كتبتْ في رسالتها تقول: سيِّدي الفاضِل، لقد قرأتُ مقالتك، والتي كانت تحمل عنوان "تعدُّد الزوجاتِ في الإسلام"، وإنَّني من أشدِّ المعجَبين بكتاباتك الرائعة، ولا سيَّما هذا الموضوع، فقد وضعتَ يدَك على جرْح ينزف، ومنطقة حسَّاسة تحدَّثتَ عنها، شديدة الخُطورة، وهى - لا شكَّ - تمثِّل مشكلةً للكثير مِن الفتيات.

سيِّدي، لقد قُلتَ في مقالك: إنَّ الشَّرْع الحكيم حينما شرَع وقَدَّر التعدُّد، ليس انتقاصًا من حقِّ المرآة، ولا هوانًا لها؛ لأنَّ الله الذي خلقَها، وهو أدْرى بها، فقَبْل الإسلام كان يتزوَّج أحدُهم تِسعين وأكثر، فجاء الشَّرْعُ الحنيف، فحدَّد وقدَّر، وإنَّ الزوجة إذا تزوَّجها وأكمل بها الأربع، فلعلَّه يكون من المنفعة لها، ولأخواتها تحصُل المنفعة، وليس كما يظنُّ أكثرُ المتشدِّدة، الذين يُروِّجون أنَّ المرأة إذا أحبَّها زوجُها لم يتزوَّج غيْرها، فأقول: واللهِ هذا خطأٌ جسيم، ويشْهَد عليه الواقعُ الأليم، مِن ضياع للحقِّ والمصلحة.

سيِّدي، أنا فتاة وهبَني اللهُ الجمالَ، والحمد لله على نِعْمته ومِنَّته عليَّ، وأنا الآن في العقد الرابع، ولم يرزقني الله الزَّوْج، رغمَ أنَّني على خُلُق ودِين، ومِن أُسرة مستورة - والحمد لله.

سيِّدي، إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول في مُحْكَم التنزيل: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، صدَق الله العظيم، وإنِّني قد مضى عليَّ قطار الزَّواج وفات، ولا أعلمُ ماذا أفْعل في نفسي، فأنا كسائرِ الفتيات، أُريدُ أن أكونَ زوجةً كسائر الزوجات، وأُحِبُّ أن يرزقني الله البنينَ والبنات؛ لأنَّهم حُلْمٌ كبير ومِن الأمنيات، ولديَّ رغبةٌ في الزواج مِن رجل، يكون على خُلُق ودِين، بحيث يَضمُّني إليه، ويهتمُّ بي ويرْعاني، ولا مانعَ لديَّ أن أكون زوجةً ثانية، وأُريدُ منك أن تدلَّني على الطريق الصحيح، وماذا أفْعل في هذه المشكلة، حيث إنَّك معروفٌ بالرأي الصائِب الحكيم، وأرجو أن تُوضِّح في موضوعاتِك وكتاباتك هذا الواقعَ الأليم؛ لعلّي أجِدُ حلاًّ لهذه المشكلة، والتي تُؤرِّق الكثيرَ، وتكون لهم معضلة، وتُقِضُّ مَضجعَهم هذه المسألةُ.

فأرسل إليها يقول: القارئة الكريمة، أختي في الله، إنَّ هذه الدنيا دارُ ابتلاء واختبار، فاصْبري على هذه المِحْنة، فكم مِن محنة أتْبَعها الله بمِنْحة، وعليك بالصبر والدعاء والاستغفار، فإنَّ الاستغفار له مِن الفوائد الكِبار، التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، والْزمي حِصْنَ الله، وطاعته في السِّرِّ والعَلَن، ومرْضاتة في الرِّضا والسخط، فهو الكريم الذي يحبُّ عباده الصابرين، ومَن لم تتزوَّجْ في الدنيا يُزوِّجْها الله في الجنة من الصالحين، ومِن عباده المصطَفَيْن والمؤمنين، وحسُن أولئك رفيقًا، فاصبري واحتسبي، ولكِ الأجْرُ العظيم، والثوابُ الجزيل من ربِّ العالمين.

ثم أرسلتْ له رسالة أخرى تقول فيها: سيِّدي، لقد قرأتُ رسالتَك وردَّك، وأنا - والحمدُ لله - مُلْتصِقة بالدعاء، والذِّكْر والثناء، والاستغفار لربِّ السماء، أنْ يرفع عنِّي هذا البلاء، لكنَّني ليس لديَّ مانعٌ أن أكون زوجةً ثانيةً لك!!
فإنَّ الإنسانَ عندما يقول رأيًا، فعلَيْه أن يُطبِّقَه، بحيث لا يكون يتحدَّث في فِراغ، وأنا بفضْل الله مِن أُسرة ميسورة، وأهلي لا مانعَ لديهم برجل متزوِّج من زوجة ثانية، وليس لديهم أيَّةُ اشتراطات أو طلبات، وسوف يكونون مرحِّبين بك فرَحِين، إذا أتيتَ إلى بيتنا، سأكون لكَ من الشاكرين، وأكون لك ممتنَّةً إلى يوم الدِّين، جعلَك الله مِن عباده المحسنين.

فأطْرَقَ صاحبُنا، وقال في نفسه وهو حَزين: هذا واللهِ حالُ فتياتنا المهين، مَن لم تتزوَّجْ بسبب تعنُّتِ الزوجة الأولى المبين، واضطهاد المجتمع لتعدُّدِ الزوجات، والذي يؤدِّي بدوره إلى ظهورِ هذه المشكلات، والعُنوسَة، والوقوع في الخطأ والزلاَّت، والوقوع في هذه العَثَرات، غفَر الله لنا ربُّ الأرْض والسماوات.




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/23717/#ixzz4xOHxdZEa