الموضوع السابع من كتاب حادثة تعرض النبي للسحر (ص: 416-419)

المبحث الرابع:
تحرير القول في التعامل مع من أثبت أو أنكر حديث حادثة السحر

1- بالعدل قامت السماوات والأرض
أن المسلم في أحكامه قائم بالقسط، يفرق بين مخالفة المجمع عليه ومخالفة المختلف فيه من المسائل
ويفرق بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، ويفرق بين أصحاب المناهج البدعية وأصحاب الأخطاء البدعية
ويفرق بين الحكم على الأشخاص والحكم على الأفعال، وهو في ذلك لا سباب ولا صخاب إلا رادا بالمثل.
فليس منكر الحديث والحديثين في الصحاح كالطاعن فيها كالمنكر للسنة
وليس منكر الحديث والحديثين في الصحاح كمنكر الآحاد
وليس راد الحديث بأصول أهل السنة في النقد كالمتعطش للطعن الطارق فيه كل باب.

قال المعلمي اليماني: "عدم الثبوت والطمأنية [في بعض أحاديث الآحاد عند بعض الناس] قد يكو لسبب بين، وقد يكون لسبب محتمل يقوى عند بعض أهل العلم ويضعف عند بعضهم، وقد يكون لمادون ذلك من هوى وزيغ وارتياب وتكذيب، وعلى الأمة أن تنزل كل واحد من هؤلاء منزلته بحسب ما يتبين من حاله، وكما أننا إذا رأينا من يتعبد عبادة غير ثابتة شرعاً فسألته فذكر حديثاً باطلاً فبينا له فقال: هو ثابت عندي مطمئن به قلبي، كان علينا أن ننكر عليه، وكان على ولي الأمر ومن في معناه منعه ومعاقبته، فكذلك إذا رأينا رجلاً ينفي حديثاً ثابتاً وبينا له ثبوته فقال لم يثبت عندي ولم يطمئن به قلبي، ولم يذكر سبباً، أو ذكر سبباً لا يعتد به شرعاً"([1]).
قال محمد الخضر حسين: "وأراني بعد هذا لا أنسب من ينكر هذا الحديث إلى ضلال أو سوء قصد لأن الشبه التي أوردها المنكرون ليست بهينة، وقصارى ما أقول فيه لم ينظر في الحديث نظرا يجمع بين ما تقتضيه قوانين علم الحديث وما يقتضيه منصب النبوة من سمو مقام النبي من أن يكون للسحر أثر في عقله"([2]).
(ص: 417)
ولقد استوقفني قول الجريسي: "ممن أنكر هذا الحديث أبو بكر الجصّاص، وأبو بكر الأصمّ، والقاسمي وغيرهم رحم الله الجميع"([3]).
فقلت: رحمك الله في الدنيا والآخرة، والمسلم شديد في الذب عن الدين ورد البدع، رحيم بالأمة([4]).

2- لا وجود لقول ثالث في الواقع (التوقف)
قال عبد الكريم الخطيب: "وهناك كثير من العلماء، آثروا العافية، وأعفوا أنفسهم من أن يكونوا طرفا في هذه القضية، وهؤلاء هم جماعة من أئمة المفسرين، لم يشاؤا أن يعرضوا لحديث السحر، عند تفسيرهم لسورة الفلق بل نظروا فى قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: 4] نظروا فيه نظرا مجانبا لحديث السحر، فلم يشيروا إلى هذا الحديث من قريب أو بعيد، مع أن هذا هو موضعه الذي يشار إليه فيه.. وهذا يعني أنهم في موقف توقّف إزاء هذا الحديث، وأنهم يميلون إلى ردّه، أكثر من ميلهم إلى قبوله.. ومن هؤلاء الأئمة المفسرين الذين وقفوا هذا الموقف من حديث السحر: الزمخشري، والطبري، والقرطبي، والنَّسفي.."([5]).
قلت:
- خلط بين التوقف والرد، فما ظهر لنا هل يرد الحديث أم يتوقف فيه.
- الأمثلة التي أوردها لا تصح:
1- القرطبي أورد الحديث في تفسيره سورة الفلق والبقرة والنحل.
2- الطبري أورد الحديث في موضع آخر من التفسير (تفسير سورة البقرة).
3- وهي موجودة أيضا في تفسير النسفي (ج3/701).
4- الزمخشري معتزلي
(ص: 418)
قال الرازي: "واعلم أن المعتزلة أنكروا ذلك بأسرهم"([6]).
وقد رجحنا إثباته للحديث، وليس هناك ما يدل على توقفه.
وعلى هذا لم يبق إلا عبد الكريم الخطيب في المتوقفين.
وليس بعيدا أن يكون هناك من توقف في الحديث، لكننا لا نعلمهم ولا نستطيع إقامة البرهان على توقفهم.
ولقد أورد الخطيب الأسباب التي دعته إلى التوقف، لكنها لم تَعْدُ الشبه التي أوردها منكروا الحديث.

3- والشبهات الواردة على الحديث قوية
ذكر محمد الخضر حسين: أن "الشبه التي أوردها المنكرون ليست بهينة"([7]).
وقال محمد جلال كشك: "أعترف أنني توقفت عندما قرأت الحديث.. كيف يسحر رسول الله؟
كيف يتقبل عقل علمي السحر؟ .."([8]).

4- وتجويز الأمرين ليس هو الحل
قال تاج الدين نوفل: "فمن كذب هذا واستبرأ لنبيه فله هذا .. ومن صدق هذا على أساس أنه بعيد عن العقل فله ذلك .."([9]).
وقال مسفر الدميني أيام رده للحديث: "ومهما يكن فهذا أمر للاجتهاد فيه مجال، والكل مأجور إن شاء الله ما دامت النية صادقة والأسباب متوفرة، عصمنا الله من الزلل"([10]).
قلت: بغض النظر عن أدلة كل طرف من حيث القوة أو الضعف فإن إثبات الحديث وحمله على المعنى المعقول فيه حفظ للسنة([11])، وأما إنكار الحديث ففيه تجريء عليها.
(ص: 419)
5- والمسلم ملزم بالإيمان به على وجه التفصيل إذا بلغه
قالت (معرف): "لا يوجد في شروط الإيمان بأن النبي سحر، وهذا يستلزم أن الله لن يعذبني على إنكار ذلك"([12]).
قلت: أما كون الحديث مقتصرا على خبر تاريخي لا يلزم منه حساب ولا عقاب، فهذا صحيح لو كان الحديث مقتصرا على هذا الخبر، وكان هذا الخبر مجردا من المعاني والدلالات الشرعية العملية والاعتقادية، فمتى ما بلغ المسلم شيء من تلك المعاني، وثبت عنده صحتها وجب عليه الاعتقاد والامتثال.
والمسلم ملزم بالإيمان بما جاءت به السنة على وجه الإجمال في غير ضرورات الدين، فمتى ما بلغه شيء منها على وجه التفصيل وجب عليه الإيمان به، فإن أنكره فقد خالف، وبعده من السنة وقربه منها يكون بقدر ما أنكره.

6- وخير ما يفعله المنكر عدم الترويج للإنكار
قال حسام تمام: "كان الحاج (محمد رشاد غانم) صاحب فكر ومتمسك بفكره، لكنه منفتح على الآخرين وله في أدب الخلاف، بل كان لديه المقدرة على أن يتبنى الفكرة ويعتقدها دون أن يروِّج لها فهو كان يرفض تمامًا حديث سحر النبي"([13]).

7- وحال الأمة في هذا الحديث مطابق لحالها العام؛ الضياع بين القيل والقال
قال (رشيدي):
- أصل المسألة ضاع بين النقد والنقد المضاد الذي لن ينتهي.
- خلال النقد ترتكب أخطاء (فيرد الآخرون عليها).


([1]) الأنوار الكاشفة (ص: 252).
([2]) الأعمال الكاملة ج6: (189-190).
([3]) الحذر من السحر (ص: 60).
([4]) في كلام ابن تيمية ما يشير إلى ذلك، ولتنظر فتوى البراك في الزمخشري.
([5]) التفسير القرآني (ج16/1741).
([6]) تفسير الرازي (ج32/187).
([7]) الأعمال الكاملة ج6: (189-190).
([8]) الحق المر (ص: 31).
([9]) السحر والسحرة (ص: 30).
([10]) مقاييس نقد متون السنة (ص: 236).
([11]) وليقل من شاء ما شاء، فليس في رد الحديث إسكات للمشغبين، وقد طُعِنَ في الأنبياء رغم ما حلوا به من صفات الكمال.
([12]) المنتديات.
([13]) مقال: محمد رشاد غانم..مدرسة سلفية في محل أنتيكات.