المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
" وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم "!!!
يعني ان النصارى يظنون ان الدين الذي هم عليه هو الدين الصحيح الذي جاء به عيسى عليه السلام . فهم يعتمدون في ذلك على النصوص السمعية التي بلغتهم من كلام الانبياء او ما فهموه منها و يدخل عليهم الغلط من جهة عدم صحة النقل او من سوء الفهم . و المقصود من هذا ان الادلة السمعية حجة عندهم فهي اصل في الاستدلال
اما الفلاسفة و الجهمية فالاصل عندهم العقل و السمع يجعلونه تابعا له . و عند توهم التعارض يقدمون العقل الذي يجعلونه اصلا و يدفعون السمع بالتفويض او التاويل . و المقصود من هذا ان السمع ليس بحجة مستقلة في باب العلميات عندهم بل يكون شاهدا و تابعا لما دل عليه العقل و عند التعارض المزعوم يقدمون العقل الذي هو الاصل في هذا الباب
فضلال النصارى من جهة الغلط في السمع و حالهم اقرب الى تعظيم الرسل و الانبياء من هؤلاء الجهمية لان كلام الرسل حجة مستقلة عندهم بخلاف هؤلاء فانهم لا يرجعون الى السمع كاصل في اثبات العقائد .
و الله اعلم
و لعل بنقل كلام شيخ الاسلام بطوله يتضح ذلك
قال رحمه الله
قول القائل : إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية أو نحو ذلك من العبارات فإما أن يجمع بينهما وهو محال لأنه جمع بين النقيضين وإما أن يردا جميعا وإما أن يقدم السمع وهو محال لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض
وأما إذا تعارضا تعارض الضدين امتنع الجمع بينهما ولم يمتنع ارتفاعهما وهذا الكلام قد جعله الرازي وأتباعه قانونا كليا فيما يستدل به من كتب الله تعالى وكلام أنبيائه عليهم السلام وما لا يستدل به ولهذا ردوا الاستدلال بما جاءت به الأنبياء والمرسلون في صفات الله تعالى وغير ذلك من الأمور التي أنبأوا بها وظن هؤلاء أن العقل يعارضها وقد يضم بعضهم إلى ذلك أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين وقد بسطنا الكلام على قولهم هذا في الأدلة السمعية في غير هذا الموضع
وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد سبقهم إليه طائفة منهم أبو حامد وجعله قانونا في جواب المسائل التي سئل عنها في نصوص أشكلت على السائل كالمسائل التي سأله عنها القاضي أبو بكر بن العربي وخالفه القاضي أبو بكر العربي في كثير من تلك الأجوبة وكان يقول : شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وحكي هو عن أبي حامد نفيه أنه كان يقول : أنا مزجي البضاعة في الحديث
ووضع أبو بكر بن العربي هذا قانون آخر مبنيا على طريقة أبي المعالي ومن قبله كالقاضي أبي بكر الباقلاني
ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء يضع كل فريق لأنفسهم قانونا فيما جاءت به الأنبياء عن الله فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعا له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه
وهذا يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها لكن تلك الأمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص الأنبياء أو ما بلغهم عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل كسائر الغالطين ممن يحتج بالسمعيات فإن غلطه إما في الإسناد وإما في المتن وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل
فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء ولكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من النصوص أو بتصديقه النقل الكاذب عن الرسول كالخوارج والوعيدية والمرجئة والإمامية وغيرهم بخلاف بدعة الجهمية والفلاسفة فإنها مبنية على ما يقرون هم بأنه مخالف للمعروف من كلام الأنبياء وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم.انتهى كلامه رحمه الله
و في قول شيخ الاسلام رحمه الله ( وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم ) بيان ان هذا الظن و الاعتقاد ليس بمانع من الكفر . فلا يشترط في ذلك ان يكون الرجل على علم انه على دين باطل مخالف للحق حتى يكفر . فالامة مجمعة على كفر النصارى و قد علم سبب ضلالهم .
و قد قال الله عز وجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )
فهذا الحسبان ليس بمانع من الكفر لقوله عز وجل بعد ذلك ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )
قال ابن جرير الطبري رحمه الله
إن الله عزّ وجلّ عنى بقوله (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا) كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم،وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا.انتهى
و الله اعلم