ترويج صيحات الموضة، وتستخدم في ذلك أساليب شتى حتى أصبح سائداً بين كثير من النساء مقولة: "كُلي على ذوقك والبسي على ذوق الناس".
الفكرة الرئيسية في هذا الهوس تعتمد على التقليد الأعمي، ولا سيما بين الفتيات، وكلما أوغلت الفتاة في هذا التقليد أسدلوا عليها ألقاباً من نوع "فتاة عصرية" لحث الأخريات على السير في الدرب نفسه تحت ستار التقدم والعصرية.
وإذا تأملنا مسيرة الموضة، نلاحظ استسلام المرأة لأنامل المصممين، ومقصّات الخياطين التي تفصِّل لها ما تشاء من غير أن يكون لها في ذلك حولٌ ولا قوة!
فحجم الثوب النسائي يتغيّر كما يتغيّر لونه وشكله.. فحيناً يكون ضيقاً يصف ويبرز تفاصيل الجسد وحيناً يكون فضفاضاً، أما بالنسبة لطوله فيتغير حسب الموضة فمرَّة نجده "ميني جيب" أي: قصير إلى ما فوق الركبة، ومرّة "ميكروجيب" أي: صغير الحجم جداً ويرتفع إلى نهاية الركبة من أعلى!! وتارة يصبح "شانيل" أي: تحت الركبة مباشرة، وتارة "ميدي" أي : تحت الركبة بقليل حيث يصل إلى منتصف الساق.. ثمَّ "الماكسي" وهو ثوب طويل ينسدل حتى يغطي القدمين!!
وإذا انتقلنا إلى الأحذية نلاحظ أنَّ الشكل العام للحذاء النسائي يتغيَّر.. ففي وقتٍ ما كانت الموضة في الأحذية "ذات النعل المرتكز على مسمار رفيع" وبعد فترة أعقبتها موضة أخرى هي الأحذية "ذات الكعب العريض الضخم" وهكذا..
أمَّا عن الحقائب النسائية: فتارةً تجعلها الموضة ذات حجم صغير، وأخرى ذات حجم متوسط، وثالثة ذات حجم كبير بشكل ملفت للنظر.. فضلاً عن أشكالها وألوانها ونقوشها، والخامة المستخدمة لصنعها..
وفيما يتعلق بالعطور ومواد التجميل؛ فحدِّث ولا حرج عمَّا تنفقه اللاهثات وراء الموضة عليها، إذ إنَّ لكل وقتٍ من أوقات اليوم ماكياجاً خاصاً.. فهو في النهار خفيف، وفي المساء ثقيل!! ولكل فصل ماكياج خاص.. فمكياج الخريف ذو ألوان تختلف عن ألوان مكياج الربيع.. وهكذا.. وقد تفننت وسائل الإعلام في الترويج للماكياج، وجعلت له أبواباً ثابتة.. وكأنَّه فريضة يجب أن تُؤدِّيها المرأة بانتظام.
وقد دخل الشعر أيضاً سباق الموضة، فهذا الشامبو للشعر العادي، وآخر للدهني، وثالث للجاف، ورابع للشعر الضعيف، وخامس للشعر ذي القشور، وسادس للشعر المتساقط، وهذه الأصباغ لتقوية فروة الرأس، وأخرى لتلوين الشعر، وأدهان لتلميعه، وأخرى لتصفيفه.. وهكذا.
كما تنتشر موضات صبغ الشعر انتشاراً واسعاً، فهناك الصبغة الذهبية وأخرى نحاسية .. كما يُصبغ أحياناً بعدَّة ألوان.. وهلم جراً.. أما تسريحات الشعر فهذه تسريحة الأسد، وتلك تسريحة النمر، وثالثة تسريحة النعامة ... إلخ .
وتظل المرأة التي تتبع الموضة تلهث لهثاً وراء كلّ جديد.. وتتكدَّر وتشقى إذا لم تحصل على ما تبتغيه، وإن كانت لا تعدم الحيلة لامتصاص مال أبيها أو زوجها (حسب حالتها الاجتماعية).
لم يقتصر هوس الموضة على المتبرجات فقط، بل إنّ ذلك الداء انتقل إلى حجاب المرأة المسلمة الذي أصبح هدفاً لتقاطيع الموضة، تنتقص من أطرافه، وتعدل في أحجامه وأشكاله وألوانه، لتبتعد به خطوة خطوة عن معايير الحجاب الإسلامي، حتى العباءة المنتشرة في بلدان الخليج لم تسلم من الموضة، حيث ظهرت العباءة المطرَّزة والطرحات المزركشة.. بل إنَّ العباءات أصبحت ترد من فرنسا ونزلت إلى الكتف، وبات غطاء الرأس مزركشاً.. وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى ارتداء البنطال أو التنورة القصيرة مع غطاء الرأس وسمِّي هذا حجاباً!
إنَّ اتباع الموضة يقضي على آدابنا وعاداتنا وتقاليدنا.. ويمحو المعالم المميّزة للأسرة العربية والإسلامية؛ الأمر الذي يجعلنا ضائعين مستضعفين بين بقية الأمم.. وكفى بالموضة قبحاً أنَّها تصدر عن أعداء ديننا.. ويتحقق باتباعنا لها ما يرمون إليه من القضاء على حصـانة الأسرة المسلمة..
ولشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كلمات نفيسة تحذِّرنا من التقليد الأعمى والتبعية للآخرين، حيث يقول في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": "ومع أنَّ الله حذَّرنا سبيلهم (أي: سبيل اليهود والنصارى) فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله ممّا سبق في علمه، حيث قال فيما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه". قالوا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:"فمن؟!" . ثمّ قال: فعُلم بخبره الصدق أن لا بدّ من أن يكون في أمّته قومٌ منحرفون إلى شعبة من شعب اليهود، أو إلى شعبة من شعب النصارى.. وهذا الانحراف أمرٌ تتقاضاه الطباع، ويزيِّنه الشيطان، فلذلك أُمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلاً".
إن استنكارنــا لصرعـات الموضة لا يعني أننـا ندعو النساء إلى عـدم التجمـل، كلاّ، بل عليهن أن يتجمّلن وأن يظهرن بمظهر جميل لأزواجهن، لكن دون إفراط ولا تفريط، وأن يحكِّمن الشرع والعقل والفطرة، لا الموضة.
انتشار سرطان الموضة بين النساء يرجع لعدد من الأسباب، أهمها:
- سوء التربية والتوجيه والتعليم من جهة الآباء لجهلهم أو غفلتهم أو استهتارهم..
- وسائل الدعاية والنشر والإعلام المسخَّرة في كثير من الدول الإسلامية للتشجيع على التبرُّج والاختلاط والتحلل واتباع آخر الصيحات في الموضة وغيرها.
- تفلُّت الكثير من المسلمين من مفاهيم الإسلام وتبعاته، وتقاعس دعاة الإسلام عن الدعوة إلى الله ـ إلاَّ من رحم الله ـ وعن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. حتى ظهر الفساد والتبعية للغرب.
- عدم الثقة بالنفس، والتبعية والانهزامية التي يعيشها كثير من النساء المسلمات، والنظرة إلى الغرب على أنَّه المثل الأعلى..
وأخيرا أخيّتي: ثقي بنفسك وبشخصيتك الإسلامية، واحذري من الذين يضطهدونك باسم الموضة والحرية، وعودي إلى دينك وشخصيتك، وكلي والبسي في حدود مرضاة الله عزّ وجل.
منقول