قد نقلنا في المقال الآخر هنا (http://majles.alukah.net/t152169/#post817576) ما جاء في القرآن والسنة وأشعار الجاهلية من إقرار المشركين لهذه المسألة ننقل بعض ما وقفنا عليه من أقوال العلماء من السلف والخلف.
قد نقلنا في المقال الآخر هنا (http://majles.alukah.net/t152169/#post817576) ما جاء في القرآن والسنة وأشعار الجاهلية من إقرار المشركين لهذه المسألة ننقل بعض ما وقفنا عليه من أقوال العلماء من السلف والخلف.
المبحث الرابع: أقوال العلماء الدالة على إيمان المشركين للربوبية.
وأما أقوال العلماء في هذا الباب فهي كثيرة جداً، وقد نقلنا في تفسير قول الله تعالى" وما يؤمن أكثرهم بالله .. " جملة من تفاسير الصحابة والتابعين ممن نصّ أن الكفار كانوا يقرون أن الله خلقهم، وخلق السموات والأرض، ثم يشركون معه غيره، وممن نص على ذلك بأسانيد ثابتة، عبد الله ابن عباس (ت:68هـ) الصحابي الجليل ترجمان القرآن.
ومجاهد بن جبر المكي (ت: 102تقريباً)، وعكرمة مولى ابن عباس(ت:105ه)، وعطاء ابن أبي رباح(ت: 114هــ)،وقتادة بن دعامة السدوسي(ت:117تقري اً)،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم(ت:182ه)،والنض ر بن عربي الباهلي(ت: 168ه).
وقد تقدم كذلك قول بعض المفسرين كالإمام الطبري، والرازي، والقرطبي، وابن كثير، وغيرهم من المفسرين، وربما نعود أقوال بعضهم مما نقلناه سابقاً أو أخرى، ونذكر جملة من أقوال العلماء الآخرين من جميع المذاهب على ترتيب الوفيات مع إيضاح مذهب الشيخ غالباً إن لم يكن مجتهداً مستقلاً فنقول:
1- قال الإمام البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي(ت: 256هـ):وقال عكرمة: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]، {ولئن سألتهم من خلقهم} [الزخرف: 87]،و{من خلق السموات والأرض ليقولن الله}«فذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره»اهـ.([1]).
2- وقال الإمام ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276ه): فلست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد شيئا دونه، ليقربه منه عند نفسه، أو وصفه بغير صفته، أو أضاف إليه ما تعالى عنه علوا كبيرا.قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}.اهـ ([2]).
3- وقال الإمام الزاهد الحكيم الترمذي محمد بن علي بن الحسن أبو عبد الله(ت:تقريباً320 ـ):السَّحَاب تشرق الأَرْض بنورها ثمَّ بِقدر مَا يبْقى فإشراقها منكمن وَهِي محتجبة بذلك الْبَاقِي من الْغنم فَكَذَلِك الْهوى فِي الْآدَمِيّ مطبق على الْفُؤَاد فِي الصَّدْر والنور فِي الْقلب كَالشَّمْسِ المنكمنة فِي السَّحَاب فَلَا ينْتَفع بحرها وإشراقها وَإِذا غره الْعَدو حَتَّى أشرك بِاللَّه فقد انكشفت شمسه وَصَارَت مَعْرفَته فِي كفره وَالْكفْر الغطاء فَصَارَ صَدره كالليل المظلم وَهُوَ عَالم بِأَن الله خالقه ورازقه ومميته ومالكه وَالْعلم المنكمن فِي تِلْكَ الظلمَة لَا مستنير لعَيْنِي فُؤَاده وَهُوَ يَقُول رَبِّي الله ثمَّ لَا يَسْتَقِيم قَالَ الله تَعَالَى {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن خَلقهنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم}
وَمن يدبر الْأُمُور وَمن يرزقك وَمن يملك السّمع والأبصار وَمن بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء فسيقولن الله ثمَّ أشركوا بِهِ قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل {أَفلا تَتَّقُون. فذلكم الله ربكُم الْحق فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال}[يونس:31-32].
وَإِنَّمَا حملهمْ على الشّرك الْهوى لِأَن الْهوى يطْلب الضّر والنفع والتجأ من أجل الْمضرَّة وَالْمَنْفَعَة إِلَى الْأَوْثَان وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}[الزمر:3].
وَقَالَ {أم اتَّخذُوا من دون الله شُفَعَاء}[الزمر:43].وَقَالَ {وَاتَّخذُوا من دون الله آلِهَة ليكونوا لَهُم عزا}[مريم:81].اهـ([3]).
4- وقال الإمام الأشعري أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق(ت: 324هـ) في" رسالة إلى أهل الثغر":اعلموا - أرشدكم الله - أن الذي مضى عليه سلفنا5 ومن تبعهم من صالح خلفنا أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى سائر العالمين، وهم أحزاب متشتتون وفرق متباينون. منهم كتابي يدعو إلى الله بما تعبد به في كتابه، وفلسفي قد تشعبت به الأباطيل في أمور يدعيها بقضايا العقول.
وبرهمي تنكر أن يكون لله رسول، ودهري يدعي الإهمال ويخبط في عشو الضلال. وثنوي قد اشتملت عليه الحيرة، ومجوسي يدعي ما ليس له به خبرة، وصاحب صنم يعتكف عليه، ويزعم أنّ له رباً يتقرب بعبادة ذلك الصنم إليه. لينبههم جميعاً على حدوثهم، ويدعوهم إلى توحيد المحدث لهم ويبين لهم طرق معرفته بما فيهم من آثار صنعته، ويأمرهم برفض كل ما كانوا عليه من سائر الأباطيل.اه([4]).
5- وقال العلامة الأخباري أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه (ت: 328هـ) في " عقد الفريد":وبالعقل أدرك الناس معرفة الله عز وجل؛ ولا يشكّ فيه أحد من أهل العقول؛ يقول الله عز وجل في جميع الأمم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.اهـ.([5]).
[1] صحيح البخاري (بعد الرقم: 7519).
[2] "تأويل مختلف الحديث"(ص: 200)
[3] "الأمثال من الكتاب والسنة"(ص: 118- 119ط دار ابن زيدون / دار أسامة - بيروت – دمشق ت: د. السيد الجميلي.).
[4] "رسالة إلى أهل الغثر" (ص: 78-80 ت:عبد الله شاكر محمد الجنيدي).
[5] عقد الفريد (2/ 107/ ط دار الكتب العلمية – بيروت). انظر ترجمته من السير (15/ 283).
1-
2- وقال الإمام أبو محمد على بن حزم الظاهري في رده على الأشعرية في أصلهم أن الأعمال ليست من الإيمان وأنه تصديق في القلب وأن أعمال الجوارح ليست منه وأن الكفر هو زوال الإيمان القلبي وأن من فعل ما يكون كفرا شرعاً فهو دليل على زوال اليقين والتصديق الباطني وهذا جهل منهم قال الإمام: وأما قولهم أن أخبار الله تعالى بأن هؤلاء كلهم كفار دليلا على أن في قلوبهم كفرا وأن شتم الله تعالى ليس كفر ولكنه دليل على أن في القلب كفرا وإن كان كافرا لم يعرف الله تعالى قط، فهذه منهم دعاوي كاذبة مفتراة لا دليل لهم عليه
ولا برهان لا من نص ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من حجة عقل أصلا ولا من إجماع ولا من قياس ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطل وإفك وزور فسقط قولهم هذا من قرب ولله الحمد رب العالمين فكيف والبرهان قائم بإبطال هذه الدعوى من القرآن والسنن والإجماع والمعقول والحس والمشاهدة الضرورية فأما القرآن فإن الله عز وجل يقول {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} وقال تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} فأخبر تعالى بأنهم يصدقون بالله تعالى وهم مع ذلك مشركون وقال تعالى {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم}اهـ([1]).
3- وقال الإمام ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك المالكي(ت: 449هـ)([2]):أن كل مشرك أسلم أنه يكتب له أجر كل خير عمله قبل إسلامه، ولا يكتب عليه بشىء من سيئاته، لأن الإسلام يهدم ما قبله من الشرك، وإنما كتب له الخير، لأنه إنما أراد به وجه الله، لأنهم كانوا مقرين بالله إلا أن علمهم كان مردودا عليهم لو ماتوا على شركهم..اهـ.
4- وقال الإمام الجليل ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي المالكي (ت: 463ه) نقلاً عن العلماء في معنى الفطرة وأنها كقوله تعالى:{ألست بربكم قالوا بلى} قال: فأقروا جميعا له بالربوبية عن معرفة منهم به ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين مطبوعين على تلك المعرفة وذلك الإقرار،
قالوا وليست تلك المعرفة بإيمان ولا ذلك الإقرار بإيمان ولكنه إقرار من الطبيعة للرب فطرة ألزمها قلوبهم ثم أرسل إليهم الرسل فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية والخضوع تصديقا بما جاءت به الرسل فمنهم من أنكر وجحد بعد المعرفة وهو به عارف لأنه لم يكن الله ليدعو خلقه إلى الإيمان به وهو لم يعرفهم نفسه إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون قالوا وتصديق ذلك قوله عز وجل ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله..اهــ.([3]).
5- وقال الإمام الفقيه الأصولي الحنفي محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السَرْخَسي(ت: 483ه):..المسلمون لا يعظمون شيئا من المخلوقات تعظيم العبادة؛ فلهذا لا يذكر شيء من ذلك في استحلاف المسلم ،وغير هؤلاء من أهل الشرك يحلفون بالله فإنهم يعظمون الله تعالى كما قال عز وجل {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87]، وإنما يعبدون الأصنام تقربا إلى الله تعالى بزعمهم قال الله تعالى {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فيمتنعون من الحلف بالله كاذبا ويحصل به المقصود...اهــ.([4]).
6- وقال الإمام الفقيه الشافعي أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت: 476ه)في" التنبيه":مسألة حلف الكافر قال: فإن كان يهوديا حلف بالله الذي انزل التوراة على موسى بن عمران ونجاه من الغرق وإن كان نصرانيا حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام وإن كان مجوسيا أو وثنيا حلف بالله الذي خلقه وصوره..اهـ.([5]).
وقال في المهذب: وإن كان الحالف يهودياً أحلفه الله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق وإن كان نصرانياً أحلفه بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وإن كان مجوسياً أو وثنياً أحلفه بالله الذي خلقه وصوره.اهــ. ([6]).
[1] الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 112) وأبو محمد ابن حزم ممن يبالغ في ذم الأشعرية، وردوده لهم طافحة في كتبه المختلفة.
[2] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 437).
[3] التمهيد (18/ 91) وهذا الكلام جاء في شرح أقوال العلماء في معنى الفطرة فذكر أن بعضهم قال بهذا.
[4] المبسوط للسرخسي (16/120).
[5] التنبية في الفقه الشافعي (ص: 267 ط عالم الكتب). وهذا المعنى من أن الوثني يُحلف بالذي خلقه وصوره، هو ما وضحه كثير من علماء الشافعية في مسألة إقرار الوثني بالله وبأنه خالقه ومصوره، إذ يُحلف كل أحدٍ بما يؤمن به كما ذكروا في المسلم والكتابي والمجوسي والوثني.
[6] المهذب في فقة الإمام الشافعي (3/ 433 ط دار الكتب العلمية).
1- وقال الشيخ النحوي أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي القيرواني الحنبلي (ت: 479هـ) :والآلهة جمع إله، مثل: إزار وآزرة، وكان المشركون يعظمون الأصنام تعظيم ملوك بني آدم، وكان ذلك التعظيم كالعبادة لها، والمشركون مع ذلك مقرون أن الله تعالى هو خالقهم ورازقهم، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].اهـ.([1]).
2- وقال الإمام الأصولي أبو المظفر السمعاني منصور بن محمد بن عبد الجبار الحنفي ثم الشافعي (ت: 489ه) والله تعالى يقول حاكيا عن الكفرة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}وكذلك لا ترى أحدا من الكفار إلا وهو يخبر عن الصانع إنما كفرهم كان لوصفهم الله تعالى بما لا يليق به من الولد والشريك وكان كفر بإنكارهم البعث بعد الموت للجزاء..اهــ.([2]).
3- وقال الإمام فخر الإسلام الروياني أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي (ت: 502 ه) في مسالة لعان المشركين قال:": فأي فائدة في يمينهما وكيف يتصور لعانهما ولا يمين لهما، قلنا: إنما يتصور
ذلك لأنه ما من مشرك وإن خلا في شركه إلا وهو عند رجوعه إلى نفسه يعترف بخالق خلقه وإن كان معاندًا بلسانه. قال الله تعالى: في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث كسر الأصنام {فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء: 64 - 65]. وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] [197/ أ] في آيات كثيرة..اهــ.([3]).
4- وقال الإمام أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت: 502هـ):فمعرفة الله تعالى العامية مركوزة في النفس، وهي معرفة كل أحد أنه مفعول وأن له فاعلًا فعله، ونقله في الأحوال المختلفة، وإليه أشار بقوله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: 30].
وقوله:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}[البقرة: 138].
وقوله تعالىٍ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف:172].
فهذا القدر من المعرفة في نفس كل أحد، ويتنبه الغافل عنه إذا نُبِّه عليه فيعرفه كما يعرف أن ما هو مساوٍ لغيره فذلك الغير مساوٍ له، ومن هذا الوجه قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: 25].
وقال في مخاطبة المؤمنين والكافرين: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} ثم قال بعده: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}[النحل:53-54].
وأما معرفة اللَّه تعالى المكتسبة فمعرفة توحيده وصفاته، وما يجب أن يثبت له من الصفات، وما يجب أن ينفى عنه، وهذه المعرفة هي التي دعا الأنبياء - عليهم السلام - لها وحثوا عليها؛ ولهذا قال كلهم: قولوا: لا إله إلا اللَّه، ولم يدع أحد إلى معرفته تعالى، بل دعا إلى توحيده.اهـ.([4]).
5- وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي(ت: 505هـ)في كلام طويلٍ له في المحو والفنى - نعوذ بالله منه- قال:..وكتبُ الله المنزلة على ألسنة رسله هي الكحل الذي به يحصل أنوار الأبصار والأنبياء هم الكحالون وقد جاءوا داعين إلى التوحيد المحض وترجمته قول "لا إله إلا الله" ومعناه: أن لا يرى إلا الواحد الحق، والواصلون إلى كمال التوحيد هم الأقلون، والجاحدون والمشركون أيضا قليلون، وهم على الطرف الأقصى المقابل لطرف التوحيد ؛ إذ عبدة الأوثان قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} فكانوا داخلين في أوائل أبواب التوحيد دخولاً ضعيفاً والمتوسطون هم الأكثرون..اهــ.([5]).
6- وقال الإمام الكبير إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة الشافعي(ت: 535هـ):فإن كل أحد يرجع إلى غريزته عرف خالقه. وذلك معنى قوله تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} وهذه المعرفة هي المعرفة التي أخبر الله تعالى بوجودها من الكفار، وذلك في قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} وقال تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين} فحين ظهرت لهم حال الضرورة وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلق بأحد ظهرت فيهم المعرفة الغريزية..اهـ.([6])
7- وقال الإمام الشهرستاني أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشافعي الأشعري (ت: 548هـ) :وصنف منهم – يعنى العرب- أقروا بالخالق, وابتداء الخلق ونوع من الإعادة، وأنكروا الرسل، وعبدوا الأصنام، وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الدار الآخرة، وحجوا إليها، ونحروا لها الهدايا، وقربوا المقربين، وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر, وأحلوا وحرموا، وهم الدهماء من العرب، إلا شرذمة منهم نذكرهم..اهـ.([7]).
وقال: اعلم أن الأصناف التي ذكرنا مذاهبهم – ذكر طوائف من الكفار- يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام، إذا كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر ينظرون إليه ويعكفون عليه، وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناما زعموا أنها على صورتها. وبالجملة وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبود غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائبا منابه وقائما مقامه، وإلا فنعلم قطعا أن عاقلا ما لا ينحت جسما بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه، وإله الكل وخالق الكل، إذ كان وجوده مسبوقا بوجود صانعه، وشكله يحدث بصنعة ناحته.
لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها؛ كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها. وعن هذا كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}فلو كانوا مقتصرين على صورها في اعتقاد الربوبية والإلهية لما تعدوا عنها إلى رب الأرباب.اهـ.([8]).
8- وقال الإمام أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو بكر بن أبي طاهر الأزدي الشافعي(ت:550هـ):ق ل بعض العلماء: معرفة الله تعالى أن يعلم أن الله خالق العالم بما فيه، وهذه المعرفة للكفار أيضاً، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وحسن المعرفة أن يوحّده وينفي عنه التشبيه في الذات والتعطيل من الصفات، فيصفه بما وصف به نفسه من الصفات وبما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمثله في صفاته وذاته بالمخلوقات، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
والطاعة الانقياد لأمره، وحسنها اجتناب الرياء والشرك الخفي، قال الله تعالى: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.اهـ.([9]).
9- وقال الإمام العمراني أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (ت: 558هـ):وإن كان نصرانيا.. أحلفه بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى؛ لأنهم يعتقدون تعظيم ذلك، فغلظ عليهم به. وإن كان مجوسيا.. أحلفه بالله الذي خلقه وصوره ورزقه؛ لأنهم يعتقدون تعظيم ذلك. وإن كان وثنيا.. أحلفه بالله فحسب؛ لأنه لا يعظم لفظاً.اهـ.([10]).
وقال :إن عبدة الأصنام أكثرهم ليسوا قدرية، بل يقرون إن الله خلقهم وبذلك أخبر الله عنهم وإنما يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله ومن يقول: إن الله خلقه فإنه يقر أن جميع حركاته خلق لله؛ لأنها من سائر صفاته كلونه وسمعه وبصره وسائر الأعراض فيه، ولم يخالف بذلك إلا القدرية، وعبدة الأصنام منزهون عن قولهم اهـ.([11]).
وقال: وقد علمنا أن الكفار عرفوا بعقولهم أن الله خلقهم وأنه خلق السموات والأرض، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ويعرفون أيضاً أنه لا ينجيهم من ظلمات البر والبحر إلا الله ويدعون إلى الله أن ينجيهم وبذلك أخبر الله عنهم.اهـ.([12]).
وقال في قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْض}[آل عمران: 83]. يعني أقر بالعبودية، وقوله تعالى: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} يعني من الملائكة وقوله تعالى: {وَالأرْضِ} يعني المؤمنين {طَوْعاً} ثم قال {وَكَرْهاً} يعني أهل الأديان يعلمون أن الله خلقهم لأن الله قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: 87].اهـ([13]).
10- وقال الإمام الحافظ الكبير أبو موسى المديني محمد بن عمر بن أحمد الأصبهاني الشافعي شيخ المحدثين (ت:581هـ):فليس يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا، وإن أشرك به. قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}.اهـ.([14]).
[1] " النكت في القرآن الكريم(ص: 439 ت: د. عبد الله عبد القادر الطويل).
[2] قواطع الأدلة في الأصول (2/ 397 ت: محمد حسن محمد حسن اسماعيل الشافعي)
[3] بحر المذهب (في فروع المذهب الشافعي) (10/ 339- 340 ط دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 2009 م ت: طارق فتحي السيد).
[4] الذريعة إلى مكارم الشرعية (ص: 153).
[5] إحياء علوم الدين (4/ 87 ط دار المعرفة – بيروت).
[6] الحجة في بيان المحجة (2/ 41 ).
[7] الملل والنحل (3/ 80).
[8] المرجع السابق (3/ 104- 105).
[9] منازل الأئمة الأربعة (ص: 92- 93 ط مكتبة الملك فهد الوطنية ).
[10] البيان في المذهب الإمام الشافعي (13/ 255 ط دار المنهاج – جدة).
[11] الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (1/ 195 ط أضواء السلف، الرياض).
[12] المرجع السابق (3/795).
[13] المرجع السابق: (3/ 739).
[14] المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 513 ت: عبد الكريم العزباوي).
1- وقال الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي(ت: 587ه):..إن كان الحالف كافرا فإنه يحلف بالله عز وجل أيضا ذميا كان أو مشركا لأن المشركين لا ينكرون الصانع قال الله تبارك وتعالى جل شأنه {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] فيعظمون اسم الله تعالى عز شأنه ويعتقدون حرمة الإله إلا الدهرية والزنادقة وأهل الإباحة.وهؤلاء أقوام لم يتجاسروا على إظهار نحلتهم في عصر من الأعصار إلى يومنا هذا ونرجو من فضل الله عز وجل على أمة حبيبه - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقدرهم على إظهار ما انتحلوه إلى انقضاء الدنيا..اهــ([1]).
2- وقال الإمام برهان الدين علي بن أبي بكر المَرْغِيناني الحنفي(ت:593) :والوثني لا يحلف إلا بالله) لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى، قال الله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25]اهــ.([2]).
3- وقال الإمام ابن أثير أبو سعادات (ت: 606هـ)في " النهاية "([3])"وجامع الأصول"([4])":وفي حديث تلبية الجاهلية «لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك» يعنون بالشريك الصنم، يريدون أن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقربون بها إليه ملك لله تعالى، فذلك معنى قولهم: تملكه وما ملك.اهـ.
4- ونقل الإمام ابن منظور في "لسان العرب"،هذا القول من ابن أثير فقال:قال محمد بن المكرم: اللهم إنا نسألك صحة التوحيد والإخلاص في الإيمان، انظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصنم هو لك، ولا قولهم تملكه وما ملك مع تسميتهم الصنم شريكا، بل حبط عملهم بهذه التسمية، ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء، ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم: إلا ليقربونا إلى الله زلفى.اهــ.([5]).
وقال ابن أثير: فلا يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به، واختلفوا فيه.اهـ.([6]).
5- وقال الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي الشافعي (ت: 606هـ): اعلم أنه تعالى لما أطنب في وعيد المشركين وفي وعد الموحدين، عاد إلى إقامة الدليل على تزييف طريقة عبدة الأصنام، وبنى هذا التزييف على أصلين:
الأصل الأول: هو أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم الرحيم وهو المراد بقوله:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله واعلم أن من الناس من قال إن العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه،
وفطرة العقل شاهدة بصحة هذا العلم فإن من تأمل في عجائب أحوال السموات والأرض وفي عجائب أحوال النبات والحيوان خاصة وفي عجائب بدن الإنسان وما فيه من أنواع الحكم الغريبة والمصالح العجيبة، علم أنه لا بد من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم.
والأصل الثاني: أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله: قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته فثبت أنه لا بد من الإقرار بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر، وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية، وكان الاعتماد عليه كافيا.. اهـ.([7]).
6- وقال الإمام عز الدين ابن أثير أبو الحسن علي بن أبي الكرم(ت: 630هـ):فإن القول الحق الذي لا يشك فيه هو أنهم– قوم نوح- كانوا أهل أوثان يعبدونها، كما نطق به القرآن، وهو مذهب طائفة من الصابئين، فإن أصل مذهب الصابئين عبادة الروحانيين، وهم الملائكة لتقربهم إلى الله تعالى زلفى، فإنهم اعترفوا بصانع العالم وأنه حكيم قادر مقدس، إلا أنهم قالوا الواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى معرفة جلاله، وإنما نتقرب إليه بالوسائط المقربة لديه، وهم الروحانيون، وحيث لم يعاينوا الروحانيين تقربوا إليهم بالهياكل، وهي الكواكب السبعة السيارة لأنها مدبرة لهذا العالم عندهم، ثم ذهبت طائفة منهم، وهم أصحاب الأشخاص، حيث رأوا أن الهياكل تطلع وتغرب وترى ليلا ولا ترى نهارا - إلى وضع الأصنام لتكون نصب أعينهم ليتوسلوا بها إلى الهياكل، والهياكل إلى الروحانيين، والروحانيون إلى صانع العالم، فهذا كان أصل وضع الأصنام أولا، وقد كان أخيرا في العرب من هو على هذا الاعتقاد، وقال تعالى: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فقد حصل من عبادة الأصنام مذهب الصابئين، والكفر والفواحش، وغير ذلك من المعاصي.اهـ.([8]).
7- وقال الإمام عز بن عبد السلام سلطان العلماء(ت: 660هـ) في " أماليه":ولا يقال إنهم كانوا يعظمون الأصنام أكثر من تعظيم الله تعالى لأن الأمر ليس كذلك بل قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}..اهـ ([9]).
وقال في"أماليه" أيضاً في قوله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}: فيه إشكال لأن ذكره بعد قوله {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} يبطل قولهم وهذا لا يبطله لأن الملازمة بين الفساد والإله الثاني إنما تصدق إذا كان الإله الثاني تاما حتى يلزم التمانع، وهم لم يدعوا ذلك ألا تراهم يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} أما إلــهان تامان فلم يقل به أحد من الملل..اهـ.([10]).
[1] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 227 – 228ط دار الكتب العلمية).
[2] الهداية (3/ 159 ط دار احياء التراث العربي - بيروت – لبنان).
[3] النهاية في غريب الحديث (2/468 ).
[4] جامع الأصول في أحاديث الرسول (3/ 94 ت: عبد القادر الأرنؤوط - مع تتمة بشير عيون).
[5] لسان العرب (10/ 450 مادة: شرك).
[6] النهاية (1/ 451).
[7] مفاتيح الغيب (26/ 454 وما بعدها).
[8] الكامل في التاريخ (1/ 62).
[9] نقله الإمام ابن حجر الهيتمي في" الفتاوى الحديثية الكبرى" ( ص: 185).
[10] المرجع السابق (ص: 187)، وهذا الإشكال أجابه الهيتمي بأن"منهم من أثبت آلهته فقط، ومنهم من شرك، وهؤلاء المشركون منهم من زعم أن آلهته أكمل من الله تعالى" هذا أولا : وثانياً: "فلئن سلمنا له ذلك وأنهم لم يدَعوه إلا أنه لازم لقولهم ولازم المذهب مذهب بالنسبة لإقامة الدليل على إبطاله اتفاقا. فلما لزم من تسميتهم نحو الأصنام المنحوتة المتخذة من الأرض آلهة لزمهم أنها تقدر على جميع الممكنات إذ من لوازم الإله الاقتدار، على ذلك نسب الله تعالى إليهم ذلك وإن لم يصرحوا به..اهـ.
1- وقال الإمام القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر شمس الدين القرطبي المالكي (ت:671هـ):في تفسير قوله تعالى:(فأنى تسحرون): أي فكيف تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده. أو كيف يخيل إليكم أن تشركوا به مالا يضر ولا ينفع! والسحر هو التخييل. وكل هذا احتجاج على العرب المقرين بالصانع.اهـ ([1]).
2- وقال الإمام القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي (ت: 684ه): واستشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة أو للولد في أن الأول كفر دون الثاني مع أن كليهما قصد به التقرب إلى الله تعالى لقولهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}...اهـ.([2]).
وقال أيضاً: اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له كفر ولو وقع مثل ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير فإن قلت السجود للوالد والعالم يقصد به التقرب إلى الله تعالى فلذلك لم يكن كفرا قلت: وكذلك السجود للصنم فقد كانوا يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فقد صرحوا بقصد التقرب إلى الله تعالى بذلك السجود فإن قلت الله تعالى أمر بتعظيم الآباء والعلماء ولم يأمر بتعظيم الأصنام بل نهى عنه فلذلك كان كفراً، قلت: إن كان السجودان في المسألتين متساويين في المفسدة استحال في عادة الله أن يأمر بما هو كفر في بعض المواطن لقوله تعالى {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر: 7] أي لا يشرعه دينا،
ومعناه: أن الفعل المشتمل على فساد الكفر لا يؤذن فيه ولا يشرع فلا يقال: إن الله تعالى شرع ذلك في حق الآباء والعلماء دون الأصنام. وحقيقة الكفر في نفسه معلومة قبل الشريعة وليست مستفادة من الشرع ولا تبطل حقيقتها بالشريعة ولا تصير غير كفر فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يستشكل هذا المقام ويعظم الإشكال فيه.اهـ.([3]).
3- وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني الحنبلي (ت: 728هـ):..إن المشركين لم يكن أحد منهم يقول: إن العالم له خالقان ولا إن الله له شريك يساويه في صفاته، هذا لم يقله أحد من المشركين، بل كانوا يقرون بأن خالق السماوات والأرض واحد، كما أخبر الله عنهم بقوله {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] ..اهـ ([4]).
[1] تفسير القرطبي (12/145 ط دار الكتب المصرية – القاهرة) وقد سبق هذا القول.
[2] الذخيرة (12/ 29 ).
[3] الفروق للإمام القرافي (1/ 125).
[4] اقتضاء صراط المستقيم(2/358 ت:ناصر عبد الكريم العقل)، راجع "الجواب الصحيح"(1/351)،و"درء تعارض العقل والنقل"(9/368)،و" قاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة"(ص: 20)،و"مجموع الفتاوى (1/91 و2/129) و" الرد على الأخنائي"(ص: 84)، وغيرها من كتب شيخ الإسلام فهي طافحة بهذه المسألة .
1- وقال الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الشافعي (ت: 748هـ): المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله - تعالى - بمعنى أنهم لم يجحدوه، وعرفوا أنه خالقهم، قال - تعالى -: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف:87]
وقال: {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض} [إبراهيم:10] فهؤلاء لم ينكروا البارئ، ولا حجدوا الصانع، بل عرفوه، وإنما جهلوا نعوته المقدسة، وقالوا عليه ما لا يعلمون، والمؤمن فعرف ربه بصفات الكمال، ونفى عنه سمات النقص في الجملة، وآمن بربه، وكف عما لا يعلم، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه، وجهله من وجوه، والنبيون عرفوا الله - تعالى -، وبعضهم أكمل معرفة لله، والأولياء فعرفوه معرفة جيدة، ولكنها دون معرفة الأنبياء، ثم المؤمنون العالمون بعدهم، ثم الصالحون دونهم.
فالناس في معرفة ربهم متفاوتون، كما أن إيمانهم يزيد وينقص، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلا، ثم عدد من السابقين،
ثم سائر الصحابة، ثم علماء التابعين، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى، ودون ذلك وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام.اهــ.([1]).
2- وقال الإمام محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ) :..المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره كما قال أهل الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوه ُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} أي اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه وكذا قال المشركون عن معبودهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره.اهـ .([2]).
[1] سير أعلام النبلاء (17/ 547) وهذا جواب من قال :إن الكافر لم يعرف ربه حيث وصفه بغير صفاته فذكر الذهبي هذا التحرير.وكذلك يجاب ما جاء في ترجمة ابن الحداد في السير(14/ 213).
[2] بدائع الفوائد (1/ 137)، وراجع " مدارج السالكين" (1/ 96)،(1/ 348- 349)، "أحكام أهل الذمة" (2/ 1038)"شفاء العليل" (ص: 283)،طريق الهجرتين (ص: 347- 348)، مختصر صواعق المرسلة (ص: 346).
1- وقال الإمام السبكي أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي(ت: 756هـ) :...كل الخلق مقرون بالله تعالى كما قال تعالى {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87] .اهـ.([1]).
2- وقال ابنه الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (ت:771هـ)في مسالة الحقيقة الشرعية واللغوية وأن المشركين أبوا أن يطلقوا على الله اسم" الرحمن " لأنهم لم يضعوا له هذا اللفظ لكن لم ينكروا وجود الله فقال"...إن هذا اللفظ كان معلوما لهم وكذا صانع العالم كان معلوما لهم بدليل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لكن لم يضعوه لله تعالى ولذلك قالوا ما نعرف الرحمن إلى رحمان اليمامة حين نزل قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}.اهـ .([2]).
وقال:"... والتقرب إلى الله تعالى كان معلوما لهم لقوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}..اهـ([3]).
3- وقال الإمام الشاطبي إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي المالكي(ت: 790ه) :القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية والعمومات المتفق عليها؛ كقوله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون}،إلى أن قال {سيقولون لله] قل فأنى تسحرون} 2 [المؤمنون: 84-89] ؛ فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص مسحورين لا عقلاء.
وقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون} [العنكبوت: 61] ، يعني: كيف يصرفون عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا؛ فيدعون لله شريكا.اهــ.([4]).
4- وقال الإمام العلامة صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، (ت: 792هـ):ومن أسباب الشرك عبادة الكواكب، واتخاذ الأصنام بحسب ما يظن أنه مناسب للكواكب من طباعها. وشرك قوم إبراهيم عليه السلام كان - فيما يقال - من هذا الباب. وكذلك الشرك بالملائكة والجن، واتخاذ الأصنام لهم.
وهؤلاء كانوا مقرين بالصانع، وأنه ليس للعالم صانعان، ولكن اتخذوا هؤلاء شفعاء، كما أخبر عنهم تعالى بقوله: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] (الزمر: 3) . وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} [يونس: 18] (يونس: 18) .
وكذلك كان حال الأمم السالفة المشركين الذين كذبوا الرسل. كما حكى الله تعالى في قصة صالح عليه السلام عن التسعة رهط الذين تقاسموا بالله، أي: تحالفوا بالله، لنبيتنه وأهله. فهؤلاء المفسدون المشركون تحالفوا بالله عند قتل نبيهم وأهله، وهذا يبين أنهم كانوا مؤمنين بالله إيمان المشركين.اهـ.([5]).
[1] فتاوى السبكي (2/ 631) بعد كلام طويل ناقش فيه من قال:الذمية تدخل في حديث"«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج »" لأنها من أهل الكتاب وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر .
[2] الإبهاج شرح المنهاج (1/ 276).
[3] المرجع السابق (1/ 326).
[4] الموافقات (5/ 403 ت: مشهور آل سلمان).
[5] شرح الطحاوية (1/ 32 ت: الأرناوؤط).
1- وقال كمال الدين الدَمِيري محمد بن موسى بن عيسى أبو البقاء الشافعي (ت: 808هـ):فإن كان يهوديًا .. فقد تقدم أنه يحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، وإن كان نصرانيًا .. حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وإن كان مجوسيًا حلف بالله الذي خلقه وصوره، وإن اقتصر على الاسم وحده .. جاز.اهـ.([1]).
2- وقال الإمام مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى الشافعي (ت: 817هـ)صاحب "القاموس"قال: إِيمان فى ضمن شرك المشركين أُولى الطُّغيان: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} . وقولنا: إِيمان فى ضمن الشِّرك هو معنى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله}اهـ ([2]).
3- وقال الإمام تقي الدين المقريزي أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر، الحسيني الشافعي(المتوفى: 845هـ):ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقرّوا بأنه سبحانه وحده خالقهم، وخالق السموات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله، وإنما أنكروا توحيد الإلهيّة والمحبّة، كما قد حكى الله - تعالى - عنهم في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}،فلما سووا غيره به في هذا التّوحيد كانوا مشركين.اهـ([3]).
4- وقال الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ابن الهمام الحنفي (ت:861ه):واختير الإثبات في كلمة التوحيد إشارة، والنفي قصداً لأنه المقصود، إذ الكفار يقرون به إلا أنهم يشركون معه غيره، قال الله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25]..اهـ.([4]).
5- وقال زكريا الأنصاري أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد، الشافعي(ت: 926ه):وإن كان الحالف يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوارة على موسى ونجاه من الغرق أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره فلو اقتصر على قوله والله كفى..اهـ.([5]).
6- وقال العلامة الهيتمي أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي أبو العباس الأنصاري الشافعي (ت: 974هـ) :.كانوا على فرق منهم من يعظم صنمه أكثر من تعظيم الله ومنهم من يعكس...اهـ.([6]).
7- وقال الخطيب الشربيني شمس الدين، محمد بن أحمد، الشافعي(ت: 977ه):فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره.اهـ.([7]).
8- وقال العلامة المناوي(ت: 1031ه)في شرح" لا إلـــه إلا الله":أداة الحصر لقصر الصفة على الموصوف، قصر إفراد؛ لأن معناه الألوهية منحصرة في الله الواحد في مقابلة من يزعم اشتراك غيره معه وليس قصر قلب لأن أحدا من الكفار لم ينفها عن الله وإنما أشرك معه غيره {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}.اهــ.([8]).
[1]. نجم الوهاج في شرح المنهاج (10/ 414 ط دار المنهاج جدة).
[2] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز له (2/ 150).
[3] تجريد التوحيد المفيد (ص: 7).
[4] فتح القدير (8/ 355)، وأصل قوله مبني على مسألة خلافية بين الجمهور، والحنفية ، وهي هل الاستثناء من النفي إثبات والعكس،؟ ومذهب أبي حنيفة وجمهور أصحابه أن الاستثناء من النفي ليس إثباتاً، واعترض عليهم كلمة التوحيد، فإنه إذا لم يكن الاستثناء من النفي إثباتاً فإن هذه الكلمة ليست توحيداً ؛ إذ إنما تنفى ألوهية غير الله فقط، ولا تثبتُ له الألوهية، وهذا مخالف للإجماع كما ذكره غير واحدٍ من أهل العلم. لكن جواب الحنفية عن هذا هو ما ذكره الشيخ من أن ألوهيته – سبحانه - متفقة بين الكفار وبين المسلمين لكن هؤلاء الكفار أشركوا غيره في العبادة، وهو ما تنفيه "كلمة التوحيد" وهو جيد، والله أعلم.
[5] فتح والوهاب بشرح منهاج الطلاب (2/ 285).
[6] فتاوى الحديثية له (ص: 185)، وكان هذا جواباً عن إشكال أورده الإمام أبو محمد عز بن عبد السلام في قوله تعالى "{أفمن يخلق كمن لا يخلق}قال عز: هذا مشكل لأن قاعدة التشبيه أن يكون المشبه دون المشبه به وهذا واردٌ إنكاراً عليهم في تشبيههم الأصنام بالله عز وجل لقوله تعالى {يحبونهم كحب الله} فكان يقتضى أن يقال أفمن لا يخلق كمن يخلق ولا يقال إنهم كانوا يعظمون الأصنام أكثر من تعظيم الله تعالى لأن الأمر ليس كذلك بل قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.اهـ. فأجابه الهيتمي بقوله :وقوله ولا يقال الخ ممنوع بل كانوا... فذكره.
[7] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/ 417 ط دار الكتب العلمية).
[8] فيض القدير (6/ 159).
1- وقال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت: 1182هـ): إنَّ التوحيد قسمان: القسم الأول: توحيد الربوبية والخالقية والرَّازقية ونحوها، ومعناه: أنَّ الله وحده هو الخالق للعالَم، وهو الرَّبُّ لهم والرازق لهم، وهذا لا ينكره المشركون ولا يجعلون لله فيه شريكاً، بل هم مُقرُّون به، كما سيأتي في الأصل الرابع. والقسم الثاني: توحيد العبادة، ومعناه: إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادات الآتي بيانها، فهذا هو الذي جعلوا لله فيه شركاء، ولفظ الشريك يُشعر بالإقرار بالله تعالى.اهـ([1]).
2- وقال الإمام الشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت: 1250هـ):فالتوحيد هو دين العالم أوله وآخره وسابقه ولاحقه ومن خالف في ذلك فجعل لله عز وجل شريكا وعبد الأصنام فإنه كما أرشد إليه القرآن حكاية عنهم بقوله {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} مقر بأنه إيمان وإنما جعل الشريك وصلة إلى الرب سبحانه ووسيلة إلى التقريب إليه وما ثبت في الصحيح أنهم كانوا يقولون لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.اهـ.([2]).
وقال: فإن من يدعو الأموات ويهتف بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل لا يصدر منه ذلك إلا عن اعتقاد كاعتقاد أهل الجاهلية في أصنامهم هذا إن أراد من الميت الذي يعتقده ما كان تطلبه الجاهلية من أصنامهم من تقريبهم إلى الله فلا فرق بين الأمرين؛ وإن أراد استغلال من يدعوه من الأموات بأن يعطيه ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فهذا أمر لم تبلغ إليه الجاهلية فإنهم قالوا ما حكاه الله عنهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}..اهـ.([3]).
وقال : وما يؤمن أكثرهم بالله أي وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزاق المحيي المميت إلا وهم مشركون بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية، فإنهم مقرون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم، ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله، لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله، ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد القبور..اهـ.([4]).
3- وقال ابن عطار الحسن بن محمد بن محمود العطار الشافعي(ت: 1250ه):..الإخلال بالنظر الصحيح لا يوجب جهالة الألوهية من كل وجه، ولا إنكارها رأساً، قال تعالى حكاية عن عبدة الأصنام {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اعترافهم بألوهيته تعالى،
ولله در القائل:
وهل في التي دانوا لها وتعبدوا ... لذاتك ناف أو لوصفك جاحد.اهـ.([5]).
[1] تطهير الاعتقاد له (ص:50).
[2] إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (ص:5).
[3] الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (1/ 186).
[4] فتح القدير ( تفسير الإمام الشوكاني) (3/ 70 ).
[5] حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع(2/ 385).
1- وقال العلامة أبو الطيب محمد صديق خان الحسيني البخاري القِنوجي(ت: 1307هـ)في قصة رحلته إلى بيت الله بحراً:ومن العجائب التي لا ينبغي إخفاؤها: أن الملاحين إذا ترددوا في أمر المركب من جمود الريح أو هبوبها مخالفة أو شيئاً من الخوف على السفينة وأهلها، كانوا يهتفون باسم الشيخ عيدروس وغيره من المخلوقين، مستغيثين ومستعينين به، ولم يكونوا يذكرون الله -عز وجل- أبداً، أو يدعوه بأسمائه الحسنى، وكنت إذا سمعتهم ينادون غير الله، ويستعينون بالأولياء، خفت على أهل المركب خوفاً عظيماً من الهلاك.
وقلت في نفسي: يا لله العجب! كيف يصل هذا المركب بأهله إلى ساحل السلامة! فإن مشركي العرب قد كانوا لا يذكرون آلهتهم الباطلة في مثل هذا المقام، بل يدعون الله تعالى وحده غيرَ مشركين به، كما حكى عنهم سبحانه في محكم كتابه المبين: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65]، وهؤلاء القوم الذين يسمون أنفسهم المسلمين يدعون غيرَ الله، ويهتفون بأسماء المخلوقين، ولقد صدق الله تعالى فيما قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106].اهـ.([1]).
2- وقال أبو بكر بن شطا السيد البكري عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي(ت: 1310هـ):فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره.اهــ.([2]).
[1] رحلة الصديق إلى البيت العتيق، له (ص: 164).
[2] إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (4/ 363).
فهؤلاء خمسون نفساً من أهل العلم في جميع المذاهب المختلفة إما فقهياً أوعقدياً كلهم مجموعون على هذه المسألة وقد ذكرنا في تفسير قوله الله تعالى{وما يؤمن أكثرهم بالله} قول الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن العباس وجماعة من التابعين وهم ستة، وهذا قيل من كثيرٍ ونقطة من بحرٍ وما ذكرناه من الأقوال دليل على ما لم نذكر فقس على هذا ما بقي لك.
وتركتُ أقوال أئمة العصر وأئمة الدعوة النجدية المباركة لوضوحها وشهرتها.
والله أعلم بالصواب.