قال رحمه الله في كتابه الكفاية في علم الرواية 2 / 246 وقد نقل مذاهب العلماء في حكم زيادة الثقة :
( باب القول في حكم خبر العدل إذا انفرد برواية زيادة فيه لم يروها غيره )
والدي نختاره من هذه الأقوال : أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ، ومعمول بها
إذا كان راويها عدلا حافظا ومتقنا ضابطا ، والدليل على صحة ذلك أمور :
أحدها : اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله ، ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به معارضا له ، ولا قادحا في عدالة راويه ولا مبطلا له ، وكذلك سبيل الإنفراد بالزيادة.
فإن قيل : ما أنكرت ان يكون الفرق بين الأمرين أنه غير ممتنع سماع الواحد الحديث من الراوي وحده وانفراده به، ويمتنع في العادة سماع الجماعة لحديث واحد ، وذهاب زيادة فيه عليهم ونسيانها إلا الواحد ، بل هو أقرب الى الغلط والسهو منهم فافترق الأمران.
قلت : هذا باطل من وجوه غير ممتنعة :
أحدها : أن يكون الراوي حدث بالحديث في وقتين ، وكانت الزيادة في أحدهما دون الوقت الآخر، ويحتمل أيضا أن يكون قد كرر الراوي الحديث ، فرواه أولا بالزيادة وسمعه الواحد ، ثم أعاده بغير زيادة اقتصارا على أنه قد كان أتمه من قبل وضبطه عنه من يجب العمل بخبره إذا رواه عنه ، وذلك غير ممتنع ، وربما كان الراوي قد سها عن ذكر تلك الزيادة لما كرر الحديث ، وتركها غير متعمد لحذفها ، ويجوز أن يكون ابتدأ بذكر ذلك الحديث ، وفي أوله الزيادة ، ثم دخل داخل فأدرك بقية الحديث ، ولم يسمع الزيادة ، فنقل ما سمعه فيكون السامع الأول قد وعاه بتمامه .
وقد روى مثل هذا في خبر جرى الكلام فيه بين الزبير بن العوام وبين بعض الصحابة .
1301 - أخبرناه أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة ، قال : ثنا علي بن إسحاق المادرائي، قال: ثنا جنيد بن حكيم ، قال: حدثنا مصعب - يعني : ابن عبد الله الزبيري - قال : ثنا الضحاك بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن عروة، عن أبيه، قال : سمع الزبير رجلا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ الرجل من حديثه قال له الزبير : هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : صدقت ، ولكنك كنت يومئذ غائبا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن رجل من أهل الكتاب ، فجئت في آخر الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فحسبت أنه يحدث عن نفسه هذا ، وشبهه يمنعنا من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك روي عن زيد بن ثابت أنه قال لرافع بن خديج في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن كراء المزارع .
1302- أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر المعدل ، وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار قال إبراهيم : حدثنا، وقال هلال : أخبرنا الحسين بن يحيى ين عياش القطان قال حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي قال ثنا يزيد بن زريع عن عبد الرحمن بن إسحاق، ح .
وأخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي قال ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا ابن علية، قال أبو داود : وثنا مسدد قال ثنا بشر - يعني ابن المفضل - المعنى ، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير ، قال : قال زيد بن ثابت : يغفر الله لرافع بن خديج أنا - والله - أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان، قال مسدد : من الأنصار ، ثم اتفقا قد اقتتلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان هذا شانكم فلا تكروا المزارع .
زاد مسدد : فسمع قوله : لا تكروا المزارع ، واللفظ لحديث أبي داود.
ويجوز أن يسمع الحديث من الراوي الاثنان والثلاثة ، فينسى اثنان منهما الزيادة ويحفظها الواحد ويرويها ، ويجوز أن يحضر الحماعة سماع الحديث ، فيتطاول حتى يغشى النوم بعضهم ، أو يشغله خاطر نفس وفكر قلب في أمر آخر ؛ فيقتطعه عما سمعه غيره ، وربما عرض لبعض سامعي الحديث أمر يوجب القيام ، ويضطره الى ترك استتمام الحديث ، وإذا كان ما ذكرناه جائزا فسد ما قاله المخالف .
1303 - أخبرنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر الإمام بأصبهان ، قال ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال ثنا علي بن عبد العزيز قال ثنا أبو نعيم ، قال سليمان : وثنا معاذ بن المثنى قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان، عن جامع بن شداد أبي صخرة المحاربي ، عن صفوان بن محرز المازني ، عن عمران بن حصين ، قال : أتى نفر من بني تميم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم . فقالوا : قد بشرتنا فأعطنا فرئى ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء نفر من أهل اليمن فقال : اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم . قالوا : قد قبلنا يا رسول الله ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ببدء الخلق والعرش ، فجاء رجل فقال : يا عمران راحلتك ، فقمت ، فليتني لم أقم .
ويدل أيضا على صحة ما ذكرناه ان الثقة العدل يقول : سمعت وحفظت ما لم يسمع الباقون ، وهم يقولون : ما سمعنا ولا حفظنا ، وليس ذلك تكذيبا له ، وإنما هو إخبار عن عدم علمهم بما علمه، وذلك لا يمنع علمه به .
ولهذا المعنى وجب قبول الخبر إذا انفرد به دونهم ولأجله أيضا قبلت الزيادة في الشهادة إذا شهدوا جميعا بثبوت الحق وشهد بعضهم بزيادة حق آخر وبالبراءة منه ولم يشهد الآخرون .
وأما علة من اعتل في ترك قبولها ببعد ذهابها عن الجماعة وحفظ الواحد لها فقد بينا فسادها فيما تقدم ، وجواز ذلك من غير وجه.
وأما فصل من فصل بين ان تكون الزيادة موجبة لحكم أو غير موجبة له فلا وجه له ؛ لأنه إذا وجب قبولها مع ايجابها حكما زائدا فبأن تقبل إذا لم توجب زيادة حكم أولى ؛ لأن ما يثبت به الحكم أشد في هذا الباب .
ومن الأحاديث التي تفرد بعض رواتها بزيادة فيها توجب زيادة حكم ما :
1304 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن محمد الأصبهاني الحافظ بنيسابور قال أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال حدثنا أبو كريب قال ثنا ابن أبي زائدة عن سعد بن طارق قال حدثني ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، وذكر خصلة أخرى .
قوله : وجعلت تربتها لنا طهورا ، زيادة لم يروها - فيما أعلم - غير سعد بن طارق عن ربعي بن حراش ، وكل الأحاديث لفظها : وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا.
1305 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنا عثمان بن أحمد الدقاق قال ثنا الحسن بن مكرم بن حسان قال ثنا عثمان بن عمر قال ثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة في أول وقتها. قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله. قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين.
قوله : في أول وقتها . زيادة لا نعلم رواها في حديث ابن مسعود الا عثمان بن عمر عن مالك بن مغول ، وكل الرواة قالوا عن مالك : الصلاة لوقتها.
وأما فصل من فصل بين ان تكون الزيادة في الخبر من رواية روايه بغير زيادة وبين ان تكون من رواية غيره فإنه لا وجه له ؛ لأنه قد يسمع الحديث متكررا تارة بزيادة وتارة بغير زيادة كما يسمعه على الوجهين من راويين ، وقد ينسى الزيادة تارة فيرويه بحذفها مع النسيان لها ، والشك فيها ، ويذكرها فيرويها مع الذكر واليقين وكما إنه لو روى الحديث ونسيه ، وقال : لا أذكر أني رويته ، وقد حفظ عنه ثقة وجب قبوله برواية الثقة عنه ، فكذلك هذا .
وكما لو روى حديثا مثبتا لحكم وحديثا ناسخا له وجب قبولهما ، فكذلك حكم خبره إذا رواه تارة زائدا وتارة ناقصا ، وهذه جملة كافية .اهــ