تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 21

الموضوع: يا طلبة العلم: لا لمواقف التهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي يا طلبة العلم: لا لمواقف التهم

    إن حفظ هيبة العالم أو الداعية إنما هو من تمام الدين وصيانة العلم وحفظ مكانته بحفظ مكانة أصحابه وحملته، وليس هذا من باب الكبر، وإنما من باب تعظيم قدر العلم.. وقد كان مالك بن أنس مهابًا لا يجرؤ أحد أن يتكلم بحضرته، ولا أن يسأله هيبة له، وإذا تكلم لا يرد عليه.
    قال الشافعي: (كنت أصفح الورق بين يدي مالك صفحًا رقيقًا هيبة أن يسمع وقعه).
    قال الخطيب في الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع: (يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب والعبث والتبذل في المجالس بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح يسيره ونادره وطريفه الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر؛ فإنه مذموم وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة).
    قال موسى بن أعين: قال الأوزاعي: (كنا نضحك ونمزح فلما صرنا يقتدى بنا خشينا أن لا يسمعنا التبسم).

    ولا تتم للعالم والداعية مثل هذه الهيبة حتى يحمي حماها فلا يقف في موقف يزري فيه نفسه، ولا ينتقص فيه قدره، وإن لم يكن فيه خرم لمروءة، أو نقص لكمال خلق، وإنما من باب دفع التهم عن النفس، وقيل: (إياك وما سبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره).
    يقول الشافعي رحمه الله: (لو علمت أن شرب الماء ينقص مروءتي ما شربته).
    فلما حفظ هيبة نفسه حفظ الله هيبته وأعلى مكانته..
    يقول الربيع تلميذه: (والله ما اجترأت أن أشرب والشافعي ينظر إليَّ هيبة منه).

    ومن هذا الباب أيضًا ما يذكرونه أن ملك الروم دعا الباقلاني إلى مائدته، تكرمة له لأنه رسول السلطان.. فقال له الباقلاني: أنا من علماء المسلمين، ولست كالرسل من الجند وغيرهم الذي يعرفون ما يجرى في هذا الموطن عليهم، والملك يعلم أن العلماء لا يقدرون أن يدخلوا في هذه الأشياء وهم يعلمون، وأخشى أن يكون على مائدته من لحوم الخنازير، وما حرمه الله تعالى، على رسوله وعلى المؤمنين.. فانظر كيف راعى نظرة العوام له، وماذا سيقولون عنه إذا علموا أنه أكل من طعام الملك وفيه ما فيه من خمور ومحرم.. فاحترز لنفسه واشترط.
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: ( قال علماؤنا لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر، كُـره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها).
    والخلاصة أن من احترم دينه ونفسه لابد أن يحترمه الناس.. ومن أهان نفسه ودينه أذله الله.
    ولو أنَّ أهل العِلْمِ صانوه صانهم ... ولو عظَّموهُ في القلوبِ لعَظَّمَا
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا يا شيخ محمد .
    لكن الهيبة التي تكون للعلماء في قلوب الخلق ليس مصدرها ما تفضلتم به فقط، بل لابد مع ذلك من إصلاح ما بينه وبين ربه فإن ذلك يورث هيبة في قلوب الخلق أعظم مما يحدثه إصلاح الظاهر وصيانة المروءة الظاهرة. والله أعلم
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي أحمد عبد الباقي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرًا يا شيخ محمد .
    لكن الهيبة التي تكون للعلماء في قلوب الخلق ليس مصدرها ما تفضلتم به فقط، بل لابد مع ذلك من إصلاح ما بينه وبين ربه فإن ذلك يورث هيبة في قلوب الخلق أعظم مما يحدثه إصلاح الظاهر وصيانة المروءة الظاهرة. والله أعلم

    أحسن الله إليك، ما تفضلت بذكره لا شك فيه، وهو الأصل لا للعلماء وحسب؛ بل لعامة المسلمين.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قال الشيخ ابن عثيمين في (لقاءات الباب المفتوح): سب العلماء أشد إثما؛ لأن سب العالم لا يكون الضرر فيه على شخص العالم، بل عليه وعلى ما يحمله من العلم؛ لأن العالم إذا سبه أحد نزل قدره في أعين الناس، وإذا نزل قدره في أعين الناس لم يتقبلوا منه، فيكون في ذلك ضرر على الشريعة التي يحملها، مع أن السب حرام سواء من العالم أو من العامي. اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    وقال في (شرح رياض الصالحين): الكلام في أهل العلم ليس كالكلام في عامة الناس، الكلام في عامة الناس ربما يجرح الرجل نفسه، لكن الكلام في أهل العلم جرح في العلماء، وجرح فيما يحملونه من الشريعة، لأن الناس لن يثقوا بهم إذا كثر القول فيهم والخوض فيهم، ولهذا يجب عند كثرة الكلام، وخوض الناس في أمر من الأمور أن يحرص الإنسان على كف لسانه، وعدم الكلام إلا فيما كانت مصلحته ظاهرة، حتى لو سئل فإنه يقول: نسأل الله الهداية: نسأل الله أن يهدي الجميع.اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    وقال في (شرح رياض الصالحين): فالحاصل أن الغيبة حرام، ومن كبائر الذنوب، ولا سيما إذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من الأمراء أو العلماء، فإن غيبة هؤلاء أشد من غيبة سائر الناس، لأن غيبة العلماء تقلل من شأن العلم الذي في صدورهم، والذي يعلمونه الناس، فلا يقبل الناس ما يأتون به من العلم، وهذا ضرر على الدين، وغيبة الأمراء تقلل من هيبة الناس لهم؛ فيتمردون عليهم وإذا تمرد الناس على الأمراء فلا تسأل عن الفوضى.اهـ
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    وقال في (شرح رياض الصالحين): قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب توقير العلماء، وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم، يعني وما يتعلق بهذا من المعاني الجليلة.يريد المؤلف ـ رحمه الله ـ بالعلماء علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العلماء ورثة الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، فإن النبي صلى عليه وسلم توفي عن بنته فاطمة وعمه العباس ولم يرثوا شيئاً؛ لأن الأنبياء لا يورثون إنما ورثوا العلم.
    فالعلم شريعة الله فمن أخذ بالعلم؛ أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء.
    وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم، فلمن ورثهم نصيب من ذلك، أن يبجل ويعظم ويكرم، فلهذا عقد المؤلف رحمه الله لهذه المسألة العظيمة باباً؛ لأنها مسألة عظيمة ومهمة.
    وبتوقير العلماء توقر الشريعة؛ لأنهم حاملوها، وبإهانة العلماء تهان الشريعة؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس؛ ذلت الشريعة التي يحملونها، ولم يبق لها قيمة عند الناس، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع الشريعة.
    كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم، حسب ما جاءت به الشريعة؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس، وأذلوا، وهون أمرهم؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ.
    فهذان الصنفان من الناس: العلماء والأمراء، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة، وفسدت الأمن، وضاعت الأمور، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم، وكل إنسان يرى لأنه هو الأمير، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59] .
    ونضرب لكم مثلاً: إذا لم يعظم العلماء والأمراء، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئاً قالوا: هذا هين، قال فلان خلاف ذلك.
    أو قالوا: هذا هين هو يعرف ونحن نعرف، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم، وقيل لهم: هذا قول الإمام أحمد بن حنبل، أو هذا قول الشافعي، أو قول مالك، أو قول أبي حنيفة، أو قول سفيان، أو ما أشبه ذلك قال: نعم، هم رجال ونحن رجال، لكن فرق بين رجولة هؤلاء ورجولة هؤلاء، من أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد وحتى تجعل نفسك نداً لهؤلاء الأئمة رحمهم الله؟
    فإذا استهان الناس بالعلماء كل واحد يقول: أنا العالم، أنا النحرير، أنا الفهامة، أنا العلامة، أنا البحر الذي لا ساحل له وصار كل يتكلم بما شاء، ويفتي بما شاء، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء.اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    وقال في (شرح رياض الصالحين): ثم قال ((يرحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)) .
    والشاهد من الحديث هذه الكلمة، وهي أن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يؤذون ويصبرون، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قيل له هذا الكلام بعد ثماني سنين من هجرته. يعنى ليس في أول، بل بعد ما مكن الله له، وبعدما عرف صدقه وبعدما أظهر الله آيات الرسول في الآفاق وفي أنفسهم، ومع ذلك يقال: هذه القسمة لم يعدل فيها ولم يرد بها وجه الله.
    فإذا كان هذا قول رجل في صحابة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ للنبي صلى الله عليه وسلم فلا تستغرب أن يقول الناس في عالم من العلماء: أن هذا العالم فيه كذا وفيه كذا ويصفونه بالعيوب، لأن الشيطان هو الذي يؤز هؤلاء على أن يقدحوا العلماء، لأنهم إذا قدحوا في العلماء سقطت أقوالهم عند الناس ما بقي للناس أحد يقودهم بكتاب الله. ومن يقودهم بكتاب الله إذا لم يثقوا بالعلماء وأقوالهم؟ تقودهم الشياطين وحزب الشيطان، ولذلك كانت غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية، إن ضرت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضر الإسلام كله؛ لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم؛ سقط لواء الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية.
    فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة، فإن لحوم العلماء ميتة مسمومة، لما فيها من الضرر العظيم، فلا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء! وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل، فاصبر، واحتسب الأجر من الله عز وجل، واعلم أن العاقبة للتقوى، فمادام الإنسان في تقوى وعلى نور من الله عز وجل فإن العاقبة له.اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا يا أبا يوسف
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرًا يا أبا يوسف
    وجزاك مثله أبا البراء.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    إن من السنة توقير العالم .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    إن من السنة توقير العالم .

    نعم شيخنا بارك الله فيك، لكن لابد أن يحفظ طالب العلم هيبته أولًا، وهذا ما أردته.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وللعلامة الشيخ زيد بن عبد العزيز الفياض رحمه الله كتاب :
    العلم والعلماء
    وهو كتاب ماتع رائع في بابه
    وذكر في الكتاب ص 99 :
    هيبة العلماء وتوقيرهم
    قال ابن عباس: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار فأسألهم عن مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدًا منهم إلا سُرَّ بإتياني إليه؛ لقربي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أسأل أبي بن كعب يومًا - وكان من الراسخين في العلم - عمَّا نزل من القرآن بالمدينة فقال: نزل سبع وعشرون سورة وسائرها مكي.

    وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية - رضي الله عنه - حاجًّا معه ابن عباس - رضي الله عنهما - وكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممَّن يطلب العلم.

    وقال عبدالله بن يزيد الهلالي:
    وَنَحْنُ وَلَدْنَا الفَضْلَ وَالحَبْرَ بَعْدَهُ
    وَغَيْثَ أَبَا العَبَّاسِ ذَا الفَضْلِ وَالنَّدَى
    وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري:
    إِذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَكَ وَجْهُهُ
    رَأَيْتَ لَهُ فِي كُلِّ أَحْوالِهِ فَضْلاَ
    إِذَا قالَ لَمْ يَترُكْ مَقَالاً لِقَائِلٍ
    بِمُلتَقَطَاتٍ لاَ تَرَى بَينَهَا فَصْلاَ
    كَفَى وَشَفَى مَا فِي النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ
    لِذِي إِرْبَةٍ فِي القَوْلِ جَدًّا وَلاَ هَزْلاَ
    ومرَّ عبدالله بن صفوان يومًا بدار عبدالله بن عباس فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه، ومرَّ بدار عبيدالله بن عباس فرأى فيها جمعًا يتناوبونها للطعام، فدخل على ابن الزبير فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر:
    فَإِنْ تُصِبْكَ مِنَ الأَيَّامِ قَارِعَةٌ
    لَمْ نَبْكِ مِنْكَ عَلَى دُنْيَا وَلاَ دِينِ
    فقال: وما ذاك يا أعرج؟ فقال: هذان ابنا العباس، أحدهما يفقِّه الناس والآخر يطعم الناس، فما أبقيا لك مكرمة، فدعا عبدالله بن مطيع وقال له: انطلق إلى ابني العباس فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين: أخرجا عني أنتما ومَن انضوى إليكما من أهل العراق، وإلا فعلت وفعلت، فقال عبدالله: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان: رجل يطلب فقهًا، ورجل يطلب فضلاً، فأي هذين تمنع؟[1].

    وقال ابن عباس: لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا شابٌّ قلت لشابٍّ من الأنصار: يا فلان هلمَّ فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنتعلم منهم فإنهم كثير، قال العجب لك يا ابن عباس؛ أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض مَن ترى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: فتركت ذلك وأقبلت على المسألة وتتبُّع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجده قائلاً فأتوسَّد ردائي على بابه تُسفي الريح على وجهي حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لك؟ فأقول: بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله فأحببت أن أسمعه منك، قال: فيقول فهلاَّ بعثت إليَّ حتى آتيَك، فأقول: أنا أحقُّ أن آتيك، فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتاج الناس إليَّ فيقول: كنت أعقل مني.

    وروى الشعبي قال: صلى زيد بن ثابت على جنازة، ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ برِكَابه فقال له زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء.

    وقال الحسن بن علي لابنه: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثًا وإن طال حتى يمسك.
    ومَن يمتري في حثِّ الدين على العلم وقد ابتدأ الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].

    والقرآن مملوء من الترغيب في العلم وبيان فضيلة أهله، وتقديم ذوي العلم ورفعهم درجات، والنصوص من القرآن ومن الحديث يتعذَّر حصرها ويمتنع إحصاؤها، وحسبنا منها إيراد القليل كدليل على الكثير، واجتزاء بالجزء عن الكل والبعض عن الجميع.

    قال الله - جل ذكره -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

    قال ابن عبدالبر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": ورُوِي عن عائشة أن عليًّا - رضي الله عنه - قال في خطبة خطبها: واعلموا أن الناس أبناء مَن يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن، فتكلموا في العلم تتبين أقداركم.

    ويقال: إن قول علي بن أبي طالب قيمة كل امرئ ما يحسن لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة أحضَّ على طلب العلم منها، قالوا: ولا كلمة أضر بالعلم وبالعلماء والمتعلمين من قول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئًا.

    قال أبو عمر: قول علي - رحمه الله -: قيمة كل امرئ ما يحسن من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس إليه كل مطير ونظمه جماعةٌ من الشعراء؛ إعجابًا به وكَلَفًا بحسنه، فمن ذلك ما يعزى إلى الخليل بن أحمد قوله:
    لاَ يَكُونُ السَّرِيُّ مِثْلَ الدَّنِيِّ
    لاَ وَلاَ ذُو الذَّكَاءِ مِثْلَ الغَبِيِّ
    لاَ يَكُونُ الأَلَدُّ ذُو المِقْوَلِ المُرْ
    هَفِ عِندَ القِيَاسِ مِثْلَ العَيِيِّ
    قيمَةُ المَرْءِ كُلُّ مَا يُحسِنُ المَرْ
    ءُ قَضَاءً مِنَ الإِمامِ عَلِيِّ
    في أبيات له قد ذكرتها في غير هذا الموضع، وقال غيره:
    يَلُومُ عَلَى أَنْ رُحْتُ فِي العِلْمِ رَاغِبًا
    أُجَمِّعُ مِنْ عِندِ الرُّوَاةِ فُنُونَهُ
    فَيَا لاَئِمِي دَعْنِي أُغَالِي بِقِيمَتِي
    فَقِيمَةُ كُلِّ النَّاسِ مَا يُحْسِنُونَهُ
    وقال أبو العباس الناشئ:
    تَأَمَّلْ بِعَيْنِكَ هَذَا الأَنَا
    مَ كُنْ بَعْضَ مَنْ صَانَهُ عَقْلُهُ
    فَحِلْيَةُ كُلِّ فَتًى فَضْلُهُ
    وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ نُبْلُهُ
    فَلاَ تَتَّكِلْ فِي طِلاَبِ العُلَى
    عَلَى نَسَبٍ ثَابِتٍ أَصْلُهُ
    فَمَا مِنْ فَتًى زَانَهُ قَوْلُهُ
    بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ فِعْلُهُ
    قال ابن عباس: مكثت سنةً وأنا أشكُّ في ثنتين، وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتَين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أجد له موضعًا أسأله فيه حتى خرج حاجًّا وصحبته حتى إذا كنا بمر الظهران ذهب لحاجته وقال: أدركني بإداوة من ماء، فلمَّا قضى حاجته ورجع أتيته بالإداوة أصبُّها عليه فرأيت موضعًا فقلت: يا أمير المؤمنين مَن المرأتان المتظاهرتان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة.

    قال أبو عمر بن عبدالبر: لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلا هيبته، وذلك موجودٌ في حديث ابن شهاب أ.هـ.
    ونصه: عن ابن عباس قال: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن حديث ما منعني منه إلا هيبته، حتى تخلَّف في حج أو عمرة في الأراك الذي ببطن مر الظهران لحاجته، فلمَّا جاء وخلوت به قلت: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن سألك عن حديث منذ سنتين ما يمنعني إلا الهيبة لك، قال: فلا تفعل إذا أردت أن تسأل فسلْني، فإن كان منه عندي علم أخبرتك، وإلا قلت: الله أعلم فسألت مَن يعلم، قلت: مَن المرأتان اللتان ذُكر أنهما تظاهرتَا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: عائشة وحفصة، ثم قال: كان لي أخ من الأنصار[2] وكنا نتعاقب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل يومًا وينزل يومًا فما أتي من حديث أو خبر أتاني به وأنا مثل ذلك، ونزل ذات يوم وتخلَّفت فجاءني وذكر الحديث بطوله وتمامه.

    وعن سعيد بن المسيب قال لسعد بن مالك إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أهابك، فقال: لا تهبني يا ابن أخي، إذا علمت أن عندي علمًا فسلْني عنه، فقلت: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي في غزوة تبوك حين خلفه فقال سعد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا علي، أما ترضى أن تكون مَنِّي بمنزلة هارون من موسى))[3].

    وقال طاووس: إن من السنة أن توقِّر العالم.
    وعن محمد بن عطية الشاعر قال: كان يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس إليه فوافَى إسحاق الموصلي فجعل يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلَّم في الفقه فأحسَن واحتجَّ وتكلَّم في الشعر واللغة ففاق مَن حضر، فأقبل على يحيى بن أكثم فقال: أعزَّ الله - تعالى - القاضي، أفي شيء ممَّا ناظرت فيه وحكيت نقص أو معطن؟ قال: لا، قال: فما بالي أقوم بسائر العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العطوي: فالتفت إليَّ يحيى بن أكثم فقال: جوابه في هذا عليك، وكان العطوي من أهل الجدل، قال فقلت: نعم أعزَّ الله القاضي جوابه علي، ثم التفتَ إليَّ إسحاق وقلت: يا أبا محمد أنت كالفرَّاء والأخفش في النحو، فقال: لا، فقلت: فأنت في اللغة كأبي عبيدة والأصمعي، قال: لا، قلت: فأنت في الأنساب كالكلبي، قال: لا، قلت فأنت في الكلام كأبي هذيل والنظَّام، قال لا: قلت فمن هاهنا نسبته إلى ما نسبته إليه؛ لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه وأنت في غيره دون أوفَى أهله، فضحك وقام فانصرف، فقال يحيى بن أكتم: لقد وفَّيت الحجة حقها وفيها ظلم قليل لإسحاق وإنه ليقل في الزمان نظيره[4].

    دخل اليزيدي يومًا على الخليل وعنده جماعة وهو جالس على وسادة، فأوسع له فجلس مع اليزيدي على وسادته، فقال له اليزيدي: أحسبني قد ضيَّقت عليك، فقال الخليل: ما ضاق مكان على اثنين متحابَّين، والدنيا لا تسع اثنين متباغضين[5].

    ويحكى عن شرقي بن القطامي أنه قال: دخلت على المنصور فقال: يا شرقي على ما يؤتى المرء؟ فقلت: أصلح الله - تعالى - الخليفة على معروف قد سلف، أو مثله مؤتنف، أو قديم شرف، أو علم مطرف[6].

    وروى عباس بن الفرج قال: ركب الأصمعي حمارًا ذميمًا فقيل له: بعدَ براذين الخلفاء تركب هذا! فقال متمثلاً:
    فَلَمَّا أَبَتْ إِلاَّ طِرَاقًا بِوُدِّهَا
    وَتَكدِيرَهَا الشُّرْبَ الَّذِي كَانَ صَافِيَا
    شَرِبْنَا بِرِنْقٍ مِنْ هَوَاهَا مُكَدَّرٍ
    وَكَيْفَ يَعَافُ الرِّنْقَ مَنْ كَانَ صَادِيَا
    وهذا وأملك ديني أحب إلي من ذلك مع فقدهما[7].
    ـــــــــــــــ ــ
    [1] "نكت الهميان": ص 181.
    [2] هو عتبان بن مالك.
    [3] أخرجه البخاري (4416)، ومسلم (2404)، (31).
    [4] من كتاب "نزهة الألباء في طبقات الأدباء"؛ للأنباري.
    [5] من كتاب "نزهة الألباء في طبقات الأدباء"؛ للأنباري.
    [6] "نزهة الألباء في طبقات الأدباء"؛ للأنباري.
    [7] المرجع السابق.

    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/web/fayad/0/23675/#ixzz4CLBiXqe6

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    نعم شيخنا بارك الله فيك، لكن لابد أن يحفظ طالب العلم هيبته أولًا، وهذا ما أردته.
    نفع الله بك .
    الذي أردته أن توقير العالم - أو طالب العلم - لنفسه بحفظ هيبته أمام الخلق يجر توقير الناس له .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    نفع الله بك .
    الذي أردته أن توقير العالم - أو طالب العلم - لنفسه بحفظ هيبته أمام الخلق يجر توقير الناس له .
    وبك نفعنا الله شيخنا
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    آمين ، كثر الله فوائدك حبيبنا .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    أخشى أن تأتي منيتي ويصدق فيَّ قول القائل:

    فَإِنْ تُصِبْكَ مِنَ الأَيَّامِ قَارِعَةٌ ... لَمْ نَبْكِ مِنْكَ عَلَى دُنْيَا وَلاَ دِينِ
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    قال الذهبي: (فَإن من طلب العلمَ للآخرة: كسرَه علمُه، وخشع قلبُه، واستكانَت نفسُه، وكان على نَفسِه بالمرصَاد). (الكبائر: صـ: 79)
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي

    جزاك الله خيرا أبا البراء .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •