امتلاك قلب الزوج هو هدف كل زوجة تنشد حياة زوجية سعيدة، وهو الشغل الشاغل لمن تتمنى الحب والاستقرار العائلي، والمطبخ ركنًا أساسيًّا من الحياة الزوجية، ومملكة الزوجة الخاصة، والطبخ من أشهر أسلحتها للاستحواذ على أعجاب زوجها بل وعائلتها، فبالأطباق الشهية لذيذة المذاق تستطيع الزوجة أن تسعد زوجها وعائلتها، وتجذبهم للجلوس على مائدتها المنزلية، حيث يجمعهم الدفء العائلي الذي تفتقده أشهر المطاعم مهما قدمت من أكلات نادرة ومتميزة.
إن الطهي مهارة وفن يكسب المرأة الكثير بتعلمه، فهو مساحة تميُّز للمرأة وتشعرها بروعة ومتعة دورها في الأسرة، وهو شكلا من أشكال تعبيرها عن حبها ورعايتها لأفراد أسرتها، كما أنه استعراض لمهارتها في تحويل الأفكار والخبرات إلى أكلات شهية، بل إن البعض يرى أن جودة الطعام ولذته إنما ترتبط بالعاطفة والرغبة في إسعاد الغير، خاصة وأن العلماء قد اكتشفوا أن مركز الرغبة في الإنسان موجود في منطقة تحت المهاد بالمخ، وقد لا تكون صدفة أنها نفس المنطقة التي تتحكم في شهية الإنسان للطعام والشراب.
إليك عزيزتي الزوجة
الرجال عادة عندهم ولع شخصي بتذوق الطعام من يد زوجاتهم، ولا يثقون بأي أيد غريبة تعد الطعام كالخدم ونحوهم، فاحرصي على أن تجهزي بيديك لزوجك وأسرتك ما لذ وطاب، فرائحة الطهي في البيت عند حضور الزوج من العمل أسرع نفاذا إلى قلبه من أبلغ كلمات الحب في العالم.
استعيني بالله عز وجل في أمرك كله، وابدئي إعداد الوجبات دائماً بالتسمية لجلب البركة في الطعام، وعند تذوق الطعام اذكري الله، ورددي: «بسم الله، ما شاء الله، اللهم بارك لنا في طعامنا»، واعلمي أن نية صالحة مع تعب وجهد، تحول العادة لعبادة، وتجني من ورائها أجرا كبيرا بإذن الله تعالى.
الرجل مغرم بالزوجة التي تقدم الوجبات وترافقها الابتسامة، فالابتسامة تجعل الطعام ألذ حتى وإن كان بسيطا، أما لغة الشكوى من طول الوقوف في المطبخ والمعاناة المستمرة مع الأولاد .. لن تثمر سوى شهية فاترة، حتى ولو كان الطعام مما لذ وطاب.
حذار من أن يستبد الجوع بزوجك، أو تقديم الأكل له شديد السخونة، حيث يذكر علماء النفس أن الإنسان حال جوعه يفسر ما يراه على أنه يشبه كذا من أنواع الطعام، وكذلك ما يشمه من روائح، فالجائع تنطلق مشاعره كلها نحو الطعام مما يزيد من معاناته إذا تأخر الأكل أو طالت فترة انتظاره، وصدقت العربية الأصيلة (أم إمامة بنت الحارث) حين قالت لبنتها ناصحة: «فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة».
كوني عصرية وتقيدي بكل ما ينصح به خبراء التغذية، بل وتخلصي من كل الأفكار القديمة الخاطئة، وخصوصا وصفات الطعام الدسمة جدا ثقيلة الهضم .. اهتمي بإعداد الوجبات البسيطة والخفيفة، مع المحافظة على التنوع الغذائي والتوازن بين عناصره ليناسب كل أفراد الأسرة بمختلف أعمارهم واحتياجاتهم، ولا يفوتك حسن اختيار الألوان الجذابة وطريقة التقديم الأنيقة، فالعين تأكل قبل الفم.
طوري نفسك وحاولي أن تخرجي عن النمطية في إعداد الوجبات التقليدية مستعينة بأشهر كتب الطهي العصرية وبرامج الطهي التلفازية المتنوعة، فالطهي علم له حساباته وفن له أسراره، وليس مسألة صدفة أو «نفس» كما يقول البعض .. إنه مقادير معينة تخلط بطريقة مرتبة مع درجة حرارة ملائمة، كل هذا يدعمه صبر كبير من الطاهية، ومراقبة للطعام دون ضجر أو تسرع.
في بداية الحياة الزوجية من الأفضل أن تكوني حذرة وتتبعي لغة « جس النبض» كما يقال .. تعرفي تدريجياً على ما مزاج زوجك وما يحبه من أكلات ووصفات .. يمكنك ابتداء الاعتماد على الوصفات البسيطة التي تجيدينها، وإذا لم تكوني محترفة للطهي فحاولي اختصار الجهد باستخدام – مثلا- صدور الدجاج الجاهزة بدلا خلي الدجاج الكامل الذي يحتاج لمهارة في نزع عظامه، وبعض المكونات نصف تجهيز، وذلك لتقليص فترة الطهي بالإضافة لعدم الحاجة إلى مهارة عالية في التنظيف والتجهيز.
حذار أن تجعلي أفراد الأسرة حقل تجارب، لذلك فأوقات الفراغ -وخاصة الأجازات الصيفية- فرصة غنية مسبقة لكي تتعلمي فنون الطهي من الوالدة أو الصديقات، فمن الصعب الإحساس بالفشل خاصة أمام من نحبهم، وكي لا يكون لدى زوجك ما يحمله على عتابك بسبب وبدون سبب، أو تكوني مدعاة للسخرية أو التندر من أهله وأقاربه.
ومن الأهمية بمكان اهتمام الفتاة قبل الزواج -مهما كانت ظروف دراستها أو عملها– بإجادة الطهي، وعمل أنواع الوصفات المختلفة، وأن تحاول جاهدة إتقان مهارات إدارة المنزل حتى تتقرب إلى زوجها عمليا بفعل ما يحبه، وتدخل بذلك البهجة على قلبه بتفانيها في إسعاده بشتى الطرق.
إن الحياة أدوار، والسر في استقرار حياة الزوجين أن يعرف كل طرف الدور المنوط به، وفي الدورات التدريبية المكثفة الحل لمن فاتها تعلم مهارات الطبخ وإدارة شئون البيت في فترة صباها، كي تكون جديرة بالمسئولية التي ستلقى فوق عاتقها، خاصة وأنه في بداية الحياة الزوجية يكون كل طرف غريب عن الآخر وفي مرحلة استكشاف لصاحبه، والظهور بمظهر الفشل في مثل هذه المرحلة لا يكون لصالح أي طرف، مهما اكتسب من خبرات بعد ذلك.
كثير من الرجال يراودهم الحنين إلى طبخات أمهاتهم، وقد يأخذ هذا الحنين شكل النكاية في الزوجات اللاتي لسن بمستوى وبراعة الأمهات في الطبخ، فحاولي أن تتقبلي الأمر بشيء من المرونة والتفاهم، ولا تظهري نوازع الغيرة العمياء من حماتك، خاصة إذا عرفت أن خلايا التذوق في اللسان تبلغ ذروتها في مرحلتي الطفولة والمراهقة، ثم تقل بنسبة 10 % في مرحلة الرجولة المتقدمة والكهولة. لذلك فإن ما يتناوله المرء في مراهقته المبكرة يظل عالقا على لسانه وفي ذهنه وقلبه على أنه الألذ، وهو ما يفسر تفضيل الأزواج لطعام أمهاتهم على طعام زوجاتهم.
إن نمط ونظام الزوج الغذائي ليس وليد لحظة، بل هو مرحلة كبيرة من العمر تمتد من أول يوم استهل فيه صارخا، لذا فالتغيير ربما يكون عسيرا، والأولى هو أن تدخلي عالمه وعاداته التي نشأ عليها، وهذا لن يكون إلا بالانخراط في جو أسرته التي نشأ بين أحضانها، ومحاوله التعرف على كل الأصناف التي تروق له، وطريقة إعدادها سواء من الأم أو الأخت، فلكل عائلة خصوصية غذائية وأسلوب خاص بها، وسعادتك منوطة بالتأقلم معها.
نحن نأكل لكي نعيش، لا نعيش لكي نأكل .. لا تجعلي من الطعام قضيتك الأسرية الوحيدة فتوليها كل اهتمام وإنفاق وبذخ، فما عال من اقتصد، والله لا يحب المسرفين، والإسلام لا يحض على ضيق العيش والتقشف، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَات ِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] ولكنه في الوقت ذاته لا يريد أناساً متخمين ممتلئة بطونهم بكل ما لذ وطاب، يركنون إلى الدنيا ولذَّاتها .. إن الرجال الذين ينغمسون في التشبع والامتلاء، ولا هم لهم إلا الحديث عن الجديد في وسائل الطهي وفنون التلذذ، لا يصلحون لأعمالٍ جليلة، ولا ترشحهم هممهم لبناءٍ أو تضحية، وقديما قال الأحنف بن قيس رحمة الله عليه: «جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصّـافاً لفرجه وبطنه» [سير أعلام النبلاء]، و «التخمة تذهب الفطنة» كما يقولون.
لا توجد صعوبة مطلقا في التنسيق والتوازن بين مظهرك الشخصي وشئون الطبخ .. إن رائحة الثوم والبصل في ثيابك الملطخة ببقايا الصلصة والزيت لن تشفع لها الوجبات الشهية التي حضرتها لزوجك، فالرجل يعشق بعينه غالبا، وقديما قالوا «لا يشم منك إلا أطيب ريح، ولا تقع عيناه منك على قبيح»، ومن اعتبرت الزوج أو الزواج بابا مفتوحا لها للجنة سوف توازن بين كل هذه الأمور، وتحرص كل الحرص على رضا زوجها، بدون أن يطغى جانب على الآخر. وما أجمل قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك» [صحيح الجامع: 1509]
وأخيرا تبقى قضية «الطبخ» أحد الركائز المهمة في بناء البيت السعيد، فإذا كانت الزوجة تجيد إعداد الطعام لزوجها العائد من يوم عمل متعب وشاق، فهذا ينعكس بالطبع إيجابا على حالته المزاجية، ويساعده على استعادة حيويته، وينعش روح الدعابة لديه، ويخرجه من عناء يوم العمل الطويل؛ والعكس صحيح فإذا كانت الزوجة تعد طعام أقرب للمحنة منه إلى المنحة فلا تلومن إلا نفسها إذا وجدت من زوجها نشوزا أو إعراض، نتيجة إحساسه بالفشل في الاختيار، واختلافه عن أقرانه سعداء الحظ بزوجات ناجحات، وقد تترك هذه المشكلة في نفسه ندبة لا تداويها كل مطاعم الدنيا حتى ولو وجد يسارا في الذهاب إليها.
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com