إرادة الإنسان الدنيا -يعني ثواب الدنيا- أعم من حال الرياء، فالرياء حالة واحدة من أحوال إرادة الإنسان الدنيا- لكن هناك أحوال أخر بإرادة الإنسان الدنيا تأتي في أحوال كثيرة أعم من حال الرياء بالخاصة ونبين بتفصيل جميع الانواع الداخلة فى قوله تعالى﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ(15)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[هود: 15-16])
--------------------------------------------------------------------- النوع الأول: ممن ركبوا هذا الشرك الأصغر وأرادوا بعملهم الحياة الدنيا؛ أنه يعمل العمل الصالح وهو فيه مخلص لله جل وعلا؛ ولكن يريد به ثواب الدنيا ولا يريد ثواب الآخرة. مثلا يتعبد الله جل وعلا بالصلاة وفيها مخلص لله أداها على طواعية واختيار وامتثال لأمر الله؛ لكن يريد منها أن يصح بدنه، أو وصل رحمه وهو يريد منه أن يحصل له في الدنيا الذكر الطيب والصلة ونحو ذلك وهو يريد بذلك ثواب الدنيا، فهذا النوع عمل العبادة امتثالا للأمر ومخلصا فيها لله؛ ولكنه طامع في ثواب الدنيا، وليس له همة في الآخرة، ولم يعمل هربا من النار وطمعا في الجنة، فهذا داخل في هذا النوع، وداخل في قوله (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ).
والأعمال التي يعملها العبد ويستحضر فيها ثواب الدنيا على قسمين:
القسم الأول: أن يكون العمل الذي عمله واستحضر فيه ثواب الدنيا وأراده ولم يرد ثواب الآخرة لم يرغِّب الشرع فيه بذكر ثواب الدنيا، مثل الصلاة والصيام ونحو ذلك من الأعمال والطاعات، فهذا لا يجوز له أن يريد به الدنيا ولو أراد به الدنيا فإنه مشرك ذلك الشرك.
والقسم الثاني: أعمال رتب الشارع عليها ثوابا في الدنيا ورغّب فيها بذكر ثوابا لها في الدنيا، مثل صلة الرحم وبر الوالدين ونحو ذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»، فهذا النوع إذا استحضر في عمله حين يعمل هذا العمل استحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل، ولم يستحضر الثواب الأخروي، فهو داخل في الوعيد فهو من أنواع هذا الشرك؛ لكن إذا استحضر الثواب الدنيوي والثواب الأخروي معا، له رغبة فيما عند الله في الآخرة يطمع الجنة ويهرب من النار واستحضر ثواب هذا العمل في الدنيا، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الشرع ما رغب فيه بذكر الثواب في الدنيا إلا للحض عليه «فمن قتل قتيلا فله سلبه» فقتل القتيل في الجهاد لكي يحصل على السلب هذا؛ ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيها عند الله جل وعلا مخلصا فيه لوجه الله، لكن أتى هذا من زيادة الترغيب له ولم يقتصر على هذه الدنيا، بل قلبه معلق أيضا بالآخرة، فهذا النوع لا بأس به ولا يدخل في النوع الأول مما ذكره السلف في هذه الاية--------------------------------------------------------------------------------------------------------------- النوع الثانيأن يعمل العمل الصالح لأجل المال، فهو يعمل العمل لأجل ما يحصّله من المال، مثل أن يدرس يتعلم العلم الشرعي لأجل الوظيفة فقط، وليس في همه رفع الجهالة عن نفسه والرغب في الجنة وما يقرب منها والهرب من النار ، فهذا داخل في ذلك، أو حفظ القرآن ليكون إماما في مسجد فغرضه من هذا العمل إنما هو المال، فهذا لم يعمل العمل صالحا، وإنما العمل الذي في ظاهره أنه صالح؛ ولكن في باطنه قد أراد به الدنيا.--فائدة-[الفرق بين من يعمل العمل من اجل المال ومن يعمل العمل رياءا – العمل من اجل المال امر مادى اما العمل رياء اراد امرا معنويا]-----------------------------------------------والنوع الثالث: أهل الرياء الذين يعملون الأعمال لأجل الرياء أن يعمل العمل الذي هو من العبادة إما صلاة أو تلاوة أو ذكر أو صدقة رحم أو نحو ذلك لأجل أن يُرى لأجل أن يراه الناس على ذلك فيثنوا عليه به، هذا هو الرياء.----------------- الرياء :-مردود على صاحبه و الله جل وعلا لا يقبل العمل الذي خالطه الرياء، والعلماء فصّلوا في ذلك فقالوا: الرياء إذا عرض للعبادة فله أحوال:1- أن يعرض للعبادة من أولها، فإذا عرض للعبادة من أولها فإن العبادة كلها باطلة؛ أنشأ الصلاة لنظر فلان فهذا عمله حابط-2-والحال الثانية أن يكون أصل العبادة لله؛ ولكن خلط ذلك العابد عمله برياء مثلا أطال الركوع وأكثر التسبيح لأجل من يراه، فهذا القدر الواجب من العبادة له، وما عدا ذلك فهو حابط؛ لأنه راء في الزيادة على الواجب، فيحبط ذلك الزائد وهو آثم عليه، لا يؤجر عليه ويحبط ولا ينتفع منه، ويؤزر على إشراكه وعلى مراءاته الا اذا كان اول العبادة مرتبط باخرها فان جميع العمل المرتبط بتلك العبادة يحبط-----------------------------------------------------------------------------------------
والنوع الرابع: الذين يعملون الأعمال الصالحة ومعهم ناقض من نواقض الإسلام، يعمل أعمال صالحة يصلي ويزكي ويتصدق ويقرأ القرآن ويتلو؛ ولكن هو مشرك الشرك الأكبر، فهذا وإن قال إنه مؤمن فليس بصادق في ذلك؛ لأنه لو كان صادق لوحّد الله جل وعلا.---------------- ----- اهل العلم ادخلوا الانواع الاربعة فى الوعيد فى هذه الاية﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ(15)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[هود: 15-16])فالكفار والمنافقين أرادوا الدنيا بكل عمل وليس معهم من الإيمان والإسلام مصحح لأصل أعمالهم، فهؤلاء مخلدون في النار، أما الذي معه أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يصح به عمله فهذا قد يحبط العمل؛ بل يحبط عمله الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا،.قال صلى الله عليه وسلم - مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي, تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». وما عداه لا يحبط لأن معه أصل الإيمان الذي يصحح العمل الذي لم يخالطه شرك.-----------[منتقى من كتاب التمهيد بتصريف]