قال الامام ابو القاسم اللالكائي (المتوفى: 418هـ)


"ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ حِينِ حَدَثَتْ هَذِهِ الْآرَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْإِسْلَامِ، وَظَهَرَتْ هَذِهِ الْبِدَعُ مِنْ قَدِيمِ الْأَيَّامِ، وَفَشَتْ فِي خَاصَّةِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ، وَأُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ حُبَّهَا، حَتَّى خَاصَمُوا فِيهَا بِزَعْمِهِمْ تَدَيُّنًا أَوْ تَحَرُّجًا مِنَ الْآثَارِ

لَمْ تَرَ دَعْوَتَهُمُ انْتَشَرَتْ فِي عَشَرَةٍ مِنْ مَنَابِرِ الْإِسْلَامِ مُتَوَالِيَةٍ، وَلَا أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَتُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَالِيَةً، أَوْ مَقَالَتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةً، بَلْ كَانَتْ دَاحِضَةً وَضِيعَةً مَهْجُورَةً، وَكَلِمَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَمَذَاهِبُهُمْ كَالشَّمْسِ نَائِرَةٌ، وَنُصُبُ الْحَقِّ زَاهِرَةٌ، وَأَعْلَامُهَا بِالنَّصْرِ مَشْهُورَةٌ

وَأَعْدَاؤُهَا بِالْقَمْعِ مَقْهُورَةٌ، يُنْطَقُ بِمَفَاخِرِهَا عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَابِرِ، وَتُدَوَّنُ مَنَاقِبُهَا فِي الْكُتُبِ وَالدَّفَاتِرِ، وَتُسْتَفْتَحُ بِهَا الْخُطَبُ وَتُخْتَمُ، وَيُفْصَلُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُحْكَمُ، وَتُعْقَدُ عَلَيْهَا الْمَجَالِسُ وَتُبْرَمُ، وَتَظْهَرُ عَلَى الْكَرَاسِيِّ وَتُدَرَّسُ وَتُعَلَّمُ

وَمَقَالَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا بِسُلْطَانٍ قَاهِرٍ، أَوْ بِشَيْطَانٍ مُعَانِدٍ فَاجِرٍ، يُضِلُّ النَّاسَ خَفِيًّا بِبِدْعَتِهِ، أَوْ يَقْهَرُ ذَاكَ بِسَيْفِهِ وَسَوْطِهِ، أَوْ يَسْتَمِيلُ قَلْبَهُ بِمَالِهِ لِيُضِلَّهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ؛ حَمِيَّةً لِبِدْعَتِهِ، وَذَبًّا عَنْ ضَلَالَتِهِ؛

لِيَرُدَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَيَفْتِنَهُمْ عَنْ أَدْيَانِهِمْ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَدَخَلُوا فِي دِينِهِمَا رغْبَةً أَوْ قَهْرًا، حَتَّى كَمُلَتِ الدَّعْوَةُ، وَاسْتَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ."

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص15