عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ رَجُلًا عِنْدَهُ مِنْ كِنْدَةَ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَجَاءَ الْكِنْدِيُّ فَزِعًا فَقَالَ: جَاءَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ احْلِفْ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَحْلِفْ بِأَبِيكَ، فَإِنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»([1]).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا، إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ»([2]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»([3]).
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: «لا يجوز الحلف بغير الله عز وجل في شيء من الأشياء، ولا على حال من الأحوال؛ وهذا أمر مجمع عليه»اهـ([4]).
وقال ابن عبد البر أيضًا: «والحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء؛ لا يجوز شيء من ذلك»اهـ([5]).
وقال الإمام النووي رحمه الله: «قوله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»، وفي رواية: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا بِآبَائِكُمْ»؛ قال العلماء: الحكمة في النهي عن الحلف بغيرالله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى، فلا يُضَاهَى به غيرُه، وقد جاء عن ابن عباس: «لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم، خير مِن أن أحلف بغيره فأبر» فإن قيل: الحديث مخالف لقوله ﷺ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»([6])؛ فجوابه: أن هذه كلمة تجري على اللسان، لا تُقصد بها اليمين؛ فإن قيل: فقد أقسم الله تعالى بمخلوقاته؛ كقوله تعالى: ﴿وَالصَّافَاتِ﴾، ﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾، ﴿وَالطُّورِ﴾، ﴿وَالنَّجْمِ﴾؛ فالجواب: أن الله تعالى يُقسم بما شاء مِن مخلوقاته تَنْبيهًا على شرفه»اهـ([7]).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «وأما الشرك الأصغر؛ فكيسير الرياء، والحلف بغير الله، وقول: هذا مِن الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا؛ وقد يكون هذا شركًا أكبر بحسب حال قائله ومقصده»اهـ([8]).
[1])) أخرجه أحمد (5593)، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وقال: «حديث حسن»، والحاكم (169)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ»، وقال الذهبي: «على شرط البخاري ومسلم»، وصححه الألباني في «الإرواء» (2561).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6108)، ومسلم (1646).
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4860)، ومسلم (1647).
[4])) «التمهيد» (14/ 366).
[5])) المصدر السابق (14/ 367).
[6])) أخرجه مسلم (11).
[7])) «شرح مسلم» (11/ 104، 105)، طـ دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[8])) «مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد» (ص295).