بيان مختصر لحال ابن حزم في أمور الاعتقاد ، هذا بحث قديم لاحد المشايخ الافاضل تناول فيه حال ابن حزم في أمور الاعتقاد فآثرت نقله هنا لانه من الابحاث المهمة جدا فى بابه-وقد قمت بحذف بعض الاسماء الذين ذكرهم الاخ الكريم من اهل الارجاء المعاصر الذى كتب البحث فى الاصل للرد على شبهاتهم--- يقول الاخ الفاضل المعروف باسم[الموحد]----------- إن من يعلم شدة تمسك ابن حزم بالآثار ، ورده على الأشعرية والجهمية والمرجئة والمعتزلة ، قد يقع في نفسه أن ابن حزم سلفي العقيدة ، لم يخرج عن ظاهر النص !
وإن سمع أن له مخالفات في هذا الباب ، فقد يظنها مخالفات جزئية ، لا توجب اتخاذ موقف منه كالموقف من الأشاعرة أو المعتزلة ، ولا تضعف الاعتماد عليه والاستشهاد بأقواله.
ولاشك أن ابن حزم له حسناته الكثيرة ، ومواقفه الحميدة في التمسك بالسنة ، والدفاع عنها في باب الفروع ، وليته كان كذلك في الأصول.
وسأضع بين يدك خلاصة ما توصل إليه الدكتور أحمد بن ناصر الحمد في رسالته " ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد . إصدار جامعة أم القرى ، ط.1406 هـ
قال حفظه الله في خاتمة بحثه ص 473
( هذا ما يتعلق بشخصية ابن حزم ، وأما صلب الموضوع :
1- فعن وجود الله تعالى نقول :
استدل ابن حزم على وجود الله تعالى بطريقين : الأول : إثبات حدوث العالم ، ثم دلالة ذلك على المحدث له .
الثاني : الاستدلال بما في العالم من الآثار على وجود صانع له.
وهو استدلال سليم موصل إلى النتيجة المطلوبة.
2- وأما استدلاله على إثبات الوحدانية ، فهو استدلال على أنه خالق للعالم سبحانه وأنه ربه ومليكه وبيده ملكوت كل شيئ .
ولا يدل هذا على وحدانيته وتفرده بالألوهية دون سواه . وليس هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل فيستدل على هذا بدلالة التمانع وغيرها.
وقد دل القرآن على ذلك بأدلة تتجه إلى العقل والحس معا عن طريق النظام والعناية والتدبير الموجود في الكون حيث يستحيل وجود ذلك عن أكثر من إله.
3- ويخالف ابن حزم الصواب حين يرى أن من توحيد الله تعالى ونفي التشبيه عنه : نفي الجسمية والعرضية والزمانية والمكانية والحركة.
والصواب عدم النفي المطلق في مثل هذه الألفاظ المجملة فيجب الاستفصال عن المقصود بالنفي والإثبات ، فإن كان المقصود صحيحا قبل وإلا رد.
4- ويوافق ابن حزم المعتزلة في إثبات الأسماء التي سمى الله بها نفسه ، مجردة ، فلا يشتق له منها صفات.
والصحيح خلاف ذلك ، فيثبت له الأسماء ويشتق له منها صفات لأنها ليست أعلاما محضة.
5- ويرجع أبومحمد ابن حزم كثيرا من الصفات إلى الذات بعد أن يثبت ألفاظها الواردة كالوجه ، واليد ، واليدين ، والعين ، والأعين ، والعز ، والعزة ، والكبرياء ، والحي والعلم والقدرة ، والسميع والبصير.
والصحيح إثبات أن لله وجها ويدين وعينين وعزا وعزة وكبرياء وحياة وعلما وقدرة وسمعا وبصرا . فهو حي بحياة ، وعالم بعلم ، وقادر بقدرة ، وسميع وبصير بسمع وبصر ، صفات له حقيقة على ما يليق بجلاله ، وكل صفة منها تدل على معنى يخالف ما تدل عليه الأخرى ، وتعلقات تخالف تعلقاتها.
6- ويخالف ابن حزم منهجه الأخذ بظواهر النصوص ، ويذهب إلى التأويل ، فيؤول الصورة ، والأصابع ، والساق ، والاستواء ، والنزول ، بما يخالف ظاهرها المراد .
والصحيح إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
7- ويوافق ابن حزم مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الماهية لله تعالى والنفس والذات ، ونفي أن يكون الجنب صفة لله تعالى على الصحيح ، ويوافقهم في إثبات رؤية الله تعالى رؤية حقيقية في أحد قوليه ، ليست معرفة ؛ لما ورد بالنص الصريح الموجب للقبول ، ولا تحصل تلك الرؤية إلا في الآخرة.
8- ويوافقهم في إثبات كلام الله تعالى ، فيرى أن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة ، ولكن يضطرب قوله بأن الله تعالى متكلم .
والصواب أنه تعالى متكلم حقيقة.
9- ومما وافق فيه ابن حزم أهل السنة غالب مباحث أفعال الله تعالى ، فيثبت قضاء الله تعالى وقدره ، وخلقه تعالى لأفعال عباده وهدايته لهم وإضلالهم ، وعدم إيجاب شيئ عليه تعالى إلا ما أوجب على نفسه ، فلا يوجب عليه اللطف والأصلح ولا إرسال الرسل ولا غير ذلك ، ولا ينسب إلى الله ظلما ولا جورا ، ولا يشبه الله تعالى بخلقه فيحسن منه ما حسن منهم ويقبح منه ما قبح منهم.
وقال إن الحسن والقبح ليسا عقليين . وهذا القول يناقض قول المعتزلة ، وليس الصواب واحدا منهما ، بل الصحيح أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة ، ولكن ترتب الثواب والعقاب عليها لا يكون إلا بأمر ونهي الشارع.
10- وفي تعليل أفعال الله تعالى يوافق ابن حزم الأشعري وأصحابه وطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بالقول بعدم تعليل أفعال الله تعالى .
و[الصحيح ]أنه تعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها ، وقد يعلم العباد أو بعضهم الحكمة ، وقد لا يعلمونها ، ولا يدل عدم العلم بها على نفي وجودها.
هذا وأسأل الله المولى الكريم رب العرش العظيم أن يجعل خير أعمالنا خواتمها ...).
انتهى من : ابن حزم وموقفه من الإلهيات ص 473- 475 .. وقد وضعت أرقام الفقرات للتوضيح.
وبهذا يتضح أن ابن حزم مخالف للسلف في جملة كبيرة من مسائل الاعتقاد ، وهو بذلك لا يقل خطأ عن الأشاعرة والمعتزلة ،------------------------- بل يقول الخبير بمذهب المعتزلة والأشاعرة أعني شيخ الإسلام أبالعباس ابن تيمية رحمه الله في شرح الأصفهانية ص 106 - 110:-
(وبهذا يتبين أن الحي القابل للسمع والبصر والكلام إما أن يتصف بذلك وإما أن يتصف بضده وهو الصمم والبكم والخرس ومن قدر خلوه عنهما فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ...
وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية كابن حزم أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة وقال لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا .
ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات ، وقرمطة في السمعيات ، فإنإ نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور ، وإن العبد إذا قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور، كان قد أحسن في مناجاة ربه ، وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته ...
ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلاما وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم ، فلا يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم ، بل قد يمتنع عن تسميته مطلقا ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه ، وإنما امتنعوا عن بعضها ، وأيضا فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى ، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه ، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى ، بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم والقادر لجاز ذلك عنده ، فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع إدعائهم الحديث ومذهب السلف وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار .
ومعلوم أن الأشعري وأصحابه أقرب إلى السلف والأئمة ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير .
وأيضا فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات وينكرون على الأشعري وأصحابه ، والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا وانتسابا.
أما تحقيقا فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبين له ذلك وعلم هو وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة بل إلى الفلاسفة من الأشعرية ، وأن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث منهم .
وأيضا فإن إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلكت المعتزلة .
وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد.
وأما الانتساب : فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصا وسائر أئمة أهل الحديث عموما ظاهر مشهور في كتبهم كلها ...
وهذه الجمل نافعة ، فإن كثيرا من الناس ينتسب إلى السنة أو الحديث أو اتباع مذهب السلف أو الأئمة أو مذهب الإمام أحمد أو غيره من الأئمة أو قول الأشعري أو غيره ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم ، فمعرفة ذلك نافعة جدا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف والأئمة ، ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف والأئمة ، حتى نفوا حقيقة أسماء الله وصفاته، وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية ، بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه.) انتهى من شرح العقيدة الأصفهانية.
وأقول : صدق شيخ الإسلام ، فمعرفة ذلك نافعة جدا . وليس الأمر بالدعاوى والشعارات !
وقال شيخ الإسلام في درء التعارض 5/249،250
(وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن ، مذهب السنة والحديث في الصفات ، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك.)
وقال في درء التعارض 7/32-34
(فإن قيل : قلتَ إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول وأقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ، ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك.
قيل : هؤلاء أنواع:
نوع ليس لهم خبرة بالعقليات ...
والثاني : من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ، ويغلط فيها كما غلط غيره ، فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة ، وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما، وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم ، ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما).
ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي عن ابن حزم ، بعد أن وصفه بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع :
( ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل ، كالخالق والحق ، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا ؛ كالرحيم والعليم والقدير ونحوها ، بل العلم عنده هو القدرة ، والقدرة هي العلم ، وهما عين الذات ، ولا يدل العلم على شيئ زائد على الذات المجردة أصلا ، وهذا عين السفسطة والمكابرة ، وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة ، وأمعن في ذلك ، فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة ).
" مختصر طبقات علماء الحديث ص 401 " نقلا عن سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/187 عند الحديث رقم 91
وقال الذهبي في السير 18/186
(وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول).
ونقل الذهبي عن الإمام أبي القاسم صاعد بن أحمد قوله عن ابن حزم (وعني بعلم المنطق وبرع فيه ثم أعرض عنه )
وعلق الذهبي بقوله: ( قلت ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة).
فهذا حال ابن حزم رحمه الله وغفر له ، وأسأل الله أن يحينا على السنة ، وأن يميتنا عليها.
مخالفات الامام ابن حزم فى باب الايمان
1- قال الإمام ابن حزم في ((المحلى)) (1 / 62، طبعة دار الكتب العلمية):
( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر).
2- وقال في الفصل 4 / 90، طبعة عكاظ:
( و قد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير، ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل، ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام، فوجب الوقوف عند النصوص كلها المفسرة للنص المجمل)
3- وقال في كتاب الدّرّة بعد أن ناقش المرجئة في عدم اشتراط النّطق في الإيمان : ( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حكم بالكفر على من أبى من القول ، وإن كان عالماً بصحّة الإيمان بقلبه ، وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ) الدّرّة ص337ـ338 الطّبعة الأولى ، تحقيق أحمد بن ناصر الحمد ورفيقه .
4- وقال في الفصل ج 3 ص 255 :
اعتراضات للمرجئية الطبقات الثلاث المذكورة
قال أبو محمد : إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان
قلنا وبالله تعالى التوفيق :
إطلاق هذا القول خطأ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا ، فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر ضدا له ومنها ما يكون الفسق ضدا له لا الكفر ومنها ما يكون الترك ضدا له لا الكفر ولا الفسق.
فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان
وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر
وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضدا فهو كل ما كان من الأعمال تطوعا فإن تركه ضد العمل به وليس فسقا ولا كفرا ).انتهى كلام بن حزم---------
والجواب :
اولا-ابن حزم رحمه الله يرى أن من أتى بالإقرار والتصديق ، وضيع الأعمال كلها أنه مسلم ناج ( تحت المشيئة ). وبيان ذلك من وجوه :
الأول : أنه قال في المحلى : ( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر). وهذا عام في من ضيع عمل الجوارح وعمل القلب ، كما تدل عليه صيغة العموم ( الأعمال ). ومما يؤكد هذا استدلاله على هذه الجملة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " حتى إذا فرغ الله من قضائه بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله عز وجل أن يرحمه ، ممن يقول لا إله إلا الله ". ( المحلى 1/62).
وأكد ذلك في الفصل بقوله : (ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام).
الثاني : أنه أكد ذلك أيضا في كتابه الدرة ، حين قال :( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ) . ثم قوله : ( وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ).
وهذا صريح في القول بنجاة من أتى بالعلم ( المعرفة أو التصديق ) وقول اللسان ، وإن لم يعمل خيرا قط ، من أعمال القلوب أو الجوارح
الثالث : أنه جعل الكفر في مقابل : الإقرار والاعتقاد الذي هو المعرفة كما سيأتي ، وجعل الفسق في مقابل ترك الأعمال المفروضة ، وهي شاملة لأعمال القلب وأعمال الجوارح: ( فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان.
وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر ).
ثانيا--الدليل على أن ابن حزم يريد ب " الاعتقاد " التصديق والمعرفة :
قوله في الفصل 3/227 عند حكاية مذهب أهل السنة :
(وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح).
ثم أعاد حكاية مذهبهم فعبر عن المعرفة بالعقد وبالتصديق :
قال في (3/ 230)
(قال أبو محمد : فإذا سقط كل ما موهت به هذه الطوائف كلها ولم يبق لهم حجة أصلا فلنقل بعون الله عز وجل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان عقد وقول وعمل وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد : أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء ألبتة إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء ، وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط.
فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به و هو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء)
وانظر كلامه الآتي في عدم قبول التصديق للزيادة والنقص ، فقد عبر عن التصديق بالاعتقاد ، وقال ( ولا عدد للاعتقاد ولا كمية ، وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط) وذلك بعد قوله : ( والتصديق بالشيء أي شيئ كان لا يمكن ألبتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص ... الخ) الفصل 3/232 ، 233
الرد على من قال ان شيخ الاسلام بن تيمية مدحه فى باب الايمان:
فجوابه أن مدح شيخ الإسلام لابن حزم في مسائل الإيمان والإرجاء لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في ذلك صواب ، وإنما المقصود أنه أقوم من غيره ، كما صرح شيخ الإسلام.
قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/18،19
(وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة .
وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها ، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيما له ولأهله من غيره لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى،
وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له ، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق وكما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب مضموما إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ...).
فهو في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره.
ويستحمد بموافقة السنة والحديث في مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء و باب الصفات ، فهو في جميع هذه الأبواب يثبت الأحاديث الصحيحة ، ويعظم السلف وأئمة الحديث ، ويقول إنه موافق للإمام أحمد .
مع أنه في باب الصفات أقل حالا من الأشعري ، بل قوله موافق لقول الفلاسفة والمعتزلة في الحقيقة والمعنى.
وقد أجاد ابن حزم في الرد على الخوارج والمعتزلة والرد على المرجئة والجهمية والأشعرية ، لا سيما في إثبات أن الكفر يكون بالقول وبالفعل ، وإبطال حصره في الجحود والاعتقاد ، لكنه لم يسلم من موافقة المرجئة حين رأى إسلام من ترك عمل القلب !
وهذا ليس غريبا على من يضلل الأشعرية وينتصر لأحمد ، ثم يكونون أقرب إلى أحمد وأهل السنة منه ، ومن يوافق أهل السنة في اللفظ ، ويخالفهم في المعنى .
والحاصل أن ثناء شيخ الإسلام المذكور لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في باب الإيمان حق وصواب .