السؤال :
في سورة الجن الآيات 72:26,27,28، من الواضح أن الله لم يُطلِع أيّ أحدٍ على الغيب باستثناء الذين اصطفاهم من الرسل ، لكن الآية 11:71,72 في سورة هود ، والآية 19:16-19 سورة مريم تشير أن الله يكشف عن الغيب ليس فقط للرسل ولكن أيضاً لأولياء الله ، فكيف يمكننا تفسير الآيات في سورة الجن 72: 26،27،28 ؟ البعض يقول أنّ الآيات في سورة هود ومريم تخبر عن إرسال الرسل ، لذلك فهي تأتي تحت المعجزة ، والبعض الآخر يقولون : إن الله يكشف عن الغيب لمن يشاء ، بهذا أنا مشوّشٌ جدا.
تم النشر بتاريخ: 2017-12-10
الجواب :
الحمد لله
أولًا :
الغيب نوعان:
1- غيب مطلق، كمعرفة موعد الساعة، ونزول الغيث، ونحو ذلك؛ وهذا النوع لا يعلمه إلا الله .
2- غيب نسبي، وهو ما غاب عن بعض الخلق عِلْمُه، وبلغ بعضَهم، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به الذي لا يعلمه، وليس بغيب للذي يعلمه.
وهذا الغيب النسبي يمكن للإنسان أن يعرفه إما بطريق الوحي ، أو بالتجربة ، أو بالعلم الحديث ، أو غير ذلك مما يمكن به الاستعلام عما يخفى على كثير من الناس بالطرق الممكنة ، كمعرفة ما في قعر البحار ، وأغوار الأرض ، وأجواء السماء .
قال ابن تيمية: " وأما ما يعلمه بعض المخلوقين: فهو غيب عمن لم يعلمه، وهو شهادة لمن علمه " انتهى من "النبوات " (2/ 1022).
ثانيًا:
أما قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن/26-27.
فقد قال ابن كثير: " وقوله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) هذه كقوله تعالى: ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [البقرة: 255] ، وهكذا قال هاهنا: إنه يعلم الغيب والشهادة، وإنه لا يطَّلِع أحدٌ من خلقه على شيء من علمه ، إلا مما أطلعه تعالى عليه؛ ولهذا قال: (فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) .
وهذا يعم الرسول الملكي والبشري " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 247).
قال ابن عاشور: " يطلع الله بعض رسله لأجل ما أراده الله من الرسالة إلى الناس .
فيعلم من هذا الإيمان : أن الغيب الذي يطلع الله عليه الرسل هو من نوع ما له تعلق بالرسالة، وهو غيب ما أراد الله إبلاغه إلى الخلق أن يعتقدوه ، أو أن يفعلوه، وما له تعلق بذلك من الوعد والوعيد من أمور الآخرة، أو أمور الدنيا، وما يؤيد به الرسل عن الإخبار بأمور مغيبة ، كقوله تعالى: ( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) [الروم [2- 4].
والمراد بهذا : الاطلاع المحقق ، المفيد علما ، كعلم المشاهدة " انتهى من "التحرير والتنوير"( 29/ 248 ).
أما ما يحصل لبعض الصالحين، فإنها كرامة عارضة، يعرفون الشيء بعد الشيء، والحادثة بعد الحادثة، بالإلهام، ونحوه.
قال شيخ الإسلام : " وآيات الأولياء ، هي من جملة آيات الأنبياء؛ فإنّها مستلزمة لنبوّتهم، ولصدق الخبر بنبوّتهم؛ فإنه لولا ذلك، لما كان هؤلاء أولياء، ولم يكن لهم كرامات " انتهى من "النبوات"(2/ 824).
وذكر بعض العلماء أن إطلاع الأولياء على الغيب ، يكون بواسطة الملائكة، فهو كاطلاعنا على أحوال الآخرة، وهي من الغيب عن طريق الرسل ، فهو ، على ذلك ، ليس إخبارًا بالغيب ، كإخبار الرسول .
ثالثًا:
أما الآيات المشار إليها : فليس فيها ما يوحي بعلم الغيب، وإنما فيها الوحي لبعض الأولياء، ولعل هذا سبب الإشكال لدى السائل : أن فيها ذكر الوحي لغير الأنبياء ؟!
والجواب عن ذلك :
أن الوحي نوعان:
الأول: وحي خاص، وهو إرسال الرسول من الملائكة ، لنبي أو رسول .
الثاني: الوحي العام، وهو الذي وقع لبعض الأولياء، ووقع للملائكة، ووقع لبعض المخلوقات، ويكون بالإلهام، والرؤيا، ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام: " وليس كل من أوحي إليه الوحي العام يكون نبيًّا؛ فإنه قد يوحى إلى غير الناس " انتهى من "النبوات"(2/ 690).
وقال: " وكذلك لفظ الوحي : قد يكون عامًا ...
والوحي العام الذي هو لآحاد العباد " انتهى من "مجموعة المسائل" رشيد رضا (3/ 96).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (150936) . والله أعلم