هل هناك فرق بين قول الكلابية والأشاعرة أن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله؟
قال الكلابية في القرآن: إنه حكاية عن كلام الله عز وجل.
أما الأشاعرة فقد قالوا: بل هو عبارة عن كلام الله وليس حكايةً.
فهل هناك فرق بين القولين؟
بعض أهل العلم لم يفرق بين الحكاية والعبارة.
ففي فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله:
س33: سئل الشيخ : ما الفرق بين العبارة والحكاية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - (عندي أن العبارة والحكاية شيء واحد، ومن أراد التفرقة بينهما فعلية أن يظهر الفرق، وقد أخطأ الأشعرى وابن كلاب قولهما إن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله النفسى القديم).
وبعض أهل العلم أظهر الفرق بينها
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على الواسطية 2/97-98:
(والكل[ أي: الكلابية والأشاعرة ] اتفقوا على أن هذا القرآن الذي في المصحف ليس كلام الله، بل هو إما حكاية أو عبارة،
والفرق بينهما:
أن الحكاية: المماثلة، يعني: كأن هذا المعنى الذي هو الكلام عندهم حُكي بمرآة، كما يحكي الصدى كلام المتكلم.
أما العبارة: فيعني بها أن المتكلم عبر عن كلامه النفسي بحروف وأصوات خلقت).
وهذا التفريق منقول عن أبي حامد الإسفراييني رحمه الله، وقد نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء تعارض العقل والنقل: 1/289 فقال:
(قال [ أي أبي حامد الإسفراييني ]: وكان ابن كلاب عبد الله بن سعيد القطان يقول: هي حكاية عن الأمر.
وخالفه أبو الحسن الأشعري في ذلك فقال: لا يجوز أن يقال: ( إنها حكاية ) لأن الحكاية تحتاج إلى أن تكون مثل المحكي ولكن هو عبارة عن الأمر القائم بالنفس).
ومذهب السلف في كلام الله تعالى، وفي القرآن، وأنه كلام الله غير مخلوق، واضح تمام الوضوح، وردودهم على المعتزلة في ذلك مشهورة، أكثر من أن تحصر. كما أنه قد اشتهر عنهم قولهم إن القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود، ومعناه أن الله هو المتكلم به، فمنه بدأ، لا من بعض المخلوقات، وإليه يعود في آخر الزمان حين يرفع من المصاحف والصدور.
فلما جاءت الكلابية والأشعرية وابتدعوا في كلام الله ما ابتدعوا، كان مذهبهم الذي تمسكوا به: أن كلام الله إنما هو معنى قائم بذاته, وأن حروف القرآن ليست من كلام الله.
ولكن الأئمة من هؤلاء كابن كلاب والأشعري كانوا يقولون – مع ذلك ومع قولهم إن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله -: إن القرآن محفوظ بالقلوب حقيقة، متلو بالألسن حقيقة، مكتوب في المصاحف حقيقة، ومن ثم كانوا يعترفون بأن هذا القرآن كلام الله، ويحترمونه.
فجاء بعد ذلك أقوام – من أتباعهم – فقالوا – في القرآن إنه "معنى قائم بذات الله فقط، وأن الحروف ليست من كلام الله، بل خلقها الله في الهواء، أو صنفها جبريل، أو محمد، فضموا إلى ذلك، أن المصحف ليس فيه إلا مداد وورق، وأعرضوا عما قاله سلفهم من أن ذلك دليل على كلام الله فيجب احترامه – لما رأوا أن مجرد كونه دليلاً لا يوجب الاحترام، كالدليل على الخالق المتكلم بالكلام؛ فإن الموجودات كلها أدلة عليه، ولا يجب احترامها، فصار هؤلاء يمتهنون المصحف حتى يدوسوه بأرجلهم، ومنهم من يكتب أسماء الله بالعذرة، اسقاطاً لحرمة ما كتب في المصاحف, والورق من أسماء الله وآياته.
وقد اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف، مثل أن يلقيه في الحش, أو يركضه برجله، إهانة له، أنه كافر مباح الدم.
فالبدع تكون في أولها شبرًا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذراعًا وأميالًا وفراسخ). ينظر مجموع الفتاوى: (8/ 425).