كيف يغيّر الشكر اليومي حياتك؟
نِعَمٌ تتوالى علينا بحمد الله .. وقد أصيب أقوامٌ بالخوف والقلق والقتال، نِعَمٌ وأرزاقٌ تأتينا رغدًا من كل مكان وإخوانٌ لنا لا يجدون لقمة العيش إلا بتعب وعناء، وربما ماتوا من الجوع والإقلال، وإن لم يكن فالقتال وتسلط الضُّلال.
فالحمد لله على نعمة التوحيد والحمد لله على نعمة الأمن والإيمان والرزق والصحة.
كثيراً ما يتحدث علماء التنمية البشرية عن أنّ: ممارسة الحمد و الشكر لله في الحياة اليومية له تأثير عجيب يبعث طمأنينة وسعادة وسكينة وتوفيقاً [1]، والحقيقة أنّ الكتاب والسنة تثبت ذلك، بل الأمر أعم وأشمل من هذا، فالله تعالى يقول ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [2].
فالشكر يزيد النعم.. كما أن الكفر يذهبها، هكذا كانت نصوص المفسرين إنها صريحة الدلالة... إنها عامة.. إن الزيادة في كل شيء.. في الصحة... في المال.. في الجاه..في النصر.. في العز والرفعة.. في كل شيء.
قال ابن القيم رحمه الله: قرن الله سبحانه الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [3].
إلى أن قال رحمه الله: وعلّق الله سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [4] [5] ا.هـ. كثيرةٌ هي آيات الشكر في القرآن تزيد على الخمسين آية، ويكفي أن الله تعالى وصف العظماء من خلقه بأنهم من الشاكرين.فنوح عليه السلام ﴿ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [6]. وإبراهيم عليه السلام ﴿ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [7]. وأوصى الله موسى عليه السلام بقوله ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [8].
بعد المحافظة على الفرائض والواجبات تكون ممارسة الشكر اليومية بما يلي:
1- أذكار الصباح و المساء وأدبار الصلوات و النوم والتي منها التسبيح بحمد الله تعالى كما جاء عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنت الحارث، أم المؤمنين رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً، حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: ((مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟)) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ)) رواه مسلم [9] ، ومنها: ماجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر) متفق عليه [10]، ومنها كذلك: ماروي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَنَّامٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ)). رواه النسائي[11].
2- الصدقة اليومية ولو بشئ يسير، والأصل في ذلك مارواه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" متفق عليه[12].
3- صلاة الضحى عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) رواه مسلم[13].
4- الشكر عند ممارسة النعم كالأكل والشرب واللبس ونحو ذلك، فعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) رواه أبوداود[14]. وأمّا سجود الشكر فيكون عند تجدد نعمة أو حدوثها، كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسرُّه خر ساجداً[15]، يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله:" تستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة، أو دفع نقمة ظاهرة عامتين له وللناس، أو في أمر يخصه نصا، كتجدد ولد أو مال أو جاه، أو نصرة على عدو، وإن لم تشترط في النعمة الظهور فنعم الله في كل وقت لا تحصى، والعقلاء يهنئون بالسلامة من العارض، ولا يفعلونه في كل ساعة [16]"اهـ.
5- الشكر المطلق في أي وقت، إذ كما أنّ الشكر يكون عند تناول النعم، فيكون أيضاً في أي حال وأي وقت قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [17].
6- شكر من أسدى لك خدمةً أو معروفاً من الناس: فقد روى الترمذي عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ)[18]. وعن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر) [19].
7- المحافظة على النعم بعدم كفرها، ومن كفرها وعدم شكرها الإسراف، ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [20] فلا تأخذ ما هو زائد عن حاجتك، وإن فضل شيء فأعطه من هو محتاج وإياك ورميها فقد تضيع منك وقت ماتكون أشد حاجةً إليها، ومن أخطر كفران النعم ارتكاب ما يغضب الله تعالى إذ كيف ينعم عليك وأنت تعصيه !! وهذا مؤذن بزوال النعمة، كما قال الله.. ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ [21].
وأخيراً تذكر أنّ الشكر كما يقول ابن القيم رحمه الله يكون: بالقلب: خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح: طاعةً وانقياداً. اهـ[22].
هذه النقاط إذا مارستها بشكلٍ يومي أخي الكريم وحافظت عليها، فستجد أن حياتك تغيّرت تغيّراً جذرياً نحو الأفضل، لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة، وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض، وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل[23]! أسعدك الله وجعلك من أوليائه، والحمد لله أولا وآخرا.
[1] راجع في ذلك: أسرار "قوة الشكر" ل عبد الدائم الكحيل.
[2] إبراهيم الآية 7.
[3] النساء الآية 147.
[4] إبراهيم الآية 7.
[5] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص98 وما بعدها.
[6] الإسراء الآية 3.
[7] النحل الآية 121.
[8] الأعراف الآية 144.
[9] رواه مسلم ج4ص2092 برقم2726.
[10] صحيح البخاري ج8ص86برقم6405، صحيح مسلم ج4ص2071برقم2691.
[11] رواه النسائي ج9ص8برقم9750. وضعفه الألباني.
[12] صحيح البخاري ج2ص115برقم1442، صحيح مسلم ج2ص700 برقم1010
[13] صحيح مسلم ج1ص498 برقم 720.
[14] روا أبوداود ج4ص42برقم4023. وحسنه الألباني دون زيادة ما تأخر.
[15] رواه ابن ماجه ج1ص446 برقم1394 وحسنه الألباني.
[16] كشاف القناع (1/449-450).
[17] سورة البقرةآية 172
[18] رواه الترمذي ج4ص380 برقم2035 وحسنه الألباني.
[19] رواه الإمام أحمد ج30ص390برقم18449 وحسنه الألباني صحيح الجامع ج1ص579.
[20] سورة الأعراف آية (31)
[21] سورة النحل آية(112)
[22] " مدارج السالكين " ( 2 / 246 )
[23] من مقال أسرار "قوة الشكر" ل عبد الدائم الكحيل منشور عبر الشبكة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/web/alsughier/...#ixzz4zouxBz5L