الدوحة - أحمد الأمين
عد أشهر عدة من الجدل المستمر في قطر حول "حرمانية" قروض الإسكان التي تقدمها الدولة لمواطنيها، نجحت الحكومة مؤخرا من تجاوز عقبة الشريعة في هذه القروض من خلال "تكييف" إسلامي يتيح للقطريين الاستفادة منها دون الوقوع في فخاخ الفوائد الربوية المحرمة.
الابتكار القطري يقوم على صرف القرض وقيمته 1.2 مليون ريال على مرحلتين بطريقة التمويل الإسلامي (الدولار = 3.64 ريالات) بحيث يصبح القرض الأول عقد وكالة بالأجر والثاني عقد استصناع بعد تكييف القرضين عن طريق لجنة شرعية لتتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
ورغم هذا المخرج الذي يتفق معه البعض ويعترض عليه البعض الآخر إلا أن هناك جدلا مكتوما حول مدى شرعية هذا الحل، خصوصا أن عقدي الوكالة والاستصناع التي تم صياغتهما أضاف على المستفيدين رسوما أو أرباحا تماثل نسب الفوائد الربوية التي ثار الجدل بسببها.
تاريخ القرض السكني في قطر
المعروف أن قروض الإسكان في قطر يحكمها قانون صدر قبل 20 عاما من الآن، والذي ينص على منح قرض سكني لكبار الموظفين قدره 612 ألف ريال في حين يحصل الموظفون الصغار على قرض قيمته 315 ألف ريال، وبالطبع عندما صدر هذا القانون كانت أسعار مواد البناء في ذلك الوقت معقولة ولا يحتاج المستفيد من القرض إلا لمبلغ متواضع يضيفه إلى قيمة القرض الحكومي حتى يستطيع بناء مسكن يليق به وبمكانته الاجتماعية.
واستمرت الأمور تسير بوتيرة منضبطة ومرضية حتى بدأت الموجات المتتالية للتضخم الأمر الذي أدى إلى ظهور موجة غلاء حادة لم تشهدها السوق القطرية قبل ذلك، ومعها ارتفعت أسعار مواد البناء بشكل غير مسبوق، ومع الصعود الصاروخي في الأسعار عجزت قروض الإسكان "القديمة" عن تحقيق حلم الآلاف من المواطنين القطريين في الحصول على مسكن مناسب، وبدأت الأصوات تتعالى مطالبة بزيادة قروض الإسكان.
مضاعفة القروض
وبالفعل في الـ26 من مارس الماضي وافق مجلس الوزراء القطري على مضاعفة قروض الإسكان الممنوحة للمواطنين من 600 ألف ريال إلى 1.2 مليون ريال، إلى جانب زيادة المبلغ النقدي المخصص لشراء الأراضي اللازمة لبناء المسكن من 170 ألف ريال إلى 800 ألف ريال.
ورصدت موازنة الدولة القطرية نحو 2.653 مليار ريال كتكلفة إجمالية لقروض الإسكان التي سوف تقدم لحوالي 4449 شخصا بواقع 1.2 مليون ريال لكل مواطن، وقد قسمت اعتمادات الموازنة قرض الإسكان لكل مواطن إلى قرضين؛ أحدهما أساسي وقدره 600 ألف ريال برسوم إدارية 1%، والثاني إضافي بواقع 600 ألف ريال أخرى برسوم إدارية قدرها 3%، بحيث يمكن للمنتفع إنهاء التعاقد على القرضين في حال القدرة على السداد.
ولأن المجتمع القطري معروف بطابعه المحافظ فمبجرد الإعلان عن هذه الشروط والإجراءات اعترض الكثيرون على فوائد قروض الإسكان باعتبارها فوائد ربوية محرمة، وعبر عبد اللطيف آل محمود رئيس تحرير جريدة الشرق عن هذه الاعتراضات، مؤكدا في افتتاحية الجريدة يوم الـ13 من مايو/أيار الماضي أن قرض الإسكان وما صاحبه من قرار النسبة الزائدة عليه 1% للـ600 ألف الأولى و3% للـ600 ألف الثانية هي فائدة ربوية محرمة، لا يجوز للمسلم الإقدام عليها، لا دفعا ولا أخذا قلَّت هذه النسبة أو كثرت، وقال " نحن لم نتعامل بالربا ولا مع بنوك ربوية ونتحرج لأي فعل يخالف الشرع".
رفض عام
وبعد مقال رئيس تحرير الشرق تفاعل المجتمع القطري ضد قروض الإسكان الربوية، خصوصا على منابر المساجد وهو ما عبَّر عنه الشيخ أحمد بن محمد البوعينين -أحد الأئمة المعروفين في قطر- في خطبة الجمعة التالية لنشر المقال قائلا "لقد جاءت الشريعة الغراء بتنظيم شامل لجميع جوانب الحياة ونظمت للعباد سبل معاملتهم مع الله ومعاملاتهم مع العباد، كل ذلك في حدود الحلال الطيب وفي إطار المباح المشروع"، وأضاف أن الواجب على المسلم أن يسير في معاملاته من بيع وشراء وإيجار وقرض وارتهان وتجارة وغير ذلك وفق شريعة الله الكاملة.
وقال لقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال «لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء»، وبعد أن أشار في خطبته إلى مقال جريدة الشرق قال "نحن في دولة مسلمة نريد أن تكون كل أعمالها توافق الشرع لكي تحفظ هذه البلاد من العذاب لأن أية دولة تخالف شرع الله لا بد أن يعذبها الله بذنوبها".
مخرج إسلامي
وبدأت الحكومة القطرية في البحث عن مخرج فقهي لشبه الفوائد الربوية على قروض الإسكان، وفي يوم الـ27 من مايو الماضي عقد سعادة الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي مؤتمرا صحفيا بصفته رئيس مجلس إدارة بنك قطر للتنمية -حضرته الأسواق. نت- أكد فيه أن تنفيذ القرضين سوف يتم بطريقة التمويل الإسلامي؛ حيث يصبح القرض الأول عقد وكالة بالأجر والثاني عقد استصناع بعد تكييف القرضين عن طريق لجنة شرعية لتتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وقال عبد الله بن سعود "إن القرض العقاري سوف يمنح لجميع الفئات بعد أن كان قاصرا على كبار الموظفين، ويبلغ القرض الأساسي 600 ألف ريال والقرض الإضافي 600 ألف ريال، ويمكن أن يقوم المنتفع بعمل عقد للقرض الأول ويليه عقد للقرض الإضافي أو يقوم بعمل العقدين دفعة واحدة".
وقال أستاذ الفقه والأصول بجامعة قطر ورئيس عدد من الهيئات الرقابية الشرعية في عدد من البنوك الإسلامية د. علي القرة داغي لـ"الأسواق. نت" إن القرضين الأساسي والإضافي سوف يتم صرفهما وفقا لأساليب التمويل الإسلامي علي مرحلتين؛ الأولى 600 ألف ريال قرض من الدولة، وفي هذه الحال من حق البنك أن يأخذ 1% رسوما إدارية مقابل القيام بأعمال الوكالة، باعتبار أن البنك وكيل عن الدولة في منح القروض، أما القرض الإضافي الذي يبلغ 600 ألف ريال فقد تم الاتفاق مع المسؤولين بالبنك على استخدام عقد الاستصناع؛ حيث يتم الاتفاق بين البنك والعميل على استخدام القرض في عمل تشطيبات داخلية أو خارجية أو غيرها من خطوات عمليات البناء، وتحدد قيمة الاستصناع بقيمة القرض، مضافا إليها نسبة 3% إجمالا وتبلغ 800 ألف ريال تقريبا، وسوف يتم سدادها وفقا للمدة المتفق عليها، وذلك بعد الاتفاق على مقاول من طرف المنتفع بالقرض أو العميل، وبذلك يكون القرض الإضافي عن طريق عقد الاستصناع.
وقال "إن البنك سوف يقوم باختيار شركة تأمين من ثلاث شركات إسلامية ثم الاتفاق عليها لضمان الحقوق"، مشيرا إلى أنه تم ترتيب المسؤوليات والإجراءات بشكل شرعي وقانوني، مؤكدا أن هذه العقود شرعية.
وقال "إن عقد الاستصناع أفضل الحلول التي طرحت للقرض الثاني؛ حيث تم اختياره من خلال عدة بدائل مثل المرابحة؛ لأنه الأفضل بالنسبة للمنتفعين".
ورغم ذلك فهناك العديد من الآراء التي لا ترتاح للتكييف الشرعي الذي أقره بنك التنمية القطري للخروج من مأزق شبهة الفوائد الربوية على قروض الإسكان، على رأس هؤلاء د. علي السالوس أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر، الذي أكد أن أي قرض يتم سداده مع زيادة قليلة أو كثيرة يعتبر من الربا المحرم، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك ولكن يرفع اثمه عند الضرورة.
انتهى
من يفصل في المسألة ويزيل اللبس الحاصل وجزاكم الله خيرا ؟